مزرعة الحيوان
مزرعة الحيوان الرواية التي نُشرت بعد عناء طويل لرفض الكثير من دور النشر نشرها كونها رواية غير مقنعة بقول الناقد والأديب تي سي إليوت إنها "غير مقنعة".
في نهاية المطاف نُشرت سنة ١٩٤٥ قبل خمس سنوات من موت مؤلفها جورج أورويل.
الرواية هذه سيجد القارىء إنها اللبنة الاولى أو الفكرة التي انبثقت منها روايته الشهيرة "١٩٨٤".
عدة محاور تبرز واضحة في هذه الرواية التي تُضمر في أعماقها أكثر مما تكشفه الحروف وإذا أبحرنا داخل أروقة مزرعة الحيوان لا بدَّ أن نربطها برواية "١٩٨٤" وسيكون من الصعب تفادي الترابط الخفي بينهما خاصة وأنهما أخر ما كتب أورويل.
ومن هذه المحاور التي وضحتها الرواية:-
أولًا:
"خلق الطاغية"
خلق الطاغية التي يُبرزُ مقوماتها الطبقة العامة التي تجهل بعد أن تعلم وتُعمي أبصارها بعد أن كانت مُبصرة حيوانات مزرعة القصر كانت دائما تعرف أن مالكها البشري هو الذي يُسيء إليها ويعاملها بقسوة لأجل المنتوج الذي يستربح به وبعد حلم "ميجور" صاحب فكرة الثورة الحيوانية ضد بني البشر وخلق عالم للحيوان عادل بعيد عن كل البشر وظلمهم، كان لا بُدّ أن يضع الطاغية نابليون خطة مُحكمة قبل أن يشرع بتنفيذ الحلم واستغلالها لصالحه، خطة لن تُنفذ في يوم وليلة فالطغاة لم يكونوا يومًا أغبياء بل دهاة استغلوا الأذكياء قبل الأغبياء واستفادوا من أصحاب الاتباع المترنح الذي يظنون أن الطغاة يُمكن أن يكونوا على حق لو استطاعوا أن يغيروا بعض مناهجهم وسياساتهم وهذا ما يبدو واضحًا وجليًا على الفرس بوكسير الذي يقول دائمًا "سأعمل بجهدٍ أكبر".
ثانيًا:
"خلق العدو"
ليستمر الوضع لصالح الزعيم والرفيق "نابليون" كان لا بدّ من خلق العدو الوهمي واستغلال كل الظروف لتشويه من كان في الأمس أخ وأضحى اليوم عدوًا فزرع الشك بين الأتباع ومن ثم توجيه كل الجهود لجعل الأبيض أسود والأسود أكثر سوادًا ثم نخلق منه ثُقبًا أسود يلتهم مجهودنا وتعبنا ويسرق ثمرنا وتضيع بقية الحيوانات في ضلالة غبائها ودائما "نابليون على حق" فهو لا يُخطئ أبدًا وهذا ما نراه واضحًا ومفصلًا في رواية ١٩٨٤" من خلق العدو الوهمي وجعل رفيق وشريك الأمس عدوًا ومن ثم يتبادل الأعداء الأدوار اليوم معي وغدًا ضدي اليوم هناك وغدًا لا أحد يعلم سوى "نابليون" و"الاخ الكبير" وحدة الفكرة بين الروايتين هي عصب حياة الطغاة التي ساعده وشدّ من أزره غباء التابعين وهذا ما يوضحه جليًا "أورويل".
بعد أن يتم الاتفاق بين السيد الطاغية الجديد نابليون والسادة القدماء لمزارع انجلترا فيقول أورويل على لسان "مستر بلكيتجتون"
"إن كان لديكم حيواناتكم الأدنى لتكافحوا بها فنحن أيضًا لدينا طبقاتنا الأدنى"
وهذه مقولةٌ يجب أن نتوقف عندها الأدنى الطبقة الدنيا أو
"البقاء للأقوى أو الأغنى"
صراع الطبقية التي خلقتها الثقة العمياء للظلمة عساها تُصبح نورًا أو لأنها تستر ما تدنو له نفوس بعضهم وكذا الحال مع الزعيم القائد الأخ الرفيق السيد كلها مسميات لظلمة تُنسج في عتمتها أثواب العبودية التي سترتديها المخلوقات ما دامت تسير في طريق ظلمةٍ واحد.
ثالثًا:
"القوانين متغيرة والعبودية واحدة"
فيوضحها بقوله:
"جميع الحيوانات متساوية لكن بعضها أكثر مساواة عن الآخرين"
وصايا سبع وضعت لخدمة مزرعة الحيوان ليكون لجميع الحيوانات الحقوق نفسها وخلق جو إخاء ومساواة وعدل لكنها قوانين لا تدوم للأبد ما دامت تربة العبيد صالحة لتقبل أن يزرع فيها السيد أي نبتة فتتغير الوصايا السبع واحدة بعد أخرى بمرور الزمن لكي تناسب أهواء الحاكم المالك.
"القوانين فوق الجميع لكنها تبقى أبد الدهر دون واضعها"
إن التغيير الدوري للقوانين في أي بيئة أو مجموعة مهما كبرت أو صغرت لا تتم بسهولة وبغباء فهي تحتاج "لعبقرية مدبر" يجعلك تُغالط نفسك حتى وإن كنت متيقنًا أنك حيوان وظيفتك حرث الحقل سيقنعك إنك سيد الحقل ولست عاملًا فيه وهذا ما نجده واضحًا في هذه الرواية ورواية ١٩٨٤ التدوير الدوري للأعداء حسب ما تقتضيه الحاجة ووضع ما يناسب الظرف من قانونين وإحصائيات وأرقام ملفات وجداول فـ "نابليون دائما على حق" وحاشى له أن يُخطئ.
رابعًا:
"الظلم واحد"
ينهي أورويل روايته بجملة عميقة جدًا تحتاج إلى الغوص في عمق مكنون الظلم والعبودية والجهل، واصفًا الحال بعد الاتفاق الجديد بين نابليون وبلكيتجتون:
"لكن أصبح من المستحيل القول من هو الإنسان ومن هو
الخنزير".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق