السبت، 22 يونيو 2019

فن كتابة المراجعة عند إيمان العزوزي.


اعتاد القارئ أن يقرأ مقالات ومراجعات عن الأعمال الأدبية والقراءات، لكنني اليوم سأسلط الضوء وأكتب مقالا مستعرضا فيه أسلوب كتابة المقالات والمراجعات عند إيمان العزوزي*. تعرفت عليها منذ سنوات في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ثم قُدّر لي أن أطرح عليها فكرة نشر مقالاتها وتدويناتها الأدبية في مدونة وصفحة قرطاس الأدب التي أديرها، وأنا أقرأ مراجعاتها وأراجعها قبل النشر بدا لي أنها تلتزم بأسلوب مراجعة ثابت وواضح المعالم لم يمكنني تجاهله، لم أنتبه كثيرا في القراءات الأولى لكن شيئا فشيئا اتضحت الصورة أمامي كاملة بما يسمح لي بنقلها إلى القارئ وأخذ أمثلة من مراجعاتها لتكون نماذج في كتابة المراجعات. لا يتوقف الأمر هنا، فأنا أود أن أطرح السؤال على القارئ حول إمكانية ومشروعية تحول كتابة المراجعات الرصينة إلى نوع أدبي يمكن إدراجه في النقد الأدبي غير الأكاديمي أو نقد القارئ، وبعيدا عن المنهجية النقدية الصارمة أو الالتزام بأسس لا بد توفر لمن ينبري للكتابة في مجال النقد الأدبي ولا سيما في هذا الوقت وشيوع منصات التواصل التي أعطت الفرصة للجميع للكتابة إبداء آرائهم في الأعمال الأدبية والكتّاب، وأضحوا قوة لا يستهان بها، ترفع أناسا وتخفض آخرين. القارئ اليوم في مواقع التواصل وفي مواقع مراجعة الكتب له ثقله التأثيري في الوسط والشارع الأدبي، ولا أخفي القارئ سرا أن بعض الروائيين قالوا لي إنهم يقرأون مراجعات من يثقون بهم من القراء ويعتمدون عليها في خضم ضيق الوقت وعدم المقدرة على قراءة كل الأعمال وخاصة تلك التي تصدر حديثا، الروايات التي تكتب عنها المراجعات الكثيرة لا تختلف كثيرا عن تلك التي يتم الترويج لها إعلاميا، بل أن كثرة كتابة المراجعات عن بعض الأعمال سيكون سببا كافيا لجعلها تتصدر قائمة المبيعات. فلو نظرنا إلى الأمر نظرة كلية سنرى أن مشروع تحويل كتابة المراجعة إلى نوع أدبي يدرج ضمن نقد القارئ أو النقد غير الأكاديمي له عدة اعتبارات لا يمكن تلافيها منها:

- إفساح المجال أمام القراء لكتابة آرائهم مما يجعل الكاتب أقرب إلى القراء خير من أن يلتف حوله بعض النقاد مدفعو الثمن، بهذا الاتصال المباشر بين القراء والكتاب سيكون الاحتكاك ذا فائدة ويدفع العجلة الأدبية إلى الأمام.

-  حين تكون للمراجعات ثقلها المعترف به فهذا يساعد القارئ والكاتب على حد سواء في التعامل مع المراجعات بصورة أكبر فائدة وأكثر تأثيرا، فلكتابة المراجعة التأثير العميق على غرار الدولة العميقة.

-  تنظيم هذه الكتابة في قواعد رئيسة قابلة للتطور والتجديد كأي نوع أدبي آخر بدأ جنينا فتطور بمرور الزمن مع الأخذ بعين الاعتبار عدم محاولة تحجيم أو وضع قيوم أمام من يود الكتابة.  

- إشعار القارئ بمدى تأثيره وأهميته، الأمر الذي يدفع لأخذ دورا أكبر في تطور الأدب، فالأدب كما تبنى عجلته على الأديب فإن القارئ من يحركها.


وبالعودة إلى موضوع مقالتنا الرئيس، المراجعة عند القارئة إيمان، فيمكنني أن أعنون كتابتها المراجعة بـ "فن طرح السؤال عند كتابة المراجعة". أول ما لفت انتباهي إلى مراجعات إيمان ما تنهيه في مقالاتها هو طرح الأسئلة، لا يعد طرح السؤال هنا مجرد خاتمة يقتضيها السياق فحسب بل هو ثيمة تنطلق المراجعة وفقها، هذه الثيمة النابعة منها فكما تصف نفسها -بعد أن ناقشتها في هذا الموضوع وطرحت عليها بع ض الأسئلة- بأن طرح السؤال متأصل فيها ولا يمكنها التخلي عنه. طرح الأسئلة والإجابة عنها واحدة من أهداف الرواية، تحريك المياه الراكدة عبر بعث الأسئلة من ذات القارئ أو بثها فيه، وكذلك الإجابة عنها أو حثه الإجابة عنها أو البحث عن إجابة. كتابة المراجعة في ثيمة السؤال، هو واحد من النتائج الذي يريد الكاتب من القارئ الوصول إليها، فهي هنا وبالذات تقدم خدمة إلى الكاتب، هل تسمعني، أجب؟ نعم، أسمعك. حين يتم الاتصال بين الكاتب والقارئ فبقية الأمور التي يريدها الكاتب تصل تباعا وبسلاسة، يبقى ما قيمة السؤال في المراجعة؟ تتوزع قيمة المراجعة في عدة نقاط مشتركة الفائدة ما بين القارئ والكاتب من بينها أن ما أراده الكاتب قد وصل إلى القارئ ولا يسع الكاتب نجاح أكبر من أي يعرف أن مراده وصل القارئ، وهذا ما ذكرته أعلاه حول الاحتكاك المباشر ما بين القارئ والكاتب.
في مراجعات إيمان العزوزي نقاط كثيرة قد يشترك فيها معها كُتّاب مراجعات آخرون، ودون شك لا يمكن التغاضي عنها إلا أننا في ثيمة السؤال المراجعة نُؤخذ إلى حقل معرفي متمثل في إعادة إنتاج السؤال الخفي المطروح في ثنايا الأعمال إلى سؤال مكشوف يعرفه الجميع، فهنا يمكننا وبعودة القارئ العادي إلى المراجعات نقلل من الفوارق الفكرية والاستيعابية، مع سهولة نشر المراجعات وسهولة تأثير القارئ في قارئ آخر، ستكون بعض المراجعات مفاتيح للقراء عن الأعمال التي كتبت عنها.
ولنأخذ بعض النهايات التي تختم بها مراجعاتها -يمكن العودة إلى مراجعاتها المنشورة في مدونتها، مدونة اقرأ، ومدونتا، مدونة قرطاس الأدب، من أجل الوقوف على مراجعاتها بشكل كامل وتكون الفائدة أكبر-، فمثلا تنهي مراجعتها عن رواية غايكوب لأمل جبرين بـ:

"لا أعرف لِمَ حين أنهيت الرواية سألت نفسي، ماذا لو كنتُ يعقوب؟ فأين غايتي؟ وهل سيصحو يعقوب أنا وهل سأصحو يعقوبا؟ ومَنْ غايكوب؟ مَنْ غايكوب؟ أين لنا بالقميص يا أمل".  
هذه الأسئلة ليست مجرد أسئلة عادية واعتباطية بل نابعة من انسجام مع العالم الروائي واقتحامه وتداخل العالمين وليكون السؤال هو البوابة ما بين الاثنين، ونقرأ في ختام مراجعة رواية بجعات برية للكاتبة الصينية يونغ تشانغ:

"... صحيح أن الفترة التي تلت ماو تحت زعامة دن شياو بينج الذي حاول استغلال فوضى ماو من أجل تحديث الصين تعتبر ناجحة وأهلت الصين اليوم لتضاهي القوات الاقتصادية العالمية لكن يبقى سؤالي على حساب ماذا تم ذلك؟ وهل يجب أن ننتظر العقود القادمة لتخرج يونغ تشانغ أخرى تحكي لنا عن هذه الفترة التي تظهر للعالم أنها الصين الذهبية؟".

ونقرأ في نهاية مراجعة التائهون لأمين معلوف نقرأ:
"هل آن الأوان للإنسان أن ينتهي ليفتح لمجال لفاعل آخر في اللعبة أو أن قدره الاستمرار رغم كل العبث الموجود في هذا العالم؟
التائهون قد تحتمل أكثر من قراءة فهي ليست رواية بسيطة تنتهي بمجرد إغلاقها بل تفتح مجالا شاسعا للنقاش قد يكون نقاشا بيزنطيا كتلك النقاشات التي جمعت البيزنطيين كما اعتاد الجميع أن ينادي التائهين وقد يكون نقاشا حميدا ينتهي بحلول لإحياء الإنسانية".

وفي نهاية مراجعة رواية إيفان إليتش وقائع موت غير معلن:

"يطرح إيفان سؤالين مرعبين حقيقة، الأول هل حياتي كانت صائبة؟ وإن لم تكن كذلك أين الصواب إذن؟ من السؤالين قد نفاوض الموت قليلا سنحاول أن نتحايل أن نبعده أن نستعطفه ونترجاه أن يترك لنا فرصة أخيرة نعيد ترميم حياتنا الخاطئة تماما حياتنا التي ليست سوى تراكمات لاختيارات تكيفنا معها إجبارا وقمعا، فمن هذا الذي يتجرأ أن يعري نفسه حيا، لكن الموت الحكيم الحكيم جدا لا يشفق لا يمد يده لك لينقذ حياتك من عشوائيتها بل هو يمنحك الحقيقة التامة ثم يظهر لك نورا يسمعه الآخرون حشرجة وفاة".
وفي نهاية مراجعة قصة مايتا ليوسا نقرأ:

"هل التاريخ "المروي" كما وصل الينا وكما درسونا أكاديميا صادق أم تتخلله شهادات شخصية".

والأمثلة كثيرة وتتفرع، يبقى ما يجدر الإشارة إليه، ما ذكرناه عن مراجعاتها لا يعني أنها تلتزم به في كل ما تكتبه، لكن السمة الطاغية هي سمة السؤال التي لم أستطع المرور عليها مرور الكرام.

وفي الختام أدرج بعض الأسئلة التي طرحتها عليها وأجابتني عنها:

- ‏الأسئلة التي تطرحينها في نهاية المراجعة هل ناتجة عن سياق المقال أو أن الكاتب(ة) أثاره فيك أثناء القراءة، فقررت إدراجه ضمن المراجعة؟

‏الأمران معا.. غالبا ما يكون الكتاب هو سبب إثارة تفكير فيه غالبا ما أحصل على إجابته من خلال سياق التفكير وسياق تحليلي للكتاب أتركه إلى لقارئ وكأني أخبره بسري؛ الكتاب جعلني أفكر في هذا وذاك وحصلت على إجابة فلو حصلت عليها حدثني.

- هل طرح الأسئلة في نهاية المقال ‏حث للقارئ عندما يقرأ العمل على أن يبحث عن جواب لأسئلتك أو أن يطرح الأسئلة؟

‏أن يعرف أولا إن ما يوجد في الكتاب ليس تقريرا ختاميا بل هو دعوة للتفكير.. والبحث عز الجواب يبدأ بالسؤال إن لم تسأل لن تبحث.

‏- ‏وما الفرق برأيك بين البحث عن جواب وطرح السؤال؟

‏قلتِ إن طرح الأسئلة أصبح عادة وعدم طرحها يُشعرك بالنقص.
- هل تحبين أن تطرحين السؤال أو تتلقينه؟
‏وهل برأيك أن الرواية وظيفتها طرح الأسئلة أو الإجابة عنها، وإن كان الاثنين فما الأهم إلى القارئ تلقي السؤال أم طرحه؟
‏وماذا عن الأسئلة التوليدية التي كلما أجبنا عنها حصلنا على آخر دون الوصول إلى نتيجة، كيف تتعاملين معها؟

‏أحب أن أفكر السؤال يبدو هو المحفز الآن، وقد أجد غدا ما يعوضه.
‏الرواية وظيفتها أن تصدم القارئ بما يجهله أو يتجاهله ثم فهي دعوة لمراجعة أمور كثيرة أي في النهاية تفكير وقد تكون الرواية مجرد تسلية وترفيه كما قد تكون مادة جمالية تماما بدون غاية لهذا فالسؤال والجواب وماهيتهما يختلفان بمعضلة تحديد ماهية الرواية بداية.
‏القارئ يبقى حرا في تشكيل الميكانيزم الذي يشعره بالراحة فيما يتناوله فقد يكون قارئا مغامرا كما قد يكون قارئا مسالما قد يكون قارئا أدبيا وقد يكون غير أدبي.. وبالنسبة لي القارئ من يحدد ما الأهم بالنسبة إليه.. مهمتي تختصر في أن أضع بين يديه رؤيتي لعله يقبلها ويثريها ولعله يرفضها ويظهر رؤيته في الحالتين أنا حققت هدفي.
‏هدف السؤال في الحقيقة ليس الحصول على الجواب بل السعي الى الجواب متى حصلنا على الجواب وانتهى الموضوع سينتهي كل شيء تباعا.. الفرق يكمن في أن الأجوبة دائما تفتح الباب للمشهد فتظهر لنا أسئلة أخرى نسعى إلى أجوبتها ما يتولد في الحقيقة ليس السؤال فقط بل جواب كل سؤال.

- ‏السؤال الأخير هل هناك أسئلة تخشين طرحها؟

‏السؤال عكس الجواب لا أخشى طرحه.

____
قارئة مغربية ومدونة في منصة تويتر @mayziyada، وتدير مدونة اقرأ.

مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...