الجمعة، 29 سبتمبر 2017

رواية ملك في منفى العمر- أرنو جايجر.


هذه الرواية من الأعمال الأدبية الروائية التي تسلب الروح بين صفحاتها، للكاتب النمساوي أرنو جايجر، والتي تدور أحداثها حول رجل يبلغ سن الهرم ويصاب بالزهايمر، ويقوم ابنه برواية قصته، ومعاناة الأسرة في التعامل مع الأب وأهم ما في هذه الرواية سأحاول تلخيصه في عدة نقاط:

أولا: مرض الزهايمر: تناقش هذه الرواية مرض الزهايمر وما يفعله بالإنسان حين يسلب منه ذكرياته وعقله، ويجعله يعيش في عالم جديد، بينما جسده في هذا العالم، ومدى تأثير هذا المرض على الإنسان وعلاقته بأسرته، ونتائج هذا المرض وسببه في تقوية العلاقة وفتح أُفق جديدة بين المريض وذويه أو إبعاده عنهم وقتل صلة الرحم بينهم

ثانيا: كبار السن: بطل الرواية والتي تدور الأحداث حوله أوجست، المقاتل القديم والمشارك في الحرب العالمية الثانية، والذي يصل لمحطة ختامية فط حياته، منتظرًا فيها مرض الزهايمر، لتبدأ مرحلة جديدة وأخيرة من حياته، يرسم فيها ما يشاء من كلمات تفيض رقةً وهذيانًا وحكمة، والرواية تسلط الضوء على أهمية وكيفية التعامل الصحيح مع هذه المرحلة التي يصلها الإنسان والمشاكل التي تعانيها أسرة المريض، وأقرباؤه، الملك الكبير الذي يحتاح معاملة خاصة، لا تشبهها أي معاملة ولا يمكن تشبيهها ووصفها بأي مرحلة أخرى يمر بها الإنسان.

ثالثا: جيل الآباء وجيل الأبناء: من المواضيع التي تطرح بين طيات الصفحات، هي العلاقة بين جيل الآباء والأبناء، وكيفية التواصل ما بين هذين الجيلين، والتصارع الفكري والاجتماعي، ما بين التراث والحداثة، وكيفية تغيير الحياة، ما بين حياة أطفال نشأوا على الجهد والعمل والالتزامات الأخلاقية وعلى النقيض الذين نشأوا في حياة وديعة وناعمة، بعيدة كل البعد عن مصاعب ومشاق اضطر الجيل السابق أن يعاني منها، ومدى تأثير هذه الفروق في النشأة والتربية على حياتهم فيما بعد عند التصادم

رابعا: دور رعاية المسنين: تقرر العائلة أن تضع أوجست في سكن خاص بالمسنين، حيث يلقى العناية التي يحتاجها بصورة أفضل لوجود الممرضين المختصين لهذه المهمة، وهذه النقطة والتي أعتبرها من النواقض التي تهدد استقرار الكيان الأسري داخل المجتمع الأوربي، حيث تتخلى أسرة كبار السن عنهم، هذا إن استمروا بالتواصل معهم وهم في هذا السن، ووضعهم في دور رعايا خاصة، حيث يظهر جليًا أن الأسرة مفككة ويصل المسن رجلا أو امرأة إلى فترة الشيخوخة، ولا يجد حوله فردًا من أفراد أسرته، ويتبنى قطًا أو كلبًا يواسي وحشته ويؤنس وحدته، كأن الإنسان لا قيمة له في هذا العمر، وهذه من النقاط السلبية التي تقوم ببناء حاجز ما بين مرحلتين من عمر الإنسان، مرحلة الشيخوخة، ومرحلة ما قبل الشيخوخة
على الرغم من محاولة إظهار جايجر هذا القرار لظروف فوق قدرتهم على السيطرة عليها وبقاء الأسرة والابن الذي يروي الرواية على تواصل وعناية بأبيهم المريض تبقى هذه النقطة مثارًا للجدل بالنسبة لي

خامسًا: الذكريات: استعادة الذكريات (بأسلوب الفلاش باك) وقصها في هذه الرواية، أعطى للرواية بعدا آخر في مزج الماضي بالحاضر، فماضي أوجست مليء بالذكريات، والأحداث التي يرويها الابن عن عائلته وجدّيه وأعمامه، كلها تضفي رونقا خاصًا للأحداث، ليكون الماضي هي محرك رئيسي للحاضر، وتكون الذكريات محكمة أخلاقية تجبر أصحابها على تنفيذ الحكم المقرر ضدهم، في معاملة من أساؤا لهم بسوء أو بحسن نية، بجهلٍ أو بإدراك،  الذكريات والنظرة القاصرة للكثير من الأحداث الماضية هي المعيار الجديد التي على وفقها تكون المعاملة الجديدة، مرض الزهايمر يفتح الباب أمام الأبناء في تصحيح مسار علاقاتهم مع ذويهم. والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا لم يصب ذويهم بمرض عضال كالزهايمر ما هو الشيء الذي يجعلهم يراجعون حسابتهم؟  


الرواية ذات أسلوب مميز وبديع جدًا، لدرجة تجعلك تعيش تفاصيلها بكل دقة وكأنك جزء منها فالتصوير للأحداث والأحاديث، وُصفت بطريقة واقعية جدًا، حتى تنسى أنك تقرأ رواية، بل تعيش واقعا وترويه بنفسك
وتتنوع ما بين السيرة الذاتية والعلاقات الاجتماعية وذكر الحرب، والمرض والشيخوخة، والتطور الاقتصادي والتنوع في الحياة الجديدة، حتى يضيع القارئ في كل ما يُذكر دون أن يفقد شيئًا أو يفوته حدث أو موضوع يُذكر، لتبقى الرواية محفورة في قلبه قبل عقله

الأحد، 24 سبتمبر 2017

النثر العربي وقصيدة النثر.

النثر في الأدب العربي

النثر العربي القديم كان منقسما ما بين النثر الوصفي والنثر التخيلي، ويشمل هذان النوعين القصص والسير والحكايات الخرافية وما كتبه الكتاب كالجاحظ والتوحيدي وابن العميد، وتنوعت مآربه وأهدافه بين إيصال العلوم والمعارف إلى المتلقي وبين النثر الأدبي الهادف إلى إثارة مشاعر المتلقي، متسمدًا من الثقافات مرجعًا له

لم يهتم العرب كثيرا بحفظ النثر كونه يتجرد من الموسيقى والأوزان وكون المجتمع كان تغلب عليه الأمية وجهل الكتابة والقراءة، لذلك ما وصل لنا كان النزر اليسير منه، حتى قيل حفظ العرب ثلاثة أرباع الشعر ولم يحفظوا عُشر النثر؛لسهولة حفظ الشعر وتناسبه مع قابلية العربي على الحفظ وصعوبة النثر وعدم القدرة على حفظ الكلام دون أن يكون له إيقاع غنائي يسهل على المستمع حفظه، لكن اشتهر العرب بفنون النثر قديما كالخطابة والأمثال والوصايا، وكان من أشهر الخُطاب هو قس بن ساعدة وخطبته المعروفة في سوق عكاظ أورد منها "يا أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات وآيات وأرض ذات رتاج، وبحار ذات أمواج ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا أقسم قس قسمًا لا حانث فيه ولا آثمًا إن لله دينًا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ونبيًا قد حان حينه وأظلكم أوانه فطوبى لمن آمن به فهداه..."، و أسلوبها الجزل واضح وتنوع البلاغة ما بين السجع والجناس، وأهدافها التربوية والأخلاقية والوعظية والاجتماعية

وبمرور العصور الخلافات الإسلامية بقي النثر بذات المكانة التي لم ترتقِ لمنافسة الشعر وتنوعت خصائصه ومواضيعه في العصر الخلافة الراشدة والأموية والعباسية، كالخطب والرسائل والوصايا، ثم اندحر في العصور المتأخرة وخاصة في عصر المماليك في مصر ومن ثم في الخلافة العثمانية، كون العربية لم تكن اللغة الرسمية في هذه الخلافتين ولم تكن لغة أهل السلطة والخاصة، مما أدى إلى تراجع قيمة اللغة العربية واستخداماتها إلى عهد محمد علي والي مصر، والانفتاح الذي حدث في القرن الثامن والتاسع عشر على أوربا نتيجة التعامل مع أوربا سواء بالاحتلالات أو المعاهدات أو التدخل الأوربي في الشأن العربي الذي رافق ضعف وسلطة العثمانيين.

وببداية حركة الترجمة والتعريب وانتشار الصحف والمطابع، وقراءة المبتعثين للأدب الغربي وبدأوا بنقله إلى العربية، ليتعرف القارئ العربي إلى أنواع جديدة من الفنون الأدبية الشعرية والنثرية والرواية والقصة

فظهرت مصطلحات جديدة لم يكن العرب قد عرفها كقصيدة النثر والشعر النثري والنثر الشعري والشعر الحر، قد انتجتها الحركة الشعرية العربية الحديثة في القرن التاسع عشر، حتى أذكت "قصيدة النثر"نيران هذا الصراع على أشدها، "واعتبر بعض النقاد أن "قصيدة النثر" قد جسدت كل الصراعات الشعرية العربية قديما وحديثًا. وحتمت إعادة النظر في الصناعات الأدبية والأدبية، ومعرفة أنسب ما يفرضه النص الجديد"(١).

إن إشكالية النثر العربي الحديث، واستخدام مصطلحات شارك الشعر فيها "كالقصيدة النثرية والشعر النثري" هو الخلط الذي حصل ما بين الشعر والنثر في خصائصهما وبنائهما، فالشعر هو ما كان مبنيا على وزن "علم العروض" والموسيقى الشعرية من صيغ وتفعيلات وسجع وكم وزني، والنثر وهو مشتق من نثر أي تنثر شيئًا بيديك كأن تنثر التراب والحصى، ولم تشر المعاجم العربية إلى النثر كجنس أدبي باعتباره فنًا للقوم معروف قديما. ويتحرر النثر من شروط الشعر، فلا يتلزم بوزن واحد ولا يعتمد على تفيعلات محددة، بل هو كلام حر ولهذا سُمي نثرًا، وأنه عالم مختلف كل الاختلاف عن الشعر




للاطلاع أكثر: 





















قصيدة النثر.

جاءت الترجمة لتقوم بترجمة الأدبيات الشعرية الغربية إلى اللغة العربية، ولاختلاف قواعد اللغات عن بعضهما والوزن الخاص بالكلمات فيما بينهما، واختلاف قواعد الشعر، كان الشعر المترجم والمنقول للعربية نثرًا ويتم الاعتناء به وصياغته واختيار المفردات بأدق صورة ممكنة ليكون شبيها بنسخته الأصلية، قريبا لها في الإيقاع والأسلوب والتأثير

فتحت الترجمة أبوابانحو أجناس أدبية لم يعرفها العرب سابقا، فكان الشاعر أدونيس أول من اقترح مصطلح "قصيدة النثر" في مقالته الرائدة "قصيدة النثر"(٢)،  ولم يعط تعريفا دقيقا لها لكن اعتمد كما أشار في دراسته على كتاب سوزان برنار "قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا" ومن هذا نستنج أن قصيدة النثر مصادرها ليست عربية بل أجنبية ثمرة من ثمار الترجمة.

يتهرب أدونيس من إعطاء تعريف دقيق لقصيدة النثر التي اقترحها ترجمة للأصل الفرنسي مستدلا بعدم إمكانية تحديد الشعر ككل، لكنه يعطي مبادئ لقصيدة النثر

١- تقديمها نقيضا للشعر والقصيدة الشعرية الخاضعة للبحور والأوزان، لتكون جنسا أدبيا يتلاعب بالصياغة وفق ما يشاء الشاعر، وتعطيه حرية أكبر في الصياغة وتفتح أمامه أفاق واسعة من قطف ثمار اللغة في أي فصل كتابي يشاء، فلا يلتزم ببحر ولا إيقاع ولا قافية

٢- مبدأ الحرية، وأن الشاعر يكون حرًا في ظله تجربته الخاصة وإمكانياته في صياغة قصيدته وهذا المبدأ مرتبط بالأول ونتيجة له

٣- إلغاء التعارض ما بين النثر والشعر، وهذا التداخل بين العالمين كمحاولة لمزج الماء بالزيت، وتزويج هذين الجنسين، وهنا نواجه مشاكل كثيرة منها قواعد الشعر وحرية النثر، وأن إلغاء الحدود الفاصلة بين الاثنين وجعلهما واحدا مشكلة تبدأ من المصطلحات واللغة العربية تفرّق ما بين معنى النثر والشعر، وما بين القصيد والقصيدة، والنص النثري

ومن هذه المنطلقات ما زال مصطلح قصيدة النثر مثار جدل واسع واصطلح البعض مصطلحات جديدة كالنثيرة وقصيدة الأجد، لكنه يبقى مصدره نتاج ترجمة وليس جنسا أدبيا له أصوله وجذوره القديمة، لكنه ثبّت نفسه في الأدب العربي الحديث بل وأصبح ظاهرة كتب بها الكثير وما زالوا يكتبون، وإن لم يتفق الأدباء على مصطلح واحد، ولا على تحديد جنس هذه القصيدة، فلا هي تنتمي للشعر ولا هي تنتمي للأدب، فهي جنس ثالث يستقي من الاثنين خصائصه فيأخذ من الشعر شاعرية الكلمة وتوظيفها بأسلوب يناسب شكل القصيدة العام، ومن النثر حرية اختيار الوزن والإيقاع بما يناسب ما تجيش به نفسه وقت كتابته للقصيدة

ما زلت على حيرة من أمري فلا أكاد أقف بصف حتى أجد المقابل يشدني إليه لذلك قررت أن أقف على الحياد، وأبقى مستمتعا بقراءة القصيدة النثرية ومزاولة كتابتها، ولمَ لا العمل على تطويرها وإيجاد مصطلح يناسبها فلا يظلمها بانتقاص قيمتها الشعرية باعتبارها نثرا مطلقا ولا يرفعها دون مقامها الحقيقي فيعتبرها شعرًا خالصا بإسلوب حديث

فرضت قصيدة النثر مكانتها في الأدب العربي بل أصبحت سمة مميزة له ولها مكانتها في بطون الكتب الأدبية الدارسة للأدب العربي، وعلى الرغم من العمر القصير لهذا الجنس، لكنه في قادم العقود سيثبت جذوره في أدبنا العربي، وستزول خلافات المصطلح وتبقى بنية وهيكلة وأسلوب هذا الجنس الأدبي هو همُّ الباحث والدارس لقصيدة النثر بعيدًا عن إشكالية المصطلح.


الهوامش:
١- عبدالفتاح إسماعيل في حوار أجراه مع أدونيس وعبدالكريم الخطيبي "مجلة مواقف" عدد ٣٧ و٣٨.
٢- مقالة أدونيس "قصيدة النثر" نشرت في العدد ١٤ في مجلة الشعر سنة ١٩٦٠.
المصادر

١- النثر العربي القديم- د. عبدالله إبراهيم
٢- مجلة عالم الفكر العدد ٤، ٢٠١٦

مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...