الاثنين، 8 أكتوبر 2018

مفاهيم روائية 2

الحبكة:

الحبكة تمثل جوهر الرواية وروحها والمحور الرئيس فيها، حيث تتصاعد الأحداث حتى تصل للذروة، وتكشف الحبكة الروائية عن مؤثرات عناصر الرواية والتغييرات في الأحداث. فوفقا لأرسطو فإن الحبكة تمثل تأثير حدث في آخر وترابطها، أو ما يمكن أن نسميه بالسببية، ولا يمكن إطلاق الحبكة على أي حدثين أو أكثر متتابعين، فكأن: تقول استيقظ سمير في الساعة السابعة صباحا. وتناول فطوره بعدها. فليس هناك أي حبكة في هذين الحدثين، لكن بقولك: استيقظ سمير صباحا بعد أن قام بضبط منبه ساعته على السابعة، لأن بانتظاره عمل شاق مع صديقه أحمد وموعد في التاسعة مع مدير الشركة التي ينوي العمل فيها، تناول فطوره ثم خرج بعدها. فالحبكة هي في أسباب الاستيقاظ مبكرًا وترابط الحدثين الاستيقاظ المبكر مع العمل والموعد، وهنا يمكن أن نعرف الحبكة بصورة مبسطة هو تداخل الحدثين في شريط مكاني وزماني واحد أو أكثر، يكون تأثير أحدهما في الآخر واضحا. ويختلف تعقيد الحبكة اعتمادا على السير العام لأحداث القصة أو الرواية، لكن تبقى الحبكة أكثر مرونة وأكثر عمقا من تعريفها أو تحديدها في تعريف، فقد تأتي بصور وأشكال لم يسبق أن عرفناها، وتختلف من شخص لآخر وفقا للمعايير التي يضعها للتعرف عليها أو في دراستها.

يعمل بعض الكتّاب على إذابة الحبكة في المتن القصصي دون أن يُبرزوها بشكل واضح وجلي، وهي إثبات على مرونة الحبكة وتماهيها مع الثيمة والإطار الكلي والشامل من القصة أو الرواية، والتي من الممكن أن تكون هناك أعمال بلا حبكة، لكنها تؤدي الغرض المراد منها، فكما يتم تعريف الحبكة وفقا للكلمة الإنجليزية Plot وهو الزيادة عن طريق الإضافة المتدرجة، فإن الحبكة تعتمد في الأساس على الاستمرارية، فحياة الإنسان مهما كانت هادئة أو صاخبة، فإن شريط العمر الذي ينتهي مع الموت، يكون ذا حبكة معينة تختلف حسب درجة التعقيد والصراع والمشاكل والانقلابات الفكرية والتغييرات التي تطرأ على المرء في حياته. فالحبكة متماهية مع وجود كل منا، ومن ثمَّ على الكاتب أن يعرف ما هي الحبكة أهي تطور وتصادم وصراع في الأحداث والشخصيات والجو العام لمؤلَفه -سواء أكانت واضحة جلية أم متماهية خفية- أم هي إثارة للقارئ وجعل القارئ بدل أن يحاول كشفها أو البحث عنها أن يشترك فيها ويعيشها ويكون جزءا منها بل يكون هو الحبكة، من خلال ما يطرحه الكاتب أو يبعثه من رسائل -خفية أو جلية- أم عليه أن يجمع الاثنين: حبكة تكتب في العمل وأخرى يُجبر القارئ على خوضها. وهنا تبرز قيمة الأدب وفعاليته  في الانتقال من عالم الورق إلى عالم الواقع وتأثيره في أفكار وتوجهات القارئ.


***
وتعرض مفهوم الحبكة في الرواية الحديثة إلى تغييرات، فلم تعد الحبكة تعني تغييرا في المواقف والشخصيات، بل أصبحت في مدى الحفاظ على الأفكار والتوجهات، والرغبات، وعدم التخلي عما تروم إليه أو تؤمن به الشخصية. يقول جيسي ماتز: "فقد باتت الشخصيات في الغالب تنتقل من طور التناغم إلى طور التمرد الذي ينتهي في العادة لا بالتكامل السعيد مع المجتمع، بل بالرفض الواسع -والمدمر أحيانا- للمجتمع".

وأما في رواية ما بعد الحداثة فإن الحبكة أضحت مهشمة ومرتبطة في النظرة الجديدة لهذا الواقع الذي يبدو أكثر دقة في تناول العادي والارتقاء به إلى اللا عادية، والتعبير عن الحياة اليومية العادية بصورة أكثر عمقا وإضفاء بعدٍ حيوي يجعل القارئ يشعر بالواقعيات بصورة أكثر دقة.


***










الشخصيات في الرواية:

الشخصية هي مركز الحبكة في الرواية وعليها تُنبى الأحداث، ولكل شخصية صفاتها المعينة والتي من خلالها يُمكن صياغة الأفعال الأقوال الأفكار، حتى لا يكون هناك أي تناقض أو مفارقة بين الصفات التي تم وضعها للشخصية وتطور الشخصية والحدث.
أسماء الشخصية:  في مرات كثيرة يكون الكاتب مجبرًا على اختيار أو حتى اختراع أسماء جديدة من أجل أن يُعطي الاسم أبعادًا أخرى ترتبط بالحبكة أو بمدلول ما، لذلك العلاقة بين الدال والمدلول التي تقوم بعض الأسماء بقيادة القارئ إلى حقل معرفة ومعنى لا يُمكن للكاتب أن يذكره بوضوح لكنه من خلال الأسماء يُوحي بها ويُدرجها في بُنية عمله الروائي.

أنواع الشخصيات:

تتغير الشخصيات تغييرا تصاعديا أو تنازليا، وتتقلب في وجهات النظر أو في أسلوب الحياة أو الصفات، من خلال التأثر بالمحيط أو نتيجة لتأثير الأحداث والمشاكل النفسية أو الحياتية أو العاطفية في الشخصية. وطرق التغيير، تعتمد على الكاتب وطريقة حبكه للتغيير الذي يطرأ على الشخصية نتيجة تفاعلها مع المحيط الخارجي والحياتي من خلال الحوار أو الأفكار أو التفسير أو الأفعال. وقوس التغيير هو نقطة التحول الرئيسة في القصة.

ومن أنواع هذه الشخصيات الروائية:

1- شخصية ثابتة لا تتغير.
2- شخصية تتغير تصرفاتها وفقا للظروف المحيطة لكن تبقى ثابتة الهدف.  
3- شخصية متغيرة أو متعددة الأهداف.
4- شخصية مضطربة لا تعرف ماذا تريد.
5- شخصية ذات هدف واحد.

الشخصيات التخييلية:

ما الذي يدفع القارئ أن يتعاطف مع مدام بوفاري أو أن تُستثار دموعه لمصير آنا كارنينا في الوقت الذي لا يتعاطف مع ملايين الناس الذي يلقون حتفهم لأسباب كثيرة في هذا العالم، أو أن يستذكر شخصيات روائية تخييلية كشخصية شارلوك هولمز وينسى شخصيات حقيقية أخرى؟ وهو سؤال مهم يقوم على عدة أسباب يجيب عنها إيكو في كتاب اعترافات روائي ناشئ:

- يقول ألكسندر دوماس: "فمن مميزات الروائيين أنهم يخلقون شخصيات تقتل شخصيات التاريخ. والسبب في ذلك أن المؤرخين يكتفون بالحديث عن أشباح، أما الروائيون فيخلقون أشخاصا من لحم وعظم".
- تقوم بعض استراتيجيات الرواة على خلق دراما تستدر دموع الجمهور. وأن ظاهرة التعاطف لا تمتع بقيمة وجودية أو منطقية، ولا يمكن أن تثير اهتمام أحد عدا السيكولوجيين. ويضيف إيكو إذا كنا نتماهى مع الشخصيات التخييلية ومع مصائرها، فإن سبب ذلك يعود، وفق مواضعات سردية، إلى أن نهيئ أنفسنا داخل عوالم ممكنة لقصصهم، كما لو أنه عالمنا الواقعي. وإن عملية انتزاع دموع قارئ ما لا تعود فقط إلى المميزات التي تتوفر عليها الشخصية التخييلية، بل أيضا إلى العادات الثقافية للقراء، أو العلاقة القائمة بين انتظاراتهم الثقافية والاستراتيجية السردية.

- الأنطولوجيا ضد السميائيات: يقول إيكو لا أهتم بأنطولوجيا الشخصيات التخييلية. فلكي يصبح موضوع ما موضوعا لدراسة أنطولوجية يجب اعتباره موجودا في استقلال تام عن كل ذهن يفكر فيه. وسبب حزننا على موت شخصية تخييلية كآنا كارنينا، لن يكون بمستطاعي تبني وجهة نظر أنطولوجية، وأنا مضطر للنظر لآنا كارنينا باعتبارها موضوعا ذهنيا، موضوعا للمعرفة. ولا تعد مقاربتي من طبيعة أنطولوجية، بل هي من طبيعة سيميائية: فما يهمني هو معرفة ما المضمون الذي يتطابق في نظر قارئ مؤهل، مع التعبير "آنا كارنينا" خاصة إذا كان هذا القارئ يسلم بأن آنا كارنينا لم ولن تكون أبدا موضوعا له وجود مادي.

- إثباتات تخييلية ضد إثباتات تاريخية: في الوقت الذي قد نشكك في موت هتلر في مخبأ أرضي، لكننا لا نشك أبدا بموت آنا كارنينا، ويضع إيكو هذه المقابلة على محكين هما الشرعية التجريبية الخارجية والتي من خلالها نطلب دليلا على موت هتلر في مخبأ أرضي، وعبر الشرعية التجريبية الداخلية (بالمعنى الذي لا يلزمنا بأن نستخرج من النص ما يثبت ذلك)، واستنادا إلى هذه الشرعية، سننظر إلى من يؤكد لنا أن آنا كارنينا تزوجت من بيار بيزيخوف* بأنه أحمق، أو في الأقل ليس مطلعا على الأمور بما يكفي، في حين نسمح لشخص ما أن يشكك في موت هتلر.



***














ــــــــــــــ
*شخصية في رواية الحرب والسلم لتولستوي.

الزمن:

الزمن في الرواية يعتبر من العناصر المهمة والرئيسة في عرض القصة وسرد الأحداث، وكان الزمن في الرواية عند ظهورها يعتمد على التسلسل الزمني (كرونولوجي) التتابعي المستقيم دون أي تلاعب في الخط الزمني للقصة لكنه شهد في الرواية الحديثة ورواية ما بعد الحداثة تغييرا، حيث لم يعد هناك خط زمني تتابعي، بل أصبح الزمن عبارة عن قطع مجزأة يقوم الكاتب بترتيبها وفق ما يراه مناسبا لروايته، مستخدما تقنيات متعددة كالاسترجاعية Flashback والاستباقية Flashforward، والتنقل الزمني اعتمادًا على الذاكرة ما بين الحاضر والماضي والمستقبل "تنبئًا أو توقعًا". ومن المعضلات التي واجهت الرواية الحديثة كما يذكر جيسي ماتز في كتاب تطور الرواية الحديثة، تمثلت بعنصرين رئيسيين هما التعامل مع الزمن والمكان، فالزمن ليس باعتباره خطا تتابعيا واحدا (كرونولوجي) كما اعتادت الروايات أن تستخدمه، بل من خلال التعامل معه بطريقة مغايرة تشمل عدم الترتيب والقفز وإعطاء بعدٍ حيوي يضفي للزمن خصائصه سواء عند التعامل مع الماضي أو الحاضر، والتركيز على الصعوبات في سرد الأحداث الماضية بصورة زمنية منتظمة ومتسلسلة وأفضل مثال على هذا التحديث الزمني في الرواية هي رواية البحث عن الزمن المفقود للروائي الفرنسي بروست الذي يُبيّن: "كيف أن الاستذكارات الواقعية أو الاسترجاع الحسي للماضي- يعتمد على جهد شخصي مكثف أكثر مما تواضع الناس عليه من قبل". وتعد هذه الرواية أهم الروايات التي أعطت للزمن قيمته وبيّنت مدى صعوبة الحديث عن الزمن الماضي دون أن يقع صاحب الحدث بأخطاء في سرد الأحداث بتتابع أو التداخل الزمني بين الأحداث أو اسقاط حدث دون انتباه. وهذا ما يتم التعامل معه بخصوص الذاكرة أيضا، إذ أصبح من الزيف أن تتعامل الذاكرة مع الأحداث بصورة منضبطة بزمن خطي صارم، دون مشكلات في التذكر أو التسلسل، ما قامت به الرواية الحديثة هو التعامل مع الزمن بصورة أكثر واقعية مما كان عليه في الرواية وقت نشوئها. والتأكيد على تنافر الزمن الشخصي الداخلي مع الزمن الجمعي العام السائد.
تعد الكتابة عن الزمن الماضي أو الكتابة عن المستقبل محصورة في إطار الحاضر الذي نكتب عنه، فحين يكتب كاتبٌ ما في القرن العشرين عن رواية تدور أحداثها في القرن التاسع عشر، فمهما بلغ اهتمامه بها سيبقى أمام معضلة الكتابة عن هذا الزمن بعناصر عصره، ولا يمكنه بحال من الأحوال أن يكتبها بلغة ورؤية كاتب في القرن التاسع عشر، قد يقرأ القرن التاسع عشر بصورة أفضل من الكُتّاب الذي عاشوا فيه، ولكنه سيبقى حبيسا في طريقة قراءته النابعة من الزمن الحاضر. ولا يختلف الأمر كثيرا عند الكتابة عن الزمن المستقبل، تبقى التنبؤات والتطلعات وفقا لما بين يدي الكاتب من معلومات وقراءات مستقبلية علمية أو سياسية أو اجتماعية، إلخ، لكن يبقى السؤال ما مدى دقة أو صحة حدوث ما كتب؟ هذا ما لن يعرفه الكاتب الذي يحاول أن يسبق زمنه.

***

من تقنيات التعامل مع الزمن الروائي:

الاسترجاعية، الاستذكار (الفلاش باك Flashback): وهي تقنية عرض الأحداث التي وقعت قبل القصة الآنية التي تسرد، وهي تكون إما أحداثا خارجية، قبل الخط الزمني الرئيس للقصة. وإما تكون جزءا من أحداث القصة الآنية التي تسرد، مرت دون أن يعرضها السارد، أو يضيف معلومات حولها للقارئ، فهو يؤجل طرح هذه المعلومات حتى حد معين في الخط الزمني للقصة ثم يعود لاستذكارها فيما بعد.

الاستباقية (الفلاش فورورد Flashforward): وهي تقنية عرض الأحداث المستقبلية قبل موعدها الصحيح. وتتضمن اللقطة الاستباقية  الخارجية حدثا وقع بعد انتهاء خط القصة الأساسي. أما اللقطة الاستباقية الموضوعية أو استباق الحدث (استشراف الحدث) المتيقن فإنها تعرض حدثا سوف يحدث فعلا. في حين أن اللقطة الاستباقية الذاتية أو استباق الحدث غير المؤكد ليس أكثر من رؤية الشخصية لحدث مستقبلي محتمل. (1)
تعد هاتان التقنيتان في السرد المعتمد على تقطيع الزمن استباقا أو رجوعا، من أكثر التقنيات شيوعا لدى الروائيين، وتكاد لا تخلو رواية لا تستخدم هذه التقنية بصورة أو بأخرى. ويسمى الانحراف عن التتابع الميقاتي في القصة بالمفارقة الزمنية التي تعتمد على تقنيتي الاسترجاعية والاستباقية.

***
زمن القصة وزمن الخطاب

زمن القصة: هو الزمن التخيلي الذي تستغرقه الواقعة الفعلية، وبصورة أكثر شمولية، الذي يستغرقه الحدث كله. ولتحديد زمن القصة، فإن المرء يستند عادة إلى مظاهر سرعة سير النص، والحدس، والتلميحات النصية الداخلية. (2)


زمن الخطاب: هو الوقت الذي يستغرقه القارئ لقراءة القطعة في المتوسط أو بشمولية أكثر: فإن زمن الخطاب لكل النص يمكن أن يقاس بعدد الكلمات، الأسطر، أو الصفحات للنص.(3)

زمن المضارع التاريخي (مقابلة الزمن الماضي بالحاضر): هو تقنية توظيف الزمن الحاضر عند السرد القصصي لأحداث وقعت في الزمن الماضي، ومن الأمثلة عن هذا القص: خرجت أمس عائدا إلى المنزل فإذا بلص يركض تجاهي بسرعة ويخطف من يدي حقيبتي، ولحسن حظي أني نسيت أوراقي المهمة ومحفظة نقودي على منضدة المكتب.
استخدام الفعل المضارع: يركض، يخطف، المضارعان في وصف حدث وقع في الماضي.






***




يقوم بعض الروائيين على التعامل مع مدة زمن الحدث بصورة دقيقة جدا، فمثلا لو أراد سرد حوار بين شخصيتين يمشيان لمسافة كيلو متر واحد، فهنا يقوم بحساب المدة الزمنية التي يقطعان فيها هذه المسافة، وبناء على الزمن المقطوع، يحسبان الكلمات والجمل التي يجب عليه سردها والتي تتماثل مع المدة الزمنية التي يتم حسابها، فمن غير المنطقي أن يجعل الكاتب الزمن المقطوع لكيلو متر يستنفد في حوار لا يتجاوز الدقيقة الواحدة، ومما يذكره إيكو في حديثه عن رواياته بأنه كان يحسب المدة التي تقطع فيها شخصياته الممر من أجل أن يكون الحوار بينهما مطابقا للمدة الزمنية الفعلية التي يتم استغراقها، وقد يلجأ بعض الروائيين إلى تبطيء الزمن أو تسريعه حسب أهمية الحدث أو ثانويته، ومراعاة الفرق بين زمن وقوع الحدث وزمن سرد الحدث، فعند وقوع حدث لا يتجاوز العشر ثوانٍ فنحن بحاجة إلى دقيقة أو أكثر في سرد الحدث، إذ زمن السرد يكون أبطأ من زمن وقوع الحدث، هذه المهارات والتقنيات في التعامل مع الزمن في الرواية وزمن السرد تحتاج إلى دربة الكاتب وذكائه وفطنته وتعامله السليم والحذق معهما.












ـــــــــ
  1. علم السرد - ص. 117
  2. علم السرد - ص. 119
  3. علم السرد - ص. 118


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق