الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

الشعر وترجمته في كتاب الأدب الإسباني في عصره الذهبي.




إن الترجمة الشعرية في عمومها يكاد يكون هناك إجماع على أنها أصعب أنواع الترجمات، إن لم تكن في كثير من القصائد ضمن المتسحيلات؛ فلا يمكن أن تترجم القصيدة دون أن تفقد القصيدة رونق ونظام لغتها الأصلية، وهذا ما يمنح الشعر خاصية متفردة في كل لغة تضم الأوزان وبحور الشعر والإيقاعات والقوافي والأصوات، وجرس ورنين كلمات كل لغة، التي تختلف من لغة إلى أخرى، ومن أسس نظم الشعر في أدب إلى آخر، وتزداد الصعوبة حين تتم الترجمة بين الأبجديات المختلفة، فالترجمة من الإنجليزية إلى الهولندية أو العكس هي أسهل نوعا ما من الترجمة من هاتين اللغتين إلى العربية، وكذا الحال مع بقية الأبجديات.
وتقاس جودة المترجم في ترجمته الشعرية على ما يوصله للقارئ في لغة القصيدة الجديدة، من روح وموسيقى ومعنى الشعر، وهي مهمة لا نجاح كامل فيها، يشوبها الخلل بل سمته إياها. في كتاب الأدب الإسباني في عصره الذهبي، الكتاب الذي أعدَّ وترجم مادته الدكتور الروائي محسن الرملي وقدَّمه إلى القارئ العربي، وهو من الكتب المهمة التي تتناول الأدب الإسباني في القرنين السادس والسابع عشر، أو ما يعرف العصر الوسيط بينهما بالعصر الذهبي. الكتاب الذي ينقسم بشكل رئيس إلى ثلاثة أقسام (الشعر والمسرحية والرواية) يسبقه دراسة نقدية وتحليلية لهذه الأقسام وأبرز روادها، وحديثي فيما يخص الشعر والنماذج الشعرية من العصر الذهبي التي تُرجمت في الكتاب والموزَّعة على طوال أكثر من مئة صفحة خصصت لهذه المختارات في الكتاب. يقول الرملي في تقديمه لهذه المختارات والصعوبات التي واجهها:

أما عن هذه الترجمة، فبمقدار ما سعينا فيها إلى الشمولية لتضم أكبر عدد ممكن من شعراء (العصر الذهبي) بقدر ما تزداد فيها الصعوبات، حيث إن هذا التنوع في التيارات والمراحل والشعراء يؤدي بالمقابل إلى تنوعات متشعبة أخرى في الأساليب والمواضيع والمفردات، الأمر الذي لا يمكن مقارنته بعملية ترجمة نصوص عديدة لمؤلف واحد يمكن الإلمام بسيرته ورؤيته ولغته.. هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك تلك الصعوبات الموجودة أصلا في عملية ترجمة النصوص القديمة لكون لغتها قد أصبحت موغلة في البعد الزمني عن لغة اليوم بعد أن طرأت عليها تحولات كبيرة، حيث إن القارئ الإسباني نفسه يواجه صعوبة في فهمها بعد أن اندثرت منها كلمات كثيرة، وتغيرت معاني كلمات أخرى مثلما تغيرت تراكيب الجمل وبناءاتها، فليجأ، مثلما فعلنا نحن، إلى القواميس والشروحات.

ومما سبق نستنتج قبل أن نقرأ أن ما ستصل له أبصارنا نماذج شعرية قد تعرضت لمعادلات كيميائية لغوية معقدة ليُحافظ على سلامتها اللغوية والتعبيرية والتركيبية، لكننا في المقابل نجد ترجمة أقل ما يقال عنها إنها بديعة، وقصائد شعرية تحمل من الجمال والبلاغة والصور الشعرية والتنويعات الوصفية والخيال الإبداعي الفذ، وتصوير الحالات النفسية والمشاعر التي تختلج في نفوس قائليها، حتى تصفق لهذا الجموح في الخيال والتميّز. لكننا هنا نكون بحضرة سؤال مهم كيف وصلت لنا كل هذه الأحاسيس والتفاعلات مع القصائد والنماذج الشعرية، بل وحتى تُشنّف آذاننا لرنين الكلمة ونُصغي لصدى جرس عباراتها؟ يقول المترجم المصري هشام فهمي -الذي ترجم ويُترجم سلسلة روايات صراع العروش- بأن إعجاب القارئ بالمؤَلَّف تعني أن المترجم قد أدّى دوره بالتمام، لذلك لا داعي للحزن إن نسى القارئ شكر المترجم. ونحن في حضرة هذه القصائد نجد أنفسننا مجبرين على التعبير عن امتناننا وشكرنا للرملي على هذه الإبداع في الترجمة.

والآن مع بعض من المقتطفات الشعرية التي ترد في المختارات:

  • لقد سلبتِ مني في ساعة
        كل الخير الذي وهبتني في السابق
       فخذيني، إذًا، مع المساوئ التي تركتني فيها
      وإلا فسوف أشك؛ بأنك قد وضعتني
       وسط خير عميم.. لأنك ترغبين
برؤيتي ميتا وسط ذكريات حزينة!

**
  • لا أحد يستطيع أن يكون سعيدا
يا سيدتي.. ولا تعيسا
إن لم يكن قد رآكِ
لأن المجد الذي سيراه
سيفقده في لحظتها
حين يدرك أنه لا يستحقكِ
وهكذا فإن الذي لا يعرفك
لن يستطيع أن يكون سعيدا
يا سيدتي.. ولا تعيسا
إلا إذا رآكِ!

**

  • لقد أخذتني الأحداث
إلى موت مؤكد
.. الذنب ذنبكم وأنا من يعاني!

**

  • دخلت في الحقل
كي أتصارع مع رغبتي
ضد نفسي كنت أحارب
فدافع عني يا رب من نفسي
والعقل يحاول تقويمي
إصرار مع إصراري
لكن الحرب تعاود أيضا
ويداي على رأسي
منتظرا هنا من ينجدني
ينجدني من لا أحد، ينجدني من هذياني
لأنني أنا من يحارب نفسي
فدافع عني يا رب من نفسي!

**

  • آه.. مني
فلأمت بعد أن أراك
وآه.. منك
يا من سيسألك الرب!
كنا ضدي، نحن الاثنان؛
أنا الذي أموت بمن ينساني
وأنت بانتزاع الحياة
ممن يموت بك
بالنسبة لي
سأبقى مطفأً هكذا
ولكن أنت
ماذا ستقول للرب؟
إذا كان اعتذاري مجديا
فإن موت بك هو اعتذاري!

**
  • وجهك أغلى من وجوه الملائكة
لهذا فهو يمنحني السلام الذي عليه السلام

**

  • إن الذي يموت جوعا في النهارات
ستطعمه الليالي أحلاما لذيذة،
وحيدا، هناك، في الجبل على صخرة

**
  • أنت جزء من إسبانيا، لكنك أفضل منها كلها!

**

  • آه.. فبالرجال وحدهم تكون البلاد عزيزة ومجيدة
**

  • نحّى آلامه هناك
وهو ينظر
إلى فتاته السعيدة
مقارنا ما عليه من هموم
بما عليه هي من بهجة

**
  • ومما يضاعف حزني؛
أن تفكيري يتعقد
أنك لم تكوني تحبينه
فإنه هو الذي سيحبك إذا رآكِ
وهذه حقيقة، لأن الحب يعرف
بأنه منذ أن طعنتني
ومن أجل مزيد من الإيلام..
ينقصني منافس أقوى مني!

**

  • لأنني أعرف جيدا بفضل آلامي؛
أن الذي يخشى الخب
لن يخيفه أي خطر آخر!

**
  • آه.. أيتها الليلة التي قدتني.
آه.. أيتها الليلة التي هي أعذب من الصبح
آه.. أيتها الليلة التي جمعت عاشقا بمعشوقه
معشوق في العاشق ذاب!
**

  • آه.. يا نداء الحب الحي
يا من تجرح بحنان
أعمق صولجان في روحي!

**

  • أطالبك بالعدل أيتها السيدة
كوني منصفة
فإما أن تحبيني كما أحبك
أو.. أن تقتليني!

**
  • ذلك قد يأتي أو لا يأتي
ذاك قد يخرج أو لا يخرج
فلا شيء يساوي فرح العشق!

**
  • هذه الحياة بالغة الحزن والمرارة
فهي للمعاناة طويلة
وللسعادة قصيرة

**
  • فأنت الذي تدفعني يا مولاي
تحركني رؤياك على الصليب
مقيدا ومهانا
تدفعني رؤية جسدك الجريح
يدفعني ما لاقيته من سخرية.. وموتك
يدفعني، في نهاية الأمر، حبي لك
أحبك إلى الحد الذي حتى لو لم تكن ثمة جنة
فسوف أحبك
وحتى وإن لم يكن ثمة جحيم فسوف أخشاك
ليس عليك أن تعطيني لأني أحبك
فأنا وإن كنت أنتظر عطاياك.. لا أنتظرها

.. فأنا أحبك وسأبقى أحبك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق