الجمعة، 25 أغسطس 2017

نصائح في الكتاب للمنفلوطي - تقديمي وشرحي



يكتب المنفلوطي في مقدمة كتاب النظرات والعبرات، عن الكتابة وعن طقوسه فيها، وكيف يتكب ولمَ يكتب، وكيف يجعل الكلمة طيعة بين يديه يُدب الحياة فيها، ويجعلها طيرًا يرسلها إلى حيث يشاء، فتقع في سمع القارئ، كوقع المطر على الأرض اليباب، ويكون لها الأثر الطيب، كأثر البلسم إذا داوى الجراح.
وفي سياق مقدمته يُقسم الحديث إلى ثلاثة أقسام، لعل من يقرأ ويكتب يتعض بهذا التقسيم وينال من فائدة معرفته وخبرته في عالم الكتاب.
أقسام الحديث:
وهي ذاتها أقسام الكتابة التي يتوجب على كاتب النثر أو الشعر الانتفاع منها.


١- حديث اللسان: فهو ما كانت كلماته مُزخرفةٌ، ومصبوبة في قالب الحروف بلا روح أو إحساس أو تأثير، فتضيع المعاني في جمود الكلمة، ويتوقف جريان الدم الأزرق في عروق الحروف، فتولد ميتة.


٢- حديث العقل: فهو ما يتنافس عليه الكاتب فيصيغه بكل بلاغة وإتقان، ما يكتبه إلا لينافس النحّات في عمله،ليصنع تمثالًا من الرخام ثم يحاول إقناعك أنه إنسان مثلك وهيهات هيهات لذلك، حتى تبدو لك غريبة عنك ويكتبها ليطرفك أو تُعجبك أو يبرز بها ذكائه، ويقول الشاعر 

لـــم يتخــــذ ولـــــدًا إلا مبـــالغــة  
في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا


٣- حديث القلب: وهو ما يلامس قلبك، حتى تشعر أنه يكتبك، أو جالسٌ بقربك يصف ما تمر به، بدون تكلّف ولا سذاجة، ولا إيجاز لا يُفهم معناه ولا إطناب يضيع جمال المعنى في كثرة الوصف، والإسراف في الحديث.


ثم يذكر أمورًا تعينه حين يكتب ، وهذه أمور يتوجب على الكاتب الانتباه لها والعمل بها.



١-عدم التكلف فكان يحدث الناس بقلمه كما يحدثهم بلسانه.

٢- لا يحمل نفسه ع الكتابة حملا.
قد يعاني بعض من يكتب من عدم تجدد الأفكار وفقدان الرغبة في الكتابة، فحين تُصيبك هذه المحنة فلا تُجبر نفسك على الكتابة واصطبر عليها، فثمرة الانتظار؛ جميلُ أفكار.

٣- لا حقيقة بلا خيال ولا خيال بلا حقيقة.
وهذا ما يقصد به أن ما كنت تكتبه لا بدَّ أن يكون مرتبطًا بواقعٍ يمدهُ ويعينه ويقويه، وحين يكون الخيال مستمدًا من واقعٍ فإن سيكون طيعًا بيديك تُصيّره بيديك وترسمه بحروفك كيفما تريد وتشاء.

٤- لا أكتب لأجل نيل إعجاب الناس واستحسانهم وإنما لأجد أثر ما أكتب في نفوسهم.

وهذه التفاتة عظيمة وخاصة في عصر السوشيال ميديا، حيث كثرت المنصات، واختلط الخبيث بالطيب، والجيد بالرديء، فلا تبحث عن عدد إعجابات بالمئات، ولا تعليقات مملؤة بالنفاق والرياء، فغاية الكاتب أن يُعبر عن نفسه، وأن يمارس موهبته، أو هوايته، وحين يشارك الآخرين، فلا يجب أن ينتظر مدحًا أو قدحًا، بل أن يقيس نجاحه على مدى تأثير ما يكتب على القارئ، فهذا هو النجاح الحقيقي، وهذه هي مهمة الكاتب، أن يغير الواقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق