الأحد، 7 أبريل 2019

خان الشابندر - محمد حياوي.


خان الشابندر إحدى الروايات العراقية لفترة ما بعد الاحتلال، الفترة التي شهدت روايات كثيرة وبمستويات مختلفة ما بين الغث والسمين، ورواية خان الشابندر هي إحدى الروايات ذات الموضوع الشائق والثيمة الاجتماعية لا سيما وأن الأبطال: مهاجر عائد إلى أرض الوطن، ومومسات اضطرتهن الحياة إلى ممارسة البغاء، هذا التفاعل ما بين الشخصيات أعطى دفعة من الانسجام والتناغم في أحداث سير الرواية مضيفا عليها مسحة سينمائية شائقة، فتبدأ الرواية بقيام الصحفي علي بمحاولة كتابة بحث اجتماعي عن حياة المومسات في منطقة الحيدرخانة في بغداد، إلا أنه بعد دخوله بيت أم صبيح تنقلب حياته لدرجة يسنى علي ومن يقف فوق علي البحثَ الاجتماعي، وهو ما سنرى كيف مثّل ضربة في بُنية العمل في السطور القادمة. تعلّق علي بهذا العالم، الذي يدور فيه في فلك ضويّة وهند، الذي ذاق طعم شفاههما، قد جعل الرواية تدخل من باب وتخرج من آخر، فتغيرت الرغبة من القيام ببحث اجتماعي لها منهجيته وشروطه والتزاماته إلى علاقة مجهولة الصفات ما بين الفضول والرغبة ولمَ لا الحب، لتنتهي هذه الرابطة نهاية مأساوية، ولو قيل ماذا أراد هذا حياوي من هذا العمل، سأجيب أراد أن يسلط الضوء على شريحة مسحوقة تأتي إلى هذه الحياة وتخرج دون أن يهتم بها أحد ما بين مومس مضطرة لهذا العمل لكسب العيش وفقير معدوم، لذا فهي رواية المهمشين في غابة الوطن الكبيرة لا سيما وأنها في فترة حرجة من تاريخ العراق المعاصر بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فمن سيكترث لحياة هؤلاء المهمشين في بلد يتصارع فيه الجميع ولا قيمة لشريف القوم فكيف بمن هم دونه، لذا فقد أصبحت روايات المهمشين من المواضيع المهمة في رواية ما بعد الحداثة، ومن هم الأكثر تهميشا ممن تناولت قضيتهم رواية خان الشابندر. هذا العمل الشائق بأسلوب السردي المباشر، ضمير المتكلم، ولغته السلسلة المرققة قد كان فيه بعض التضعضعات والهفوات التي تُدني من مرتبته لكنها ليست بالتي تُطيح به ومع ذلك فلا بد من معالجتها في قادم الطبعات لتبقى محافظة على رونقها:

-لغة الرواية في السرد كما ذكرت فهي سلسلة مرققة بعيدا عن أي خشونة إلا أن بعض الحوارات قد خلط فيها ما بين العامية العراقية والفصحى، فجاءت الفصحى كأنها ترجمة للعامية، وهذا ما يجب تجنبه حتى لا تبدو لغة حوار الرواية مهلهلة كما في:
-أحسن.. حتى إذا بكيت لا ترى دموعي.
-لا.. لقد خبرته.. ومتُّ وحييت عشرين ألف مرّة.. فلا تقلق.
-ممكن أن لا تسألني عن أي شيء الآن؟
وهناك بعض الجمل التي تبدأ بالفاعل قبل الفعل رغم عدم ضرورة هذا التقديم، وهي من تأثيرات الترجمة السقيمة في اللغة العربية، إذ الفعل في العربية يتصدر الكلام في أغلب الأحيان ويأتي بعده الفاعل.

الملاحظات التالية هي في بُنية العمل وتركيب الرواية، وأرى أن من الضروري جدا تعديلها حتى يظهر العمل بصورة أكثر تكاملا:

1- قال علي بأنه يريد أن "يقوم ببحث اجتماعي"  ص15 في حديثه مع ضوية بيت أم صبيح، فبعد تعرفه على ضوية وهند، معلمة الجغرافية، حتى تعلّق بهما وكرر الزيارة مرة أخرى، ولم ترد أي إشارة إلى هذا البحث الاجتماعي ثانيةً، فبدا أن موضوع البحث لم يكن سوى حجة للصحفي علي من أجل الدخول إلى عالم المومسات في الحيدرخانة وأصبحت رغبة علي في معرفة قصصهن ناتجة من فضول شخصي أكثر من إجراءات ملزم بها للقيام ببحث اجتماعي ذي منهاج نوعي، وكأن الروائي استخدم موضوع البحث لإيلاج البطل إلى عالم الحيدرخانة لا أكثر، وبقي البحث بدون أدنى ذكر بعدها، فهل أراد علي حقا كتابة بحث اجتماعي؟ ولماذا غفل الروائي عن ذكره أو الإشارة إليه ثانيةً؟ ترك موضوع البحث الاجتماعي بدون أي تفاصيل سواء عن إعداده أو حتى إلغاء فكرته، نقطة تثير التساؤل لماذا لم يختر الروائي سببا آخر لإدخال بطله إلى عالم الحيدرخانة إن كان مبيت النية على عدم الالتفات لموضوع البحث في متن رواية؟

2- علي يعمل في جريدة كما يشير هو عند حديثه عن نيفين إذ يقول: "زميلتي في الجريدة، التي كلفها الأصدقاء الاعتناء بي كونها تسكن الكرادة أيضا". ص 51. وهو العائد إلى عراق ما بعد الاحتلال بعد غياب طويل لمدة خمس وعشرين سنة. إلا أن الرواية لا ترد فيها إشارة إلى موقع عمله أو نوع وظيفته وهو العائد إلى العراق بعد غياب طويل للعمل في جريدة، والأسئلة التي تطرح هي:
يعود علي بعد الاحتلال- بعد غيابٍ لخمس وعشرين سنة-  للعمل في جريدة! بالرغم من أن هذا الوضع يبدو مريبا جدا إذ نجد علي في العراق دون أن نعلم أين كان ولماذا عاد؟ إلا أن عمله في الجريدة هو الأكثر غرابة إذ هو لا يذهب إلى الجريدة، ولم ترد أي إشارة أنه كان يذهب ولو لمرة واحدة! نقرأ في الصفحة ال55:

وبدأت ترزم أغراضها في حقيبتها الصغيرة على عجل..
-إلى أين؟
-إلى الجريدة.. لقد تأخرت كثيرا، وسيقلقون عليَّ في مثل هذه الأوضاع.
ما أن لفّت نيفين حجابها الكبير حول رأسها، حتى رن هاتفها النقال:
-ألم أقل لك.. ها هم يتصلون ليطمئنوا عليَّ.
ودعتني وخرجت…
**
ويقول في الصفحة ال85:

كانت تلك الأحداث تمر أمامي مثل شريط سينمائي ظل يكرر نفسه طول الليل.. حتى رن هاتفي. فصحوت متثاقلا.. كانت نيفين على الطرف الآخر تسألني عن سبب عدم مجيئي اليوم:
-هل يعقل هذا؟ الساعة قاربت الثانية عشرة، وما زلت نائما؟
**
ففي الاقتباس الثاني دليل على أن علي يعمل في الجريدة وفي ذلك اليوم لم يذهب، والسؤال أليس من المفترض أن يخرج علي مع نيفين وهم يعملون في ذات الجريدة لكن الاقتباس الأول يشير إلى أنها الوحيدة التي ذهبت إلى العمل ولم تقل له أي شيء بخصوص قدومه معها إلى العمل. وهذا أمر غريب لم أجد له تفسيرا، أم يا ترى أن مهنة الصحافة هي الأخرى مجرد حجة لإدخال علي وإبقائه في بغداد؟

3-يلتقي علي بزينب الفتاة المتسولة والتي يقدر سنها مثلما في الصفحة ال56: "كانت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر". وحين يبقى معها ويجري بينهما الحديث يسألها: ص 59-60:
-كم أخا لديك؟
-أربعة.. كلهم صغار.. أنا كبيرتهم.
-وأمك وأبوك؟
-أبي أنا لم أره.. وعيت على الدنيا وأنا مع أخوتي فقط. أمي قالت إنه قتل في الانتفاضة.. وفي العام الماضي مرضت أمي وماتت...
**
تبلغ زينب من العمر ثلاث أربع عشرة سنة، ووالدها قُتل في الانتفاضة، أي أن زينب مولودة قبل الانتفاضة التي حدثت ما بين (5-4-1991 و 1-5-1991) وفي الأرجح أن مولودة في بداية عام 1991، وهو ذات العام الذي تُوفي فيه والدها. السؤال الذي يطرح نفسه من أين أتى إخوتها الأربع والصغار أيضا! إذا قدرنا سنَّهم سيكون ما بين(2 أو 3 و 7 أو 8)، فإن والدها في الأقل يكون قد تُوفي بعد عام 2000.
وقد يقول قائل لربما أن زينب خدعت علي الذي انطلت عليه قصتها إلا أن الكاتب ينفي هذا الاحتمال إذ يقول في الصفحة ال159: "كانت زينب تتعثر بين القبور الدارسة وتتوقف بين الحين والآخر لتتأكد من الطريق، بينما تبعها أخوتها الصغار غير عابئين".

4- زمن أحداث الرواية هو أكثر ما أربكني فحرت هل الأحداث تجري في فترة 2004-2005 أو في فترة 2008-2009 أو 2014-2015، ولكل من هذه الأحداث دليل يُثبته وآخر ينفيه:

فترة 2004-2005

دليل الإثبات: تقول هند لعلي  ص133:

تزوجت في مدينتي الناصرية من زميل لي في العام 90، وأنجبت سارة في العام 91..
**
إذًا، فابنتها سارة من مواليد 1991. وفي الصفحة ال132 تقول هند:

-هل تعلم؟ لدي ابنة اسمها سارة.. عمرها الآن أربعة عشر عاما!
**
بما أن أسلوب السرد المباشر بزمن الماضي، فإن "الآن"  في جملة "عمرها الآن أربعة عشر عام" تدل على زمن الحدث، وسنُّها -ليس عمرها- هو أربعة عشر عاما وسارة من مواليد 1991، فإن زمن الرواية هو 2004-2005
**

فترة 2008-2009:

دليل الإثبات وهو في الآن نفسه ينفي فرضية زمن الأحداث في فترة 2004-2005:
تقول هند في الصفحة ال132:

-إنها في نيوزيلندا الآن.. لم أرها منذ أكثر من خمس سنين.
**
بما أن هند لم ترَ ابنتها منذ خمس سنوات، وتعرفت على مارك النيوزيلندي الذي وعدها بترتيب لجوء لها ولابنتها عندما عملت مترجمة مع النيوزيلنديين في وحدة هندسة صغيرة تابعة للجيش مثلما تشير في الصفحة ال135، فإن التالي:

-الاحتلال الأمريكي للعراق بدأ عام 2003، لذا نفترض أن هند عملت مترجمة في فترة 2003-2004، ولم ترَ ابنتها منذ خمس سنوات، ففي حالة سفر ابنتها إلى نيوزيلندا مع مارك -بالرغم أن الرواية لا تشير إلى أي معلومة حول هذا السفر وأحصل فعلا أم لا إلا أننا نفرض حصوله- فإن الزمن المتوقع لسفرها هو عام 2004 وهو ذاته زمن اختطافها من قبل المليشيات وعدم رؤيتها لابنتها، فهي لم ترَ ابنتها منذ خمس سنوات فإن زمن الرواية هو 2008 - 2009
**

فترة 2014-2015

دليل الإثبات هو دليل نفي للفترتين السابقتين إذ يقول علي في الصفحة ال69:

… وقرب الشورجة، صادفتنا امرأة شابة تحمل طفلا صغيرا وتستجدي المارة:
-أنا أختكم سوريّة.. ساعدوني الله يرزقكم..
**
كما هو معلوم للجميع أن الثورة السورية التي انطلقت شرارتها عام 2011، لم تضطر السوريين للنزوح إلا بعد سنة أو اثنتين أو ثلاث في الأكثر. يبقى السؤال المهم ما هو زمن أحداث الرواية؟!

5- هناك أحداث أخرى في الرواية تُوضح عدم دقة في السرد والتعامل مع عنصر المكان وسماته. يجب مراجعتها أيضا كما في حادثة دخول علي وضوية الصفحة ال151، فيشير علي إلى أن المكان كان مظلما وكانوا يتعثرون، وهما في المكان نفسه دون الإشارة إلى وجود ضوء أو أنهم قاموا بإضاءة المكان يقول: "وشاهدت ضوية متسمرة في مكانها وقد انحسرت الكوفية عن رأسها…" فهل شاهدها وهما في الظلام؟ هذا غير ممكن فلا بد أنه كان يشاهدها في الضوء، أي أن المكان تم إضاءته لكن كيف هذا ما يجب أن يُعالج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق