الخميس، 14 مارس 2019

المشاكل العالمية بحاجة إلى حلول عالمية.

تحت هذا العنوان يناقش يوفال في كتابه ٢١ درسا للقرن الحادي والعشرين المشاكل العالمية التي تهدد الاستقرار والوجود البشري فوق الأرض والتي تتمثل بثلاث مشاكل رئيسة:
١- الأسلحة النووية.
٢- الاحتباس الحراري والانهيار البيئي.
٣- لا انضباطية الذكاء الاصطناعي.

كيف يمكن مواجهة هذه المشاكل الثلاث، قد تبدو مشكلة الأسلحة النووية الأقل تخويفا وضررا، فوجود أسلحة ذات قدرات تدميرية كفيلة بإنهاء الوجود البشري، كما أن التكلفة الاقتصادية العالية وقلة الأرباح من الحروب كما في السابق، يجعل خيار الحرب بعيدا وخطر الأسلحة النووية بعيدا، لكن هذا الأمر لا يجب أن يُنسينا الغباء البشري الذي قد يجعل الحرب خيارا مطروحا أمامه.

الاحتباس الحراري، هو ثاني أخطر المشاكل التي يواجهها البشر حاليا، هذا الخطر الذي قد يُسبب انهيارا بيئيا كفيلا بانقراض البشرية والكائنات الحية، وتدمير كل حياة على الأرض، هذه المشكلة التي تمثل أرقا للنظام الرأسمالي والاقتصاد العالمي، فأسوأ تهديد للاقتصاد هو التلوث البيئي وانهيار النظام البيئي، فالتلوث البيئي الذي تسببه الصناعة واللا مسؤولية لأرباب العمل، يحتاج إلى وقفة جدية لمعالجته، وأي وقفة تعني انخفضاض الإنتاجية أو الإبطاء من سرعة التقدم والتطور للاقتصاد العالمي، وهذا ما لا يرغب به المديرون لهذا العالم وأسواقه الحرة وقد يعولون على التطور العلمي في إيجاد حلول قُبيل وقوع الكارثة.

الذكاء الاصطناعي، هذا الخطر الأكبر قد لا يتسبب بانقراض البشرية، لكنه قد يجعل البشرية كائنات درجة ثانية على سطح المعمورة، إذ التطور الهائل والمستمر للذكاء الاصطناعي والخوارزميات، وفي عالم النانو تكنولوجي والهندسة الاحيائية وهندسة الأجساد والعقول والإنسان الآلي Cyborg، فإن العالم سوف يُقسم إلى قسمين، تمتلك في الأول الطبقة العليا كل القوى في حين سيخضع البقية إلى هذه القوى، والتي ستعني انقراض كثير في أولئك المجتمعات التي تعيش في بُعدٍ آخر لا يرتبط بعالم المعلوماتية وتقنية النانو تكنولوجي. هذا العالم الجديد، سيعني انزياح الإنسان عن مراكز السيطرة والقوة ليحل محله الذكاء الاصطناعي، والاتجاه من الإنسانوية إلى الخوارزمية، ومن عبادة الإنسان إلى عبادة المعلومات، وإن الاتحاد ما بين  التقنية المعلوماتية Infotech والتقنية الأحيائية Biotech، قد تُنتج لنا ثورة جديدة تحدد شكل العالم، ومع التطور المستمر فإن احتمالية وقوع هذه الثورة في القرن الحالي كبيرة جدا، وأن العقود الخمسة القادمة ستحدد بشكل كبير ملامح عالمنا في ظل الخوارزميات وشبكة معلومات كل شيء Web-of-everthing. هذه الشبكة التي ستجعل جميع البشر مرتبطين بشبكة واحدة، عالم واحد مع سرعة خارقة في انتقال المعلومات.

هذه المشاكل العالمية تحتاج إلى حلول عالمية، لكن كيف السبيل إلى هذه الحلول؟ في ظل الوطنيات والتنافس الاقتصادي والسياسي واختلاف الأديان وتعدد المجتمعات، ومع ما يحيط بنا من إزعاجات الإرهاب والهجرة وملامح انهيار عالم الليبرالية والعولمة وبروز نجم بلدان تضع مصالحها فوق كل اعتبار، كصعود ترامب ومفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هذه الأمارات التي تُنبئ أو تُثبت حقيقة زوال العولمة والاتجاه نحو الخصوصية، نؤمن بحقوق الإنسان والحريات والأسواق الحرة والاقتصاد العالمي لكننا نرى مصلحتنا فوق كل شيء، ترامب يبني جدار فاصلا مع المكسيك، وبريطانيا تطمح من فك الارتباط مع الاتحاد الأوروبي. في ظل هذه الجعجة والفوضى الكبيرة ما الحل لمواجهة الأخطار الثلاثة المحيطة بالجنس البشري؟ يوضح يوفال في كتابه دروس للقرن الحادي والعشرين، بأن العالم اليوم يعيش في حضارة واحدة إذ الاقتصاد العالمي والأسواق الحرة المشتركة والاتفاق على سياسات دولية وحقوق الإنسان -وإن نظريا- تُطيح بفكرة صراع الحضارات، فالعالم اليوم حضارة واحدة. ولنقارن ما بين الاختلاف الذي سيحصل لو كان هناك ألعاب أولمبية في القرن الثاني عشر ميلادي، وبعيدا عن كل المعوقات اللوجستية في اجتماع رياضيين من كل أطراف المعمورة، ما هو كم الاختلاف الذي سيحصل بسبب قوانين الألعاب؟ وبالمقابلة مع أولمبياد ريو دي جانيرو، فإن جميع البلدان تتفق على قوانين موحدة ومشتركة تدريها الاتحادات الدولية لهذه الرياضات. الاقتصاد الخاص بكل دولة، لا يمكن أي دولة أن تعيش منفردة ولا بد لها من اعتناق سياسات اقتصادية مشتركة حتى تستطيع المضي إلى الأمام، فنحن اليوم في عالم مترابط وتجمعه سياسات موحدة. لذا فالبشر قد خطو خطوة إلى الأمام من أجل مواجهة الأخطار الثلاثة، الخطوة الأخرى هي عولمة سياسية، سياسة مشتركة لهذا العالم، لا تعني أن يكون العالم تحت إدارة واحدة، ولا أن نلغي الوطنية وخصائص كل مجتمع وثقافته ولا أن نصهرها في بوتقة واحدة من أجل مجتمع واحد، بل في خلق سياسة عالمية وعلومتها تتمثل بأن تفكير كل دولة لا يسير في مسار قد يسبب ضررا للدولة الأخرى وأن لا يرى كل بلد بأنه الأفضل ومصلحته متقدمة على غيره، ويضرب مثالا  في الاتحاد الأوروبي، وكيف أن دول مختلفة بلغات مختلفة ومجتمعات لكل منها سماتها تعمل وفق سياسة واحدة، لذا فإن عمل مجموعة من الدول على وضع خطة لمواجهة الاحتباس الحراري والتغير البيئي لن يكون ذا قيمة إذا عملت الصين منعزلة على سبيل المثال، ولم تقتنع بأهمية مواجهة الخطر البيئي أو حتى لم تؤمن بوجوده أصلا كما فعل ترامب في انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ. سياسة واحدة، متمثلة في التفكير في مصلحة الآخر وكونها مصلحتي أيضا هي الحل الوحيد الذي قد يبدو متاحا حتى اللحظة. وهذا ما يشمل أيضا الأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي، وتمكين الدولة المتأخرة تكنولوجيا من اللحاق بالركب العلمي. هذا الحل الذي ينفي يوفال مقدرة الأديان على تطبيقه كونها تزيد التفرقة وهي جزء من المشكلة بدل أن تكون جزءا من الحل. سياسة عالمية تعتنقها جميع البلدان مثل الاتحاد الأوروبي، قد تبدو فكرة مغرية ولا سيما في مواجهة أخطار تهدد بانقراض البشرية إلا أنها أيضا تبدو بعيدة المنال، وأحلاما لا أكثر، وتحتاج إلى تنازلات من قبل جميع الأطراف، وإدارة حكيمة وأشخاصا مناسبين لإدارة السلطة والتفكير بمستقبل البشرية والأرض. وهو ما لا نملك عليه أي بوادر مبشرة ما دام ترامب وكيم جونغ أون يمارسون لعبة التهديد بالأسلحة النووية، واضطراب السياسة الدولية في مواجهة أخطار أمنية كالإرهاب ومشاكل الاقتصاد.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق