الاثنين، 3 سبتمبر 2018

الشخصيات التخييلية في الروايات وسببها خلودها في أذهن القرّاء.

الشخصيات التخييلية 

ما الذي يدفع القارئ أن يتعاطف مع مدام بوفاري أو أن تُستثار دموعه لمصير آنا كارنينا في الوقت الذي لا يتعاطف مع ملايين الناس الذي يلقون حتفهم لأسباب كثيرة في هذا العالم، أو أن يستذكر شخصيات روائية تخييلية كشخصية شارلوك هولمز وينسى شخصيات حقيقية أخرى؟ وهو سؤال مهم يقوم على عدة أسباب يُجيب عليه أمبرتو إيكو في كتاب اعترافات روائي ناشئ

- يقول ألكسندر دوماس: "فمن مميزات الروائيين أنهم يخلقون شخصيات تقتل شخصيات التاريخ. والسبب في ذلك أن المؤرخين يكتفون بالحديث عن أشباح، أما الروائيون فيخلقون أشخاصا من لحم وعظم". 

- تقوم بعض استراتيجيات الرواة على خلق دراما تستدر دموع الجمهور. وأن ظاهرة التعاطف لا تمتع بقيمة وجودية أو منطقية، ولا يمكن أن تثير اهتمام أحد عدا السيكولوجيين. ويضيف إيكو إذا كنا نتماهى مع الشخصيات التخييلية ومع مصائرها، فإن سبب ذلك يعود، وفق مواضعات سردية، إلى أن نهيئ أنفسنا داخل عوالم ممكنة لقصصهم، كما لو أنه عالمنا الواقعي. وإن عملية انتزاع دموع قارئ ما لا تعود فقط إلى المميزات التي تتوفر عليها الشخصية التخييلية، بل أيضا إلى العادات الثقافية للقراء، أو العلاقة القائمة بين انتظاراتهم الثقافية والاستراتيجية السردية

- الأنطولوجيا ضد السميائيات: يقول إيكو لا أهتم بأنطولوجيا الشخصيات التخييلية. فلكي يصبح موضوع ما موضوعا لدراسة أنطولوجية يجب اعتباره موجودا في استقلال تام عن كل ذهن يفكر فيه. وسبب حزننا على موت شخصية تخييلية كـآنا كارنينا، فلن يكون بمستطاعي تبني وجهة نظر أنطولوجية، وأنا مضطر للنظر لآنا كارنينا باعتبارها موضوعا ذهنيا، موضوعا للمعرفة. ولا تعد مقاربتي من طبيعة أنطولوجية، بل هي من طبيعة سيميائية: فما يهمني هو معرفة ما المضمون الذي يتطابق في نظر قارئ مؤهل، مع التعبير "آنا كارنينا" خاصة إذا كان هذا القارئ يسلم بأن آنا كارنينا لم ولن تكون أبدا موضوعا له وجود مادي






- إثباتات تخييلية ضد إثباتات تاريخية: في الوقت الذي قد نشكك في موت هتلر في مخبأ أرضي، لكننا لا نشك أبدا بموت آنا كارنينا، ويضع إيكو هذه المقابلة على محكين هما الشرعية التجريبية الخارجية والتي من خلالها نطلب دليلا على موت هتلر في مخبأ أرضي، وعبر الشرعية التجريبية الداخلية (بالمعنى الذي لا يلزمنا بأن نستخرج من النص ما يثبت ذلك)، واستنادا إلى هذه الشرعية، سننظر إلى من يؤكد لنا أن آنا كارنينا تزوجت من بيير بيزيخوف* بأنه أحمق، أو في الأقل ليس مطلعا على الأمور بما يكفي، في حين نسمح لشخص ما أن يشكك في موت هتلر

  • لكي نظل دائما مشدودين عاطفيا إلى مصير سكان العالم التخييلي الممكن يجب أن نحقق شرطين
١- أن نعيش في هذا العالم التخييلي الممكن كما لو أنه خلىلا يتوقف.
٢- وأن نتصرف كما لو كنّا شخصيات من هذا العالم.
***
في كتاب حسن مطلك الكتابة وقوفا، وفي مقالتي عن الكتاب التي كانت بعنوان "ما الذي يريده حسن مطلك من الكتابة؟" كانت الكتابة لدى حسن مطلك مقسمة إلى ثلاثة مراحل، والمرحلة الثالثة التي تُعطينا جوابا عن التأثر بالشخصييات الروائية

المرحلة الثالثة لديه "مرحلة ما بعد الكتابة" ما جدوى الأدب ما أهميته وما تأثيره فينا، فهو يبرزه وإن لم يكن بصورة جواب مباشر لهذا السؤال من خلال ما يسمى "تأثير ما بعد القراءة" تأثير الرواية والأدب في القارئ فيقول "إني أتذكر (زوربا) مثلما أتذكر صديقي (أحمد)، أتذكر (تاراس بولبا) القوقازي. فمن يضمن أنني لا أعرفه فما الفرق بينه وبين (زوربا) بالنسبة لي كلاهما يمثلان ذكرى، يمثلان خبرة عشتها وأحببتها…".

 وهنا الجواب واضح كل الوضوح عما يطمح له من تأثير روائي على أنفس قرائه، أن يجعل من شخصياته كائنات حقيقية وليست خيالية فقط، على الرغم من إنه يعطي نقطة لصالح الشخصيات الروائية أنها حيَّة لا تموت كلما أردنا قراءتها يمكننا الرجوع إليها، فهي خالدة من خلال تدوينها، فكل لحظة لا يتم تدوينها بالنسبة لحسن هي لحظة ميتة وزائلة ولن تُذكر.






***
وأيضا في مقالتي عن صراع الكاتب والقارئ، وحيلة بعض الكُتّاب في جعل القرّاء يقعون في فخ التعاطف مع الشخصيات

كيف تتجنب فِخاخ الكاتب؟ 

لا تُصدق كل ما تقرأ، ولا كل ما يقوله فتفقد مكانتك كقارئ مُبدِع، فأن تكون مبدعا في فهمك لما يُكتب، لا يعني أن تُفسر كلامه على هواك، وتتبع إرهاصات فكرك حين يغرك بأنك أصبحت أذكى من الكاتب، فالكثير من الكُتّاب يُوحي للقارئ أنه قد كشف له أوراقه وأصبح  الطرف الأضعف من المعادلة، وسيصبح لسان حال القارئ 
  • هات ما عندك لن تُفلح في الانتصار. هه
وهذا ما يريده الكاتب بالضبط أن يجعلك تشعر بالانتصار، فحين تقع في غرام بطل ما، أو تجمح عواطف الكره ضد شخصية ما، سيصبح القارئ عرضة لتخدير وهم الحب مع الشخصية، فتبدو حتى تفاهات هذه الشخصية هي الحكمة التي نبعت من كوثر الفردوس الأغريقي وجرت على لسان آثينا- إلهة الحكمة الإغريقية-.

الكثير منا تعاطف مع رسكولينكوف (روديون) حين قرأ رواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي، حتى أن دوستويفسكي جعلنا ندور في حلقة تأنيب ضمير وعذابات روديون ونتغافل عن حقيقة -وإن لبعض الوقت- إن راسكولينكوف هو مجرم قام بقتل ضحيتين فقط لمجرد سقوطه في فكرة آمن بها لإنقاذ الآخرين من جشع المرابية اليهودية وأن يكون عظيما. وإن الجزاء العادل لروديون هو أن يُقتل مرتين وبضربة فأس على رأسه، قد نتفقر إلى التصوير المثالي للجريمة بعقولنا فالكلمات الإجرامية أقل حدة من الفعل الإجرامي.

*** 
وقد قمت بجمع أسماء شخصيات روائية من اطلاعاتي ولها أهميتها في العمل وتأثيرها فيَّ أو في من قرأها

١- جان فالجان -  هيجو (البؤساء)
٢- دون كيشوت  - سرفانتس (دون كيشوت
٣- راسكولينكوفدوستويفسكي (الجريمة والعقاب)
٤- فرانكشتاين  - ماري (فرانكشتاين)
٥- السيد أحمد عبد الجواد - نجيب محفوظ (ثلاثية قصر الشوق - بين القصرين - السكرية)
٦- بلوم - جويس (عوليس)
٧- آنا كارينا  - تولستوي (آنا كارينا)
٨- إيما بوفاري - فلوبير (مدام بوفاري)
 ٩- ونستون - أورويل (١٩٨٤)
١٠- ناكاتا - هاروكي (كافكا على الشاطئ)
١١- بانديني - جون فانتي (رباعية انتظر حتى الربيع يا بانديني - الطريق إلى لوس أنجلوس - اسأل الغبار - أحلام من بنكر هيل)
١٢- جوزيف ك. - كافكا (المحاكمة)
١٣- تشيتشيكوف - غوغول (الأنفس الميتة)
١٤- بتشورين - ليرمنتوف (بطل من هذا الزمان)
١٥- غاتسبي - فيتزجيرالد (غاتسبي العظيم)
١٦- فيرتير - غوته (آلام فيرتير)
١٧- تشاترلي - لورانس (عشيق الليدي تشاترلي)
١٨- زوربا - نيكوس  (زوربا)
١٩- عطيل - شكسبير (مسرحية عطيل)
٢٠- باميلا - ريتشاردسون (رواية باميلا)
٢١- ميشكين - دوستويفسكي (الأبله)
٢٢- هاملت - شكسبير (مسرحية هاملت)
٢٣- أندريه بولونسكي - تولستوي (الحرب والسلم)
٢٤- آخيل - هوميروس (الألياذة)
٢٥- أوديسيوس - هوميروس (الأوديسة)
٢٦- العجوز سانتياغو - هيمنغواي (الشيخ والبحر)
٢٧- الكاتبن آهاب - هيرمان ميلفل (موبي ديك)
 ٢٨- يوهان مورتيز - قسطنطين جيورجيو (الساعة الخامسة والعشرون)
 ٢٩- غدرون وأورسيلا - لورانس (نساء عاشقات)
٣٠- شيرلوك هولمز - آرثر كونان دويل (مغامرات شيرلوك هولمز)
٣١- الشاب سانتياغو - باولو كويلو (الخيميائي)
٣٢- روبرت لانغدون - دان براون ( ملائكة وشياطين - شفرة دافينشي - الرمز المفقود - الجحيم - الأصل)
 ٣٣- دون جوان - تيرسو دا مونيلا (محتال إشبيلية والتمثال الضيف)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق