رسالة قارئ
تمَّ سؤالي قبل أيام كيف بإمكانك أن تقرأ كل هذه الكتب؟ كيف استطعت أن تجد الوقت الكافي للقراءة في خضم حياة مليئة بالمشاغل والعمل؟ هل تجد الوقت الكافي للقراءة؟
أسئلة تدور حول الكيفية والوقت، في وقتٍ ما كنت أنا الذي أطرح هذا السؤال، وأرى أن الحياة قد وضعتني في موضع الإجابة اليوم، فأُجيب عن هذا السؤال، لا أقدح بجواب من رأسي ولا مستعينا بخبرة الآخرين بل أتحدث عن خبرة شخصية، ونظام قراءة صارم ألتزم به منذ ثلاث سنوات، وهو ما أسميته مثلث القراءة المكون من ثلاثة أضلاع لا تستقيم القراءة إلا بالعمل وفقا لهذه الأضلاع الثلاثة هي: الجدولة، والالتزام، والاستمرارية.
قبل أن أُفصّل فيهما، ستكون توجد عقبة يجب أن أتجاوزها قبل أن أشرع في الحديث، هناك سؤالين يجب أن يجد لهما كل امرئ جوابه الخاص، لماذا تقرأ؟ وماذا تمثل القراءة لك؟
في أولى خطواتي كان الدافع للقراءة هو المعرفة والثقافة وزيادة المعلومات فلا توجد أسمى من ثروة المعرفة، ولا أرفع مقام منها، وكانت القراءة تمثّل لي السبيل نحو هذا المقام.
بعد أن بدأت بالالتزام في القراءة دون جدولة معينة لكن بالتزام وانتظام يومي، أصبحت القراءة أكثر من مجرد سبيل من أجل قطف ثمار المعرفة، بل أسلوب حياة، وضرورتها لا تقل عن الطعام والشراب بل فاقتهما أحيانا، كأنها أكسجين بحاجته حتى أستمر في العيش، لا يحدني سبب ولا تمنعني حاجة عن القراءة، أقرأ وأنا جالس ومضطجع، في الباص والقطار وقاعات الانتظار، حتى وأنا أسير في الطرقات. أن تقرأ هذا أمر جيد، لكن أن تقرأ بشغف وحب ورغبة فهنا المتعة بأكمل صورها الحسية.
الخطوة الأولى قبل أن تقرأ أن تعرف جوابك للسؤالين الآنفي الذكر وتعرف موقع أقدامك من القراءة.
كيف تقرأ؟
١- الجدولة:
إن لا تخطط وتترك الأمور تسير وفق هواها ومجريات الأقدار، ستصطدم بحواجز كثيرة، تجعلك تنفر مما ترغب فيه، وبما إن الحديث عن القراءة فعليك التخطيط والجدولة.
إن جدولة الكتب بعناوينها ومواضيعها المختلفة سيوفر عليك الوقت الذي تتحيّر فيه ماذا تقرأ ولمن تقرأ، قبل أن تقرأ في مجال معين أو لكاتب أو مجموعة كُتّاب عليك تحديد العناوين التي تُريد قراءتها، وكلما كانت الجدولة لمدة أطول كان الانتظام والالتزام أيسر، وبعد أن تختار العناوين وتضعها مجدولة، تختار المدة التي سوف تقرأ بها هذه الكتب، فلو افترضنا إنك اخترت عشرة عناوين وأردت قراءتها في شهر، فعليك تقسيم أيام الشهر بما يناسب كل كتاب، فجدولة الوقت لا تقل أهمية من جدولة عناوين الكتب.
فحين تضع خطة قراءة كاملة بعناوينها وأيامها وأوقاتها، ستوفر لنفسك الكثير من التخبط والحيرة وعدم الالتزام والعشوائية، قد يعترض البعض أنه يكره الجدولة والتنظيم ويحب القراءة على وفق هواه ومزاجه، وحديثي هنا غير موجه لهم، فهم لا يقرأون بشغف بل لملء فراغهم، والقراءة لا ترضى أن تكون نشاطا ثانويا بحياتنا، فقبل أن تحصد منها عليك زراعتها.
هنا في هذا الرابط إنفوجرافيك، قمت بكتابة محتواه للمساعدة في تنظيم وقت القراءة وكمية المادة المقروءة يوميا لتصل لمئة كتاب سنويا بجهد متوسط.
٢- الالتزام:
أن تضع خطة عمل ثم تتكاسل في تنفيذها أو العمل وفقها فنهايتك الفشل، لا يعني أن خطتك كاملة لا نقص فيها، فابإمكانك أن تُعدّل فيها وفق وقتك وجهدك وقابليتك على التنفيذ، لكن ما هو مهم هو أن تنتظم وتلتزم بالقراءة وفق جدولك.
قد تواجهك صعوبات في الالتزام أول الأمر، خاصة إن لم تعود نفسك على القراءة والالتزام اليومي بها، ما عليك هو الصبر وعدم الركن إلى الكسل، إن الالتزام لا يعني الملل، لأنك أنت المسيطر على كل شيءٍ لم يفرض عليك أحدٌ نمط حياةٍ معين أو خطة معينة، فبيديك كل شيءٍ، ما عليك هو أن تفهم نفسك وتضع خطة وجدول يلائمك أنت. بعدها سيكون التزامك نابع من حب وتتحول القراءة إلى نمط وأسلوب حياة، لن تبحث عن أجواء مناسبة أو مكان هادئ، ستجري القراءة ُ في عروقك، وستشعر بالنقص حين يمر يومٌ لم تقرأ فيه، ويؤنبك ضميرك إن تقاعست عن تنفيذ ما هو مطلوب منك.
٣- الاستمرارية: ما نفع الجدولة والالتزام بها إن لم يكن هناك استمرارية وديمومة في العمل؟ الاستمرارية هي الثمرة الأولى للقراءة، فاستمرارك في القراءة هو الذي يجعل الجدولة والالتزام بالقراءة أمرا أكثر متعة وتجد الحافز الدائم في القراءة. الاستمرارية لا تعني أن تستمر شهرا وتتركه في آخر، بل أن تستمر في المدة التي وضعتها في جدول قراءتك، فإن كان جدولك مكون من ستة أشهر، فالاستمرارية يجب أن تكون في الأشهر الستة، لا في ثلاثة أو حتى خمسة، بل في ستة أشهر كاملة دون نقصان. لا تأتي الرغبة في الاستمرارية دفعة واحدة، لكنها في دفعات متدفقة، لذلك عليك أن تعرف قدراتك وتضع جدولك بما يضمن لك الاستمرارية في أدائه.
جدولي في القراءة:
عادة ما أختار العناوين قبل أشهر أو سنة كأقصى حد، أحيانا أرى عناوين تجذبني لها فأقوم بوضعها في قائمة الشهر اللاحق بدل كتابٍ آخر، لكن في المجمل أنا أسير وفق ما خططت له مسبقًا.
بما إن القراءة ليست معقدة فبالتالي تحتاج إلى جدول غير معقد، عادة ما أعتمد في تحديد مدة قراءة كتاب ما بصورة طردية مع عدد صفحات الكتاب وقطع الصفحات، معدل القراءة اليومي ١٠٠ صفحة لا أزيد أو أنقص إلا ما ندر، وتتراوح ساعات القراءة من (ساعتين ونصف إلى ثلاث).
أتمنى لكم سنة قراءية موفقة ومثمرة.