الأحد، 28 أبريل 2019

ما بين أولاد حارتنا وسابع أيام الخلق.



(ما ستقرأونه في السطور التالية هدفه البحث في التشابه الذي رأيته ما بين روايتي أولاد حارتنا لنجيب محفوظ ورواية سابع أيام الخلق لعبد الخالق الركابي، لا التقليل من أي عمل أو كاتب، لذا وجب التنبيه).



بعد إكمال قراءة العملين في الفترة الماضية، فقد ظهر لي التشابه في بنية العملين وأحداثهما  إلى حد كبير ابتداءً من الراوي داخل الرواية إلى تفاصيل صغيرة مثل عمل الشعراء في المقاهي الحارة في رواية أولاد حارتنا على قص حكاية الجد جبلاوي مع ابنيه أدهم وإدريس وحكايات أحفاده، وما كان للرواة في مدينة الأسلاف من مهمة روي سيرة مطلق وأبنائه أو محاولة الفتوات والشيوخ التأثير في عمل الشعراء والرواة وتزييف بعض الحقائق أو طمسها.



الراوي الداخلي:



- تتشابه الروايتان بأن الراوي الذي يروي هو شخصية له كيانها داخل العمل، وإن كان دور الراوي في رواية أولاد حارتنا أقل حضورا بكثير من راوي رواية سابع أيام الخلق الذي كان له دور رئيس.



يقول الراوي في رواية أولاد حارتنا في الافتتاحية: شهدت العهد الأخير من حياة حارتنا وعاصرت الأحداث التي دفع بها إلى الوجود "عرفة" ابن حارتنا البار. وإلى أحد أصحاب عرفة يرجع الفضل في تسجيل حكايات حارتنا على يدي،…



يقول الراوي في رواية سابع أيام الخلق في كتاب الكتب (سِفر الألف): لعل كلمات (شبيب طاهر الغيّاث)، سادس رواة المخطوط، هي خير مدخل لروايتي هذه؛ ففي ختام الصفحات التي كتبها إليَّ لخص جهده وجهود من سبقه من الرواة بعبارة بليغة أشبه ما تكون بحكمة…



فكما هو واضح في المثالين، وجود راوٍ داخل العمل، يتكفل بالرواية، في حين يختفي الكاتب الحقيقي (محفوظ والركابي) في منطقة الظل ولا شيء يدل على وجودهما، إذ ينوب الراوي الداخلي بالعمل التجميعي والتركيبي والسردي.



-  إن عمل الراوي الداخلي في الروايتين لم يكن نابعا بصورة خالصة من ذاتيهما بل دخل اقتراح الآخر في دعمهم وتزويدهم بالمعلومات التي يحتاجانها كما لاحظنا في الاقتباسين أعلاه، وأيضا:



يقول الراوي في رواية أولاد حارتنا في الافتتاحية: … "إنك من القلة التي تعرف الكتابة، فلماذا لا تكتب حكايات حارتنا؟ إنها تروي بغير نظام، وتخضع لأهواء الرواة وتحزّباتهم، ومن المفيد أن نسجل بأمانة وحدة متكاملة ليُحسن الانتفاع بها، وسوف أمدك بما لا تعلم من الأخبار والأسرار". ونشطت إلى تنفيذ الفكرة، اقتناعا بوجاهتها من ناحية وحبا فيمن اقترحها من ناحية أخرى.



أما الرواية في رواية سابع أيام الخلق، فالطلب من الرواي كتابة الرواية ومساعدته من قبل بدر الفرهود، مدير المتحف، وشبيب طاهر الغياث، صاحب الفضل الكبير، في تحقيق متن المخطوط (السيرة المطلقية)، كان واضحا ولا يخفى على قارئ لهذا العمل، ووصل إلى وعي الشخصيات دورها داخل العمل، بل واقتراحهم إبقاء أسمائهم مثلما كان اسم شبيب طاهر- ثبيج لازم. وكان للرواي دورا بارزا إذ كونه روائيا فهذا ما ساعده كثيرا في تحويل السيرة المطلقية إلى قصة يدونها في روايته ويتكلم فيها عن مدينته مدينة (الأسلاف) يقول الراوي في الصفحة 123:


وهكذا كان من الطبيعي أن أرمق (بدر) بنظرة استنكار يوم اقترح عليَّ تسجيل الأقسام الثلاثة لـ(السيرة)، وفي ظني أنه يمزح. لكنه ازداد إصرارا على ذلك مؤكدا وجود فروق قد لا ينتبه لها الآخرون.



- إن الراوي في العملين ينتمي لنفس المدينة التي ولد وعاش فيها بعد عقود أو قرون من وقوع أحداثها.



يقول الراوي في أولاد حارتنا: هذه حكاية حارتنا، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق. لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته…



يقول الراوي في سابع أيام الخلق وهو الذي يعيش في مدينة الأسلاف: إذ لم يجانب شبيب طاهر الغياث الصواب حين ذكر أن القلعة كانت البؤرة التي نمت عنها مدينة (الأسلاف) على مدى قرون…



- اعتماد الراوي في العملين على الرواة التي يقصون الحكايات أو السيرة المطلقية.



يقول الراوي في أولاد حارتنا: … ولكني سجلتها جميعا كما يرويها الرواة وما أكثرهم.



أما الراوي في رواية سابع أيام الخلق فاعتماده على الرواة ما لا يحتاج أن نقتبس فتعدد الرواة في العمل كان مزية لها والذي تعددوا في الروي شفويا وسردا مثل عبد الله البصير ومدلول اليتيم وعذيب العاشق والسيد نور.



تكوين ومتن الروايتين:



التكوين:




رواية أولاد حارتنا موزعة في حكايات، وكل حكاية تمثل فصلا ومرحلة من الرواية، فهي مقسمة إلى قصص: أدهم وجبل ورفاعة وقاسم وعرفة، ولكل من هؤلاء قصته التي تصب في المتن الرئيس الممتد والمنتمي لقصة الجبلاوي مع أبنائه والصراع الدائر بين أدهم وإدريس، وكل قصة هي إكمال للأخرى حتى نحصل في النهاية على حكاية حارتنا الكاملة.


هذا التوزيع والتنويع نجده أيضا في رواية سابع أيام الخلق، وإن اختلفت بعض التفاصيل إلا أن التكوين العام والإطار الضام ذاته، فالرواية مكونة من جزئين، الأول: الرواية/ سيرة رواية (سابع أيام الخلق) والآخر: مخطط الراووق. تُقسم الرواية إلى سبعة كتب يحوي كل منها على سِفر وجزء من سيرة مخطوط الراووق خلا سِفر النون، والأسفار هي: سِفر ألف واللام والراء والحاء والميم والألف المحذوفة والنون والتي تشكل لفظ الجلالة الرحمٰن، وأجزاء المخطوط هي إشراق الأسماء وكتاب الإنيّة وإشراق الصفات وكتاب الهوية وإشراق الذات كتاب الأحدية. ويروي السيرة المطلقية في المخطوط أربعة رواة: يروي الجزء الأول عبد الله البصير عن بداية بناء مطلق للقلعة والخلاف بينه وبين السيد نور وتقرب مطلق من السلطات ومن ثم تفشي الطاعون، ويروي الجزء الثاني المكمل مدلول اليتيم الذي يروي قصة حب وزواج طارش بن مطلق من فتنة بنت المعيدي ذياب، ويروي الجزء الثالث عذيب العاشق قصة أبناء مطلق وزواجهم، ويروي الجزء الرابع والأخير السيد نور، لنحصل في الختام على متن المخطوط كاملا الذي سعى الراوي وبمساعدة شبيب طاهر وبدر الفرهود على إظهاره بحلته الأخيرة.



المتن:



- هناك بعض التشابهات في أحداث الروايتين. ففي رواية أولاد حارتنا، تنتهي قصص (جبل ورفاعة وقاسم) بالمواجهة والقتال ما بين أتباعهم وفتوات الحارة ومدير الوقف، وينتهي المخطوط بمواجهة مطلق وأبنائه مع الحكومة ودركها.



- يروي الشعراء حكاية جبلاوي الجد الأول للحارة في المقاهي، وبمرور الزمن يحاول الفتوات تزييف بعض الأحداث أو إخفاء قصة المواجهة مع الفتوات التي تنتهي بهزيمة الفتوات من قبل المُجددين والداعين لتوزيع واردات الوقف بالتساوي.



فيذكر الراوي كما ذكرت في الأمثلة أعلاه عن المهمة التي أُنيط بها لتدوين الحكايات لأسباب متعلقة بالتزييف والتحزّبات، ويذكر الراوي في قصة عرفة بأن شاعر آل قاسم كان يقول بأن هدف قاسم من المواجهة كان استغلال الوقف وهذا تزييف واضح عن هدف قاسم الذي تروى حكايته:


- شاعر آل قاسم يقول إن قاسم أراد استغلال الوقف حتى يجد كل حاجته فيستغني عن العمل ويفرغ للسعادة الغناء التي حلم بها أدهم. ص. 483



وفي رواية سابع أيام الخلق، فإن موضوع التزييف وإخفاء جزء من السيرة المطلقية يعد حدثا رئيسا له مساحته في الرواية. فقد تم عن طريق الرواة الذين استخدمتهم المشيخة- التي وضعتها السلطات- تزييف الوقائع، وعدم ذكر ما كان يحدث من رد مطلق على السلطات ومواجهته إياهم، وهذا هو الجزء المفقود من المخطوط- مواجهة مطلق شيخ البواشق للسلطات وهي الحادثة المعروفة بحادثة دكة المدفع.


وقد عرف آل غياث هذه الحقيقة بعد أن ذهب حليم الغياث إلى البلدة آخذًا معه المخطوط الذي قُرئ عليه، وكشف حقيقة تزييف المشيخة للسيرة المطلقية فتعاهدوا على نقلها إلى أبنائهم وتعليمهم إياها.


ويخصص لهذا الجزء من السيرة كتاب الألف المحذوفة الذي يروي حادثة دكة المدفع. ويوضح الراوي قبلها إن سبب تدوين السيد نور للسيرة هو منع الرواة من رواية الجزء المحظور من سيرة مطلق وحادثة دكة المدفع، والمواجهة مع السلطات والتي يرويها السيد نور. وتنتهي بموت الجميع بما فيهم مطلق، وأبنائه، جناح وقاصد وربيع ونايف، وهرب طارش وخضر وحاصود.



- كما لا يخفى على القارئ قيمة الرمز في الروايتين، وتعاملهم مع المقدسات بصورة تُوضح أن العمل له أبعاده الدينية والفكرية والتراثية لكن لكل رواية أهدافها الخاصة بها، والتي تمثل فكر الرواية وغايته من العمل.


**


هل هذا التشابه الذي أراه، قد حدث بصورة مقصودة أو عفوية؟ لا أعتقد سواء أكان عفويا من قبل الركابي أم مقصودا، أنه يقلل من قيمة عمله، فإنْ كانت الفكرة السلف لرواية أولاد حارتنا فإنَّ رواية سابع أيام الخلق هي خير الخلف، ولا يمكن أن ننسى أن بُنية العمل وتعدد الرواة ومستويات السرد في رواية سابع أيام الخلق مزية وعلامة مهمة للرواية، إضافة إلى أن رواية سابع أيام الخلق قد ركزت على كيفية كتابة الرواية وتجميع المخطوط وهذا ما لا يوجد في رواية أولاد حارتنا ولو لم يكن هذا الجزء الخاص بـ(سيرة الرواية وكتابتها) موجودا فإن العمل يفقد جلَّ قيمته الأدبية، إذ سيرة الرواية وتدوين كيف كُتبت، وحياة الرواي الرئيس داخل العمل ولقاء الراوي بشخصياته ووعيهم بدورهم في الرواية يُحسب له، فهو يرفع من قيمة هذه الرواية إلى مصاف الإبداع الروائي المميز الذي قلَّ نظيره في الرواية العربية.

السبت، 27 أبريل 2019

أولاد حارتنا - نجيب محفوظ.



أثارت هذه الرواية منذ أن كانت تنشر مُسلسلةً في الأهرام سنة 1959، حفيظة شريحة كبيرة من المسلمين، فيقول الشيخ عبد الحميد كشك (رحمه الله) في كتابه "كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا": "وقد ثارت ثورة الأزهر على هذه القصة وبين وجه الافتراء فيها على الإسلام وأبدى الرأي في ذلك صريحا واضحا فما كان من رئيس تحرير الأهرام وقتئذ محمد حسنين هيكل إلا أن انبرى لثورة علماء الأزهر على هذا الكتاب وأبدى احتجاجه الشديد اللهجة على رد علماء الأزهر وشجع الأستاذ نجيب محفوظ على مواصلة نشر هذه القصة ولم يعبأ بما أبداه علماء الأزهر من غضبة لله تعالى ودفاع عن شرع رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) فاستمر نشر هذه القصة في تلك الظروف القاتمة السواد".

لم تنشر هذه الرواية في كتاب في مصر إلا أنها نشرت عن دار الآداب في بيروت عام 1967، وفي هذا السياق يذكر الدكتور أحمد كمال أبو المجد في مقالته عن رواية أولاد حارتنا المنشورة في الأهرام في التاسع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر سنة 1994 بعد لقائه نجيب محفوظ بعد محاولة اغتيال فاشلة بسبب الرواية، قول نجيب:
"إني حريص دائما على أن تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدى الناس، حتى وإن اختلف بعضهم معي في الرأي، ولذلك لما تبينت أن الخلط بين "الرواية" و"الكتاب" قد وقع فعلا عند بعض الناس، وأنه أحدث ما أحدث من سوء فهم، اشترطت ألا يعاد نشرها إلا بعد أن يوافق الأزهر على هذا النشر (ولا يزال هذا موقفي إلى الآن). وقد أعيد نشر هذا المقال من قبل الدكتور أحمد كمال أبو المجد عام 2006.

ومما يذكره المقال على لسان محفوظ أيضا: "إن كتاباتي كلها، القديم منها والجديد، تتمسك بهذين المحورين: "الإسلام وهو منبع قيم الخير في أمتنا، والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا"" ويضيف محفوظ أيضا: "إن مشكلة "أولاد حارتنا" منذ البداية أنني كتبتها "رواية"، وقرأها بعض الناس "كتابا"، والرواية تركيب أدبي فيه الحقيقة وفيه الرمز، وفيه الواقع وفيه الخيال، ولا بأس بهذا أبدا، ولا يجوز أن تحاكم "الرواية" إلى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها، لأن كاتبها باختيار هذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بهذا أصلا وهو يعبر عن رأيه في رواية.

ومما يذكر موقع النوبل عن محفوظ في التعريف به بعد أن نال جائزة النوبل للآداب لسنة 1988:
"... بدأ الكتابة مجددا برواية أولاد حارتنا -العنوان الإنجليزي أبناء جبلاوي- في سياق جديد أخفى فيه آرائه السياسية كثيرا خلف الاستعارة والرمز.
وفي محاضرة النوبل يذكر الموقع أيضا عن رواية أولاد حارتنا:
إن الثيمة لهذه الراوية غير الاعتيادية هي بحث الإنسان الأبدي عن القيم الروحانية. ظهر آدم وحواء، موسى وعيسى ومحمد وآخرون، إضافة إلى العالِم المعاصر- نسبة إلى العلوم-، بتخفٍ مكشوف. والعالِم هو المسؤول عن موت الأب الأول جبلاوي (الله). وتواجه النُظم المعيارية المختلفة تأزما في وصف صراع الخير والشر. ونظرًا للطريقة التي تعامل فيها  الكتاب مع المقدسات فلم يستطع المؤلف طبع كتابه في بلده ونُشر في مكان آخر.
إذًا، فنحن أمام تفسيرات مختلفة لثلاثة من المصادر التي تمثل معيارية مرجعية في الحكم على العمل بعيدا عن نطاق الأدب والرواية ما بين الأزهر (الرافض) ولجنة النوبل (المؤيدة) وفي الوسط يقف نجيب محفوظ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. بعد قراءة هذا العمل الذي اختلطت فيه الحقيقة والواقع بالخيال، والمقدّس بالمدنّس، والإيمان بالكفر، في جو ميتافيزيقي وأحيانا فانتازي، إذ يستمد نجيب محفوظ من التاريخ والأديان والصراع بين العلم والدين، والصراع بين الأديان، والفلسفة الوجودية رؤيا تخوض الرواية في أعماقها، لتبدو في مواضع أنها تأخذ قصص الأنبياء بأسلوب بارودي ساخر ثم ترفعهم عبر مدحهم ومدح مشروعهم الإصلاحي الذي تمثّل في محاربة الفتوات والمديرين المسؤولين عن الوقف، وتحقيق رغبة جبلاوي، في حين تتبنى في موضع آخر رؤية وجودية إلحادية للخلق والخالق حين يعيد قول نيتشه الذي صرح بموت الإله بـ
-لله الأمر، من بعد العمر الطويل مات الجبلاوي!
لا يمكن أخذ هذه الجملة باعتباط أو أن نمر منها مرور الكرام، ففيها من البارودية والرؤية الفكرية التي تبشر بها الرواية التي تمثلت بعد صراع طويل بين المصلحين (جبل ورفاعة وقاسم) والفتوات والنظّام لأجل وصية (شريعة) جبلاوي  بموت جبلاوي (الله أو الدين) على يد عرفة (المعرفة أو العلم).
فماذا أراد محفوظ من هذه الرواية وبهذا الطرح المثير، فهذا ما لم يسبقه به أحد من قبله، فهل يمكن أن نأخذ بقوله حين قال بأنه لا يجب أن نخلط بين الكتاب والرواية أو أنه مقتنع فعلا بأن الإسلام والعلم هما الحل لنهضة أمتنا؟ نحن بعد قوله لا يجب أن نتقول عليه ونزيد في تأويل ما لم يقله وإن لم نصدقه، ويبقى السؤال لماذا اختار محفوظ هذا الطريق الوعر للتعبير عن هذه الرؤية والمنهاج في روايته، لماذا اقتحم عالم المقدس بهذه الصورة؟ استعارته ورمزيته لم تكن كثيفة وهذا مقصود منه فهو يريد الاقتحام والمواجهة، يقينا منه أن المجتمع المحيط به يحتاج إلى صدمة قوية تزلزل أركانه وتبعثه من جديد لينهض بواقعه ويطوره، ولم يجد مناصا إلا باجتياح عالم المقدسات في رواية ينزلها إلى واقع مصري، حيث الحارات والمقاهي والفتونة والنبوت. لا أخفي إعجابي بالأفكار الشيطانية التي لا تتنزل إلى أي كان، سواء أأخطأ محفوظ أم لم يخطئ، وفكرة العمل وهذا الطرح، واقتباس قصص الأنبياء (موسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام)) بل وجلبهم في هيئة مصرية تبدو مثيرة للاهتمام ومخيفة وخطرة وشرسة لكن من قال أنه يقصد الأنبياء بذواتهم المعروفة المقدسة؟ ليغامرنا سؤال لماذا لم يختر أحداثا أخرى إذا لم يكن يقصدهم أنفسهم؟ نعم، هنا بالضبط نقف أمام العبقرية الأدبية التي تستغل الواقع والتاريخ والدين والمقدس وتصهره في بوتقة الرواية، كلنا أصحاب رسالة علينا تعمير الأرض ومحاربة الظلم والشر. لا يمكن وصم الرواية بأنها تنتسب أو تصور دين من الأديان الإبراهيمية دون سواه، فهي تستمد من الثلاثة رغم أنها تبنت فكرة النصارى حول أن البشر أبناء الله -تعالى عما يقولون- عبر قول جميع ناس الحارة بأنهم أحفاد جبلاوي، الأب المؤسس. ولا يمكن لأي كان أن يخرج الرواية من الرمز الديني لأن هذا محال حيث يدل الرمز على مقصوده، ونتساءل هل هو رمز أو مجرد تغيير أسماء كأن يحاول فيل أن يخفي جسده الكبير أمام نبتة صغيرة، هي كذلك لم يقصد الرمز رغم استخدامه بل أراد تصوير الحقيقة التي يؤمن بها الناس عبر تقريب الصورة لهم بواقع يعيشونه ويفهمونه بسرعة، ليروه بأعينهم المعاصرة لا أعين القدماء. ما أراده محفوظ من هذه الرواية هو تسليط الضوء على عدم جواز تبني الدين وحده دون العلم وعدم تبني العلم وحده دون الدين، فمن تكلموا باسم جبلاوي سواء من مديرو الوقف أو فتوات مثلوا الاستغلال الديني أو عرفة والذي مثّلا العلم المجرد من أي اعتبارات أخلاقية، وكان مصير الطرفين الموت! فلا بد من وحدة ما بين الاثنين وهذا ما يؤكده محفوظ في مقالة أبو المجد.


بالعودة إلى الرواية فتبدأ الرواية من اختيار جبلاوي الأب لابنه الأصغر أدهم (آدم) ليكون مديرا للوقف؛ لمعرفته القراءة والكتابة والحساب، وهنا يثور الابن الأكبر إدريس (إبليس) رافضا هذا القرار، لينتهي به الحال مطرودا من البيت الكبير (الجنة) إلى الخلاء (الدنيا)، لكن إدريس لم يتوانَ عن محاولة إغواء أدهم الذي تزوج من أميمة (حواء) لأجل أن يطرده من البيت الكبير ويخرب علاقته مع أبيهما، وكان له ما كان بعد أن حاول أدهم بطلب من إدريس وتشجيع من أميمة معرفة أسرار الوصية والشروط العشرة التي تحوي ما كتبه جبلاوي عن مصير ثروته وورثته، ليطرد بعدها أدم وأميمة من البيت الكبير، وتبدأ مرحلة جديدة من حياة الاثنين مثلت الفصل الأول من الكتاب انتهى بعفو جبلاوي عن ابنه أدهم (كما حدث مع آدم (عليه السلام)). الفصل الثاني والذي مثل الجيل الأول من أحفاد أدهم وصراعهم مع فتوة الحارة والناظم مدير الوقف، وهي القصة التي مثلت قصة موسى وفرعون وبني إسرائيل، واختار محفوظ اسم جبل ليمثل موسى (عليه السلام)، والجبل في قصة موسى له شواهد كثيرة منها:
"ورفعنا فوقهم الطور" والطور هو الجبل.
"فكان كل فرق كالطود العظيم" والطود هو الجبل.
"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربه قال رب أرني أنظر إليك، قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل…"
من هذه الشواهد القرآنية نعرف لماذا اختار محفوظ اسم جبل ليمثل القوة التي تنقذ أبناء الحارة من شر الفتوات والناظم مدير الوقف، وتحقيق العدل للجميع وتوزيع واردات الوقف عليهم بالتساوي.
ويتكرر الأمر مع رفاعة (عيسى (عليه السلام)) وقومه، الذي عمل على مداواة الناس وإخراج العفاريت منهم، لأجل أن ينالوا الراحة والسعادة التي عمل على تعليم الناس أن السعادة لا تكمن في المال ولا القوة، وانتهى قتيلا بعد أن وشت به زوجته ياسمينة (يهوذا)، لكن تلاميذه (الحواريون) نهجوا نهجه وانتهى الأمر بانتصار من تبنى فكر رفاعة.
لكن الحارة وأبناءها دائما ما يعودون إلى سيرتهم القديمة من الظلم والفتونة والاعتداء على الآخرين فدأبهم النسيان، ليسود جو من الخوف والرعب وتسلط ثلة قليلة على البقية، ليكون قاسم (محمد (صلى الله عليه وسلم) وكنتيه أبو القاسم) آخر من واجه الفتوات ومديري الوقف لأجل إحلال العدالة والمساواة بين أبناء الحارة وتوزيع خيرات الوقف بالتساوي بين الجميع.
لتنتهي الرواية في فصلها الأخير متمثلا في عرفة الساحر (المعرفة والعلم) الذي تعلم فنون السحر (العلم)، وهنا تظهر نقطة مهمة جدا لا بد من تسليط الضوء عليها، فعرفة كشف سره بعد قتل جبلاوي الجد الأول (العلم يقتل الله أو الدين) وقتل الفتوة سعد الله (العلم يقتل القوة البشرية ويخلق نوعا جديدا من القوة، قوة العلم)، استغله الناظم (الحكومة) في صنع مادة قابلة للانفجار توضع في قارورة (القنبلة والسلاح) تنوب عن الفتوات والقوة، مكنته من السيطرة على الحارة وأحيائها الثلاثة (حي جبل وحي رفاعة وحي قاسم)، وحبسه الناظم عنده، وحينما قرر الهرب من الناظم، قُتل.

هذه إذن الرواية المثيرة للجدل التي ما زالت محط نقاش بعد أكثر من ستة عقود على نشرها.

الأحد، 21 أبريل 2019

المسرات والأوجاع - فؤاد التكرلي.

 

تستحق هذه الرواية أن تنال موقعا مرموقا ومكانة مميزة في الأدب الروائي، فهي من طراز ثلاثية نجيب محفوظ، ومئة عام من العزلة لماركيز، حيث يمتد العمل لعقود من الزمن، مارا بحياة عشرات الشخصيات وإن تركزت الرواية بصورة كبيرة على حياة توفيق سردا ورويا، إلا أن هذا الأمر لا يُخرجها من شمولية العمل الروائي والإبداع الأدبي، حين يسلط الضوء على حياة الأفراد ويضبط إيقاع الزمن على مسرّاتهم وأوجاعهم. المسرات في هذه الرواية رغم قصر زمنها في حياة الأفراد فهي ذات أثر كبير، إذ تدفع الشخصيات فيها ضريبة المسرّة أوجاعا تمتد وتستحوذ على الزمن الباقي الذي تخللته فترات المسرّة
تبدأ الرواية بسرد عن دربونة الشوادي -كلمة في اللهجة العراقية جمع لقرد- حيث تبدأ قصة هذه العائلة بجدها المؤسس عبد المولى في خانقين -مدينة في محافظة ديالى شرق العراق- الذي يُرزق بعدة أبناء، يمتازون كأبيهم بخِلقة قبيحة، وهم متشابهون، هذه الخلقة التي أضحت سمة لهذه العائلة وأفرادها، ذكورا وإناثا، فيأخذنا الرواي العليم بسرد في مئة صفحة يسرد علينا قصصا وأحداثا من هذه العائلة التي تبتدئ من عبد المولى الوحيد إلى أبناء وأحفاد بالعشرات، إذ تكبر العائلة وتتوزع وتنتشر في مناطق عديدة داخل خانقين وخارجها، وبعد عرض بانورامي شمولي، يتجه السرد وكاميرا العرض إلى حياة الشخصيات التي ستمثل محور العمل الرئيس، عائلة سور الدين وزوجته وابنيه، عبد الباري وتوفيق، وعائلة سلمان آل القصابي وزوجته وابنتيه، ثريا وكميلة، وما جمع هاتين العائلتين من أواصر الزواج والتداخل، الذي تمثل بزواج عبد الباري من ثريا وفي وقت لاحق توفيق من كميلة. لتنتقل الرواية بعدها إلى تنوع في المواضيع والأحداث وتطورها وتغيرها وتداخلها، في مسارات حياتية دراماتيكية وتراجيدية ودرامية، لتعطي الحياة صورة مجردة من الرتوش أو التزييف، فالعلاقات الإنسانية تملأها الأنانية، والمال له هيبته، وسطوته، وأواصر القرابة تنخرها الصراعات والخيانات، لكن رغم كل هذه المساوئ إلا أن هناك بصيص ضوء وأمل يُشرقان ويسطعان بين فترة وأخرى، صراع المسرّة والوجع، الخير والشر الذي يقبع في الذات البشرية. هذه الرواية صورة من صور المجتمع العراقي لفترة تمتد لأكثر من ثمانية عقود ابتداءً من القرن العشرين حتى السنة الأولى من الحرب العراقية الإيرانية. إن عملية تتبع ثمانية عقود من الحياة الاجتماعية وتطورها وانقلاباتها لهو عملٌ مُضنٍ لا يستطيع أي يُسيطر عليه أي راوٍ، إلا أن التكرلي أبان عن مهارة أدبية وسردية كبيرة سنتسعرض بعضها.

السرد في الرواية:

إن السرد في هذه الرواية قد تنوع إلى أسلوبين رئيسين، الأول هو أسلوب السرد غير المباشر، بواسطة راوٍ عليم، كلي المعرفة، وهو ما تمثل في فصلين من الكتاب، حيث يسرد الراوي العليم الأحداث التي تمثلت بالاقتضاب والسرعة الزمنية مع الوقوف عند الأحداث المهمة لا سيما في الفصل الأول، وكذلك كان العرض فيها بانوراميا، يحاول فيه عرض الصورة كاملة بكل تفاصيلها وتفرعاتها ليحكم قبضته على الأحداث والشخصيات ويبقيها تحت سيطرته لكي لا تتسلل بعيدا عنه، وحين يجد الراوي العليم نفسه في موضع لا يجب أن يستمر فيه فهو يسلم الراية إلى شخصيته الرئيسة، توفيق،  ليكمل بدل عنه. هذا الانتقال من أسلوب السرد غير المباشر، إلى أسلوب السرد المباشر، بضمير المتكلم، أنا، يدفعنا إلى سؤال يفرض نفسه فرضا، ألا وهو من اختار للشخصية أن تتحدث ولماذا؟ 
آلرواي هو من اختار توفيق ليتحدث، ولماذا توفيق دون غيره، أم أن هذا الانتقال في أسلوب السرد كان خيارا فنيا من التكرلي؟ الإجابة قد تكون خليطا ما بين الاثنين، الراوي العليم والروائي التكرلي. يقول الراوي في نهاية الفصل الأول: هذه الصفحات السابقة والتالية، هي من أجل محاولة اكتشاف أخطائنا الشخصية التي ارتكبناها فكبلتنا، وتلك الأخطاء التي لم نرتكبها فزادت من تكبيلنا
الخطاب واضح من راوٍ عليم إلى متلقٍ يدرك وجوده ويشعر به، بل هو واثق من إنصاته إليه، لا الراوي عليم وحده بل حتى توفيق الذي يتوجه في الفصل الأخير بخطاب مباشر إلى متلقٍ ما، القارئ. إذًا، فهذا الانتقال هو ضرورة فنية وبذات الوقت رؤية الراوي بعدم قدرته على الاستمرار فشعر بالتعب وأوكل مهمة السرد إلى شخصيته، لتشاركه العمل بل تأخذ قسما أكبر من قسمه، هذا التنازل من الراوي إلى الشخصية، له فائدة أخرى هو تحجيم مساحة السرد، فالشخصية الرئيسة، توفيق، علمه محدود عكس الراوي العليم، إضافة إلى إدراك الراوي بأن توفيق سيسرد للقارئ بصورة أقرب للنفس تصديقا وأكثر حميمية، وينتقل الراوي إلى منطقة الظل، منطقة المراقبة فقط دون القدرة على التدخل في السرد، فقد تنازل عن الجزء الأكبر من قصته لشخصيته لتنوب بالعمل.  
تظهر براعة التكرلي السردية في تنويع السرد المباشر الذي تكفل به توفيق، فيدون توفيق في يومياته أحداث أيامه ومشاعره وأفكاره وعلاقته مع زوجته كميلة، هذه اليوميات التي امتدت لقرابة ثلاث سنوات، تجعل القارئ يقف بصورة قريبة ومباشرة من ذات توفيق وشخصيته وما يخالجه من مشاعر وأفكار ورغبات، كان هو أفضل من سيجيد هذا الدور ويتحدث عن نفسه. في حين يتحدث بأسلوب مباشر عن الزمن الماضي القريب موجها خطابه مباشرة إلى متلقٍ ما في الفصل الأخير من الكتاب. هذا التنويع والتوزيع في أساليب السرد وتنوع الرواة ما بين عليم وراوٍ بضمير المتكلم، أضفى جمالية في تشكيل العمل وبُنيته، وحيوية يستمتع القارئ فيها، وهو يلمس التناغم والتوازن في السرد
وما يلاحظ أيضا في هذا العمل، أن الزمن ومساحة الحدث تناسبا طرديا، فحين  يمضي الزمن الروائي بسرعة فإن مساحة الأحداث تكون كبيرة، وكلما بطأت سرعة الزمن الروائي قلت مساحة الأحداث إلى تصل أحيانا إلى حدث الشخصية الواحدة. هذا التناسق ما بين الزمن الروائي وسرعته ومساحة الأحداث وعدد الشخصيات، جعل العمل متوازنا في العرض تتناسب في فصوله مع إمكانيات كل راوٍ، سواء أكان راويا عليما أم راويا بضمير المتكلم. هذه العناصر الفنية الروائية والسردية، تُحيل إلى موضوع آخر توزع في الرواية تمثل في النقد الروائي.

النقد الروائي في الرواية

توفيق الذي بدأ في مرحلة من حياته بالقراءة بعد أن أهدى له رفيقه عبد القادر كتبا، عمل على أن تكون القراءة رفيقة له في جميع مراحل حياته المتقلبة، ولم يتوقف الأمر عند القراءة فقط، فالروائي يستخدم شخصية توفيق، ليبث من خلالها آراءه في متن عمله، فتختلف الآراء في الأعمال ما بين مدح أو ذم، فتوفيق يناقش الأعمال التي قرأها، ويذكر أراءه النقدية، سواء في بُنية العمل أو تركيب الشخصيات وبنائها، وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه من وعي فكري أو قدرة على مجاراة الحياة بهذه المستوى، فينقد على بعض الروائيين عدم ذكرهم كيف وصلوا إلى هذه المرحلة فطريق الوصول كما يراه أهم من الوصول، وعدم ذكر هذا الطريق والتقلبات والتنقلات التي مرّت بها هذه الشخصيات في حياتها يبدو فجوة تفصل ما بين مرحلة الوعي النهائي ومرحلة طريق الوصول، هذه القفزة من المنطقة ألف  إلى المنطقة باء، دون المرور بالطريق الذي يجب أن تمر به الشخصية يراه توفيق مخلا بالعمل. هذا الأمر كما ندرك جيدا قد لا يعني توفيق فقط بل قد يعني أيضا آراء التكرلي كذلك. لذا فيجب أن ننتقل الآن إلى الشخصية الرئيسة توفيق.


توفيق وحياة التراجيدية

لا أدري لمَ خطر لي وأنا أقرأ أن حياة توفيق التراجيدية رغم اختلافها عن حياة أندريه أحد أبطال رواية الحرب والسلم لتولستوي إلا أنهما متشابهان، بتغييرات الحياة العاصفة والتي كان لها الأثر الكبير في خلق شخصيتيهما كُلٍّ على حدة، ليتمتعا بسماتها الخاصة واللتين لا تلتقيان إلا في درجة المأساة. قد يكون حب توفيق (ومن فوقه التكرلي) لرواية الحرب والسلم، هي السبب في إعادة خلق شخصية شبيهة بأندريه في قالب عراقي في زمن مختلف بتطلعات ورؤى وأفكار ومشاعر ورغبات، تحددها طبيعة الحياة والزمن والمجتمع والعائلة والحالة المادية. توفيق ذو الشكل الجميل، الذي لم يشبه عمومته أو أبناءهم أو حتى أخاه أو أباه، كان له الأثر الأول في أن يكون محط أنظار الإناث، وفي تشكيل رغبة جنسية محمومة وأحيانا مسعورة -أظهرت مبالغة إيروتيكية في بعض أحداث الرواية- لم يملك توفيق معها إلا أن يراوغ ويحاول بكل الطرق أن يجذب الأنثى له لكي يمارس معها متعة الحياة العظمى. فبعد علاقة غرامية مع آديل التي تعرف عليها في زمن خلا من شبابه، وعرفها بعد أن أصبحت زوجة صديقه، إلا أنه لا يقيم اعتبارا لأي قيم أخلاقية أو روابط الصداقة، فما دام يحبها ويشتهيها فلا بد من الوصول إليها. حتى بعد زواجه من كميلة إلا أنها بقي شهوانيا لم يمنعه رابط أخلاقي وقرابة أسرية من اشتهاء أنوار، زوجة قريبه،  ومروادتها عن نفسها، ويصل الأمر إلى مرحلة من الخلاعة اللا محدودة مع فتحية وغسان، الشاب الذي عرفه منذ الصغر، فرغم مواقعته لفتحية ومراودتها عدة مرات، إلا أنه بعد أن أحبها غسان وواقعها لم يمنعه رابط الصداقة الأبوية مع غسان  أن يستغل لحظة خوف فتحية ويمارس معها، هذه العبثية والخلاعة التي كانت لدى توفيق، تجعل منه أحيانا شخصا حقيرا  بغض النظر عن التقلبات والمآسي في حياته، التي بدأت بسفر آديل بعد اعتقال زوجها بتهمة التخابر، وعلاقته الزوجية السيئة مع كميلة، المرأة  المهوسة برغبة الحمل وإنجاب طفل، التي ازدادت سوءا في علاقته معها بعد معرفة أن حيواناته المنوية ضعيف وغير قادرة على الإخصاب وأن عليهما الصبر وتكرار المحاولة حتى تنجح، لتصل مأساته ذروتها بعد فصله من الوظيفة وتخلي العائلة والأصدقاء عنه، أحداث درامية لا تقل سوءا عن خلاعة توفيق ورغبته المسعورة، لترى أن الحياة تُكافئه بصورة متساوية مع خضوعه لشهواته. لينتقل بعدها للسكن في غرفة مع عائلة فتحية، ويستمر في حياة الفقر وشظف العيش، يكافح لأجل اللقمة، لكنه رغم هذا يبقى عبدا خاضعا لشهواته. نرى بوضوح تغيّر وتطوّر شخصية توفيق، هذا التطور الذي يرسم مسلكه التكرلي بوضوح يبدو كأنه رسالة يوجهها إلى أولئك الذين انتقدتهم والقرّاء في أهمية ذكر الطريق الذي تسلكه الشخصية من أجل الوصول إلى مرحلة الوعي النهائية

في الختام هذه الرواية عمل إبداعي مميز، الأمر الوحيد الذي قد يُؤاخذ عليها هو الإفراط في الإيروتيكية، والتركيز على شهوانية توفيق بصورة مكررة يتأتى عنها الملل، فكان بالإمكان التقليل من هذه الإيروتيكية وتجنب كثيرا من التوصيفات والعرض المُعاد الذي لا جِدّة فيه، دون الحشو في وصف الجسد وتفاصيل القبلة وإعادة ذكر ما ينتاب توفيق من سعار جنسي






مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...