الاثنين، 26 يونيو 2017

كيف ترك شلومو ساند اليهودية.

ثلاثة شلومو ساند

هي ثلاثة كتب للبروفيسور شلومو ساند أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب حول إسرائيل والشعب اليهودي وأرض الميعاد في الميثولوجيا اليهودية، الجزء الأول بعنوان "اختراع شعب اليهودي" وفيه يناقش شلومو ويحلل كيفية نشوء الشعب الإسرائيلي ومن ثم اختراعه بالمفهوم المعاصر لكلمة شعب، بادئ ذي بدءٍ، يشرح فيه مفهوم كلمة الشعب والإثنية "العرق" والمفهوم الاجتماعي والتاريخي على مر العصور وعند علماء السوسيولوجيا، ومفهوم الدولة والأمة، وكيف كانت لليهودية كإثنية قبل الدين الدور المؤثر والمحفّز ليهود العالم وجذبهم لأجل الهجرة إلى الأرض الموعودة، والتي هي حقٌ لهم كما تُروج لها الأساطير والميثوتاريخ عند اليهود، من أبرز المواضيع في هذه الكتاب الذي يعتبر دراسة واسعة وكبيرة في هذا النطاق الخاص بتكوين الشعب اليهودي في أرض مغتصبة: هي خرافة النفي من أرض إسرائيل بعد دمار الهيكل الثاني في مملكة يهودا،حيث وكما يقول شلومو "فاليهود لم يتعرضوا لإجلاء(بالقوة) من (وطنهم) ولم يعودوا إليه بإرادتهم الحرة). وإن حدوث الهجرة كانت طوعية بعد خراب مملكة يهودا مع بقاء بعض الناس فيها ولم يغادروها. والقضية الثانية هي تعبئة للذاكرة حول هذه الإدعاءات بل والعمل على جعلها مسلمة حقيقية لا يمكن النقاش فيها، وكذلك تدور أبحاثه في انتشار الديانة اليهودية في الأمم التي  استوطنها اليهود بعد النفي المزعوم، ومن القضايا التي يطرحها في هذا الكتاب: مسألة التهويد وهل يعتبر كل من يدين اليهودية يهودي عرقي، وما تثيره هذه المسألة من جدال طويل عند اليهود وخاصة في لملمة الشعب التائه في ربوع الأوطان
ومن الفصول المهمة "الأقاليم الصامتة" وانتشار اليهودية في بلاد اليمن عند حمير والمغرب العربي عند الأمازيغ، وبلاد الخزر التي تشير بعض الآثار المكتشفة على يهودية عدد كبير من السكان فيها، والذين يعتبرون الأصل ليهود شرق أوروبا كما تُرجّح أكثر الاكتشافات التاريخية. ينتهي هذا الكتاب بفصل التفخيم والإقصاء وسياسة الهوية في أرض إسرائيل الجديدة، وديمقراطية إسرائيل والنزاع بين سياسة دولة إسرائيل في معاملتها للمواطن اليهودي- إسرائيلي والفلسطيني- الإسرائيلي، وإن هذا النزاع الهويتي في أرض إسرائيل الجديدة هل بالإمكان احتوائه وما هي السبل المناسبة في جعل إسرائيل ليبرالية تحفظ حقوق جميع المواطنين دون تفرقة دون أن تكون هناك تفرقة وميل إثني لليهود. فكما يقول شلومو ساند "فإنه ما زال من الملائم وصف إسرائيل كإثنوقراطيا،وإذا شئنا التدقيق سيكون تعريفها (كإثنوقراطيا يهودية) ذات ملامح ليبرالية،  بمعنى دولة ليست مهمتها الرئيسية خدمة شعب مدني- متساو وإنما خدمة (شعب عرقي) إثنوس بيولوجي ديني وهمي تماما من ناحية الحقيقة التاريخية.

الجزء الثاني من الثلاثية هو "اختراع أرض إسرائيل" أثار كتابه الأول الكثير من النقد والجدل وسوء الفهم والخلط لدى الباحثين ما بين مفهومية الأرض الموعودة والشعب المختار والأحقية التاريخية لهذين العنصرين في معتقد اليهودي في دولة إسرائيل الحديثة، فكتب هذا الكتاب الذي لا يقل أهمية عن سابقه في البحث والدراسة وطرح جميع المخاضات التي مرّت بها الأرض الموعودة أرض إسرائيل من ناحية الدينية والتاريخية، فلم يعطي مؤلفي كتب التناخ لقب الجيو- سياسي الذي تجذر بعد إقامة سلالة داود الصغرى للإقليم حول أرض إسرائيل (القدس)، ولذلك لم يظهر أي نص أو آثر يكشف لقب أرض إسرائيل كحيز جغرافي ومعروف، وبهذا ينسف الحجة الدينية حول الأحقية التي ليس لها أي دليل. وكما يقول "وهذا الاستخدام الواحد والوحيد والذي يعرف المنطقة التي حول القدس كـ أرض إسرائيل هو شاذ لأن معظم أسفار العهد الجديد يفضل استخدام (أرض يهودا).
وكون هذه الأرض غير ثابتة الحدود ستكون خطرًا على سكانها وجيرانها قاصدًا الدولة الإسرائيلية الجديدة.
ومن المواضيع التي يناقشها الكتاب ما هو مفهوم الوطن؟، وكيف تطور مفهومه في دول العالم المختفلة وكيف قامت الثورات من أجل الوطن بل وأصبحت أناشيد الثورات جزءًا من النشيد الوطني كما في النشيد الوطني الفرنسي، ومما يثيره شلومو هل الوطن هو الذي ولدت فيه أم ذاك الذي زرعته وعملت فيه، فكما كان يدعي الكثير من اليهود أن بابل هي وطنهم الثاني بل ورفض الكثير مغادرتها والعود للوطن الأم، وهل يكفي أن تكون مسيطرًا وساكنًا على إرض يوما ما الحق بسلبها بعد مئات السنين، هل يحق للعرب اليوم المطالبة بأرض الأندلس؟ فإن تطبيق المنطق اليهود في سلب الأرض سيجلب الخراب على هذا العالم كما قال شلومو.
أرض كنعان هي الأرض التي ذكرت في الكثير من الآيات في الأسفار، فكان الطابع التاريخي والديني ينفي كون هذه الأرض هي أرض إسرائيل وبحدودها الغير ثابتة والتي يدّعي اليهود أن الله وعدهم بها،والتي تعاقبت عليها الاحتلالات والسيطرة المختلفة من قبل الفرس والفراعنة والروم، يقول شلومو ساند في حج المسيحين واليهود إلى الأرض المقدسة خلال ١٧٠٠ عام وجد ثلاثون تقريرًا كتب عن حجيج يهود، بينما من عام ٣٣٣م- ١٨٧٨م وجد ما يقارب ال١٥٠٠ تقريرًا كتبه حجيج مسيح يوضحون ويشرحون فيه رحلة حجهم وما رأوه من في هذا الطريق، واصفين العادات وذاكرين أسماء المدن وطرق عيش السكان على طول طريق هذا الحج. إن هذه الإحصائية تُثبت ضعف تمسك اليهود في الحج إلى هذه الأرض عكس المسيحين،ليكون هذا الشريط التاريخي والديني الطويل وعلى مدى ١٧٠٠ عام مليء بالتناقضات وضعف صلة ما بين الشعب المزعوم والأرض الموعودة.
حين ضاق ذرع الغرب باليهود وحين أغلقت أمريكا الباب أمام المهاجرين اليهود إلى أرضها كان لا بدّ من أرضٍ يهاجرون لها فكان المقترح في أول الأمر هو مستعمرة لليهود في أوغندا وقد ادعى اللورد بلفور خلال نقاش برلماني سنة ١٩٠٥ أن المهاجرين اليهود يتزوجون في بينهم فقط وليس هناك احتمال أو أمل باندماجهم في الأمة البرطانية، وبتطور الأحداث في الشرق الأوسط وقيام الحروب العالمية وضعف السلطة العثمانية وانهيارها، كل هذه العوامل جعلت برطانيا تتكفل بتأسيس وطن قومي لليهود في أرض فلسطين في وعد بلفور سنة ١٩١٧ إلى اللورد رودتشيلد برسالة تضمّن تبليغًا نيابة عن حكومة برطانيا بهذا الوطن الجديد داخل الأرض الموعودة.
فكما هو واضح بين طيات الصفحات رغبة الغرب في التخلص من اليهود، ولم تكن أرضًا كفلسطين أكثر مناسبة من غيرها لما لها من تاريخ مرتبط بالإثنية والديانة اليهودية.فيقول شلومو (لقد كانت المآسي القاسية التي حلت باليهود، وإغلاق العالم المتنور حدوده في وجه اليهود، هما اللذان أديا في نهاية المطاف إقامة دولة إسرائيل). ويناقش الكتاب دور الصهيونية في إنشاء هذه الدولة وهذا التصادم الذي حدث ما بين الصهيونية واليهودية، وعن دور هرتسل في إقامة الدولة والسعي لتوحيد الرأي اليهودي لدعم إنشاء دولة فوق أرض إسرائيل، وكان من بين الصهيونيين الذين نطقوا بالحق  (أحاد هعام) فيقول وهو يشبّه الصهاينة ب(العبد إذا ملك) "فهم يتعاملون مع العرب بكراهية وقسوة ويتجاوزون حدود الحق". ويستمر الكاتب في النقد والتحليل والشرح لما بعد إقامة دولة إسرائيل والاستيطان والحروب التي خاضها الصهاينة من أجل دولتهم المزعومة.


الجزء الأخير من الثلاثية هي كتاب "كيف لم أعد يهوديًا" فبعد أن قام بتفكيك الأصنام الدينية والتاريخية في احتلال أرض فلسطين والتي أصبحت مسلّمات، يقوم شلومو في هذا الكتاب بطرح آرائه وشرحه لأفكاره حول اليهود في داخل إسرائيل وخارجها والثقافة اليهودية واليهودية العلمانية، واليهودية كعرق وكيف تعامل العالم مع القضية اليهودية. يبدأ كتابه بفصل حول مسألة الهوية اليهودية والجدل فيمن يحمل هذه الهوية وكيف يعتبر اليهودي مواطنا إسرائيليًا حتى وإن لم يسكن في إسرائيل ولم يكن يؤمن باليهودية فقط لكونه من العرق اليهودي وأمه يهودية،  بينما يعاني الفلسطيني-الإسرائيلي الكثير من الصعوبات فقط لكونه عربي المحروم من الكثير من حقوقه داخل إسرائيل على الرغم من ولادته في إسرائيل وأحقيته بكامل الحريات عن أولئك الذين لم يزوروا إسرائيل ورفضوا ترك بلدانهم التي نشأوا وعاشوا فيها، وكيف نشأ رهاب اليهودي على امتداد قرن من الزمان وكيف أصبح اليهودي وقتئذ مصدرًا للمشاكل ومعرض للخطر. وفي نفس السياق يذكر شلومو إنّ رهاب اليهود الذي تعرضوا له ما بين ١٨٥٠-١٩٥٠ ميلادي، قد بدأ يتحول أو تحول بالفعل تجاه المسلمين في هذا العالم. إن الصراع ما بين عربة الدين اليهودية الممتلئة والتي تتزعمها الصهيونية وعربة العلمانية اليهودية على أشده، لاختلاف الرؤى ما بين الاثنين مولدًا فرقًا بين تطلّعات العربتين وكون السلطة بيد الصهيونية كانت العربة العلمانية مضطرة لإفساح الطريق لعربة الصهيونية المسرعة
وفي تفسيره كيف أنه لم يعد يُمكن أن يسمي نفسه يهوديًا، مستنكرًا ما تقوم به دولة إسرائيل من سياسات قمعية يقول "كيف يستطيع شخص ليس مؤمنا متدينًا، بل إنسانوي ديمقراطي أو ليبرالي يتمتع بحد أدنى من النزاهة، أن يستمر بتعريف عن نفسه كيهودي؟  
يختتم شلومو ساند كتابه بهذه المقولة عن دولة إسرائيل الجديدة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار والتبصّر:

"إنّ مستقبل هذه (المملكة الصليبية) الجديدة، وكيلة العالم الغربي في قلب الشرق، يكتنفه الشك".

مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...