الأحد، 3 سبتمبر 2017

هل تكمن قيمة الإنسان بقوله لا

هل تكمن قيمة الإنسان بقوله لا، أن يرفض ما يُملى عليه حين يشعر أن هذا الأمر المملى خطأ، ولا يصب بمصلحته، وأن الواجب عليه أن يقول لا؟ 

.

.

كان الإنسان الأول أبو البشر آدم، هو أول من قال لا بعد أن لم يستجب لأمر الله، حيث وسوس له الشيطان وخدعه، وما مُنع إلا ليكون له من الخلود والحظوة والسلطة الكثير، فدفعته رغبته إلى الأفضل حسب اعتقاده أن يرفض الأوامر الإلهية وأن يأكل من الشجرة المحرمة ويقع في المعصية ويلبس ثوب الفناء بعد ثوب الخلود، ومن هنا نشأت نواة الإنسان ليقول لا.

.

.

لكن رفضه لم يكن رفضًا صحيحًا لأنه خالف أوامر آلاهية ليست قابلة للمجادلة أو النقاش، فموضع العبد من ربه هو أن يقول سمعت وأطعت يا رب

.

.

ومن هذه النقطة بالذات تقفز المشكلة، حين ظهر الكثير لينوبوا عن الرب، بإصدار الأوامر ولم يكتفوا بهذا بل طالبوا الجميع بأن يكونوا آدم الذي لا يُخطئ، يُنفذ دون جدالٍ أو نقاش أو تلكئ أو بطء، فتمادوا بالظلم والطغيان وسوء المعاملة لمن هم دونهم، فرضخ من رضخ لهم، وبرزت في هذا الوضع قيمة الرفض المتمثلة بـ لا.


.

.

حين يرفض الإنسان الأمر الذي يُهنيه ويقلل من قيمته وكرامته فهو يستحق الحياة، وتكون الـ لا، هي النير الذي يرافقه في كهف الظلمات التي يحاول أن يقذفها فيه سيده الذي يرغب أن يكون بمقام، المطاع ولا شيء غير الطاعة، إن الـ لا التي تكون نابعة من نفس صادقة وكريمة هي السلاح الذي ملكه من لا حيلة لهم ليكونوا بعدها مناراتٍ لغيرهم، الأنبياء الذين رفضوا حالة أممهم الغارقة بالشرك والجهل، قالوا لا ورفضوا أن يكونوا معهم ولما أيّدهم الله بملائكته وكتبه، دعوا الناس ليرفضوا ما وجدوا عليه آبائهم ويدعوهم إلى الله الواحد الأحد وأن ما كان عليه آباؤهم لهو الضلال، فبرزت قيمة ال لا بدعوة الأنبياء فهي المقام الأسمى والأعلى في مراتب الرفض، أن ترفض الجهل والشرك وتجعلها كلمة تقودك نحو صلاح الذات والدنيا والآخرة، فكانت هذه الـ لا من العظمة أنها فاتحة كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" هذه رسالة الأنبياء، وهذه مفتاح الجنة، أن ترفض كل إله عدا الله، وتستثني من رفضك إلا الله، فأي منزلة عظيمة لهذه الـ "لا". 


.

.

ومن هذه الكلمة انطلقت الثورات التي قام بها الإنسان رفض الظلم والطغيان ضد الحكومات والاحتلالات، فهي التي تدفعه لأجل حياة أرقى وأكرم وأفضل، ومستقبل مشرق لا يضيع في أتون تحرق أحلامه بنيران العبودية.


.

.

وكان الرفض مادة دسمة لكثير من الشعراء والأدباء والفلاسفة والرواة، فكان رفض الاستبداد السلطة الحاكمة، مادة رواية ١٩٨٤ لأوريول، فكان ال لا والتغيير والوقوف بوجه الطاغية هي النواة التي انطلق منها ونستون، وكذلك الحال في رواية عالم جديد شجاع لهكسلي، الرفض لسيطرة العلم في إنشاء الإنسان والرغبة بعدم الخضوع أكثر لهذه الآفة التي بدأت تسيطر على حياة الإنسان حتى جعلته ينسى قيمه كإنسان



ويقول المتنبي:

"بشعب بوان حصاني 

أعن هذا يساق إلى الطعان

أبوكم آدم سن المعاصي

وعلمكم مفارقة الجنان"


فيقولها متهكمًا أو موقنًا أن الإنسان جُبل على الرفض والمعصية. وذات الموضوع ما يتناوله د. علي شريعتي في كتاب النباهة والاستحمار، فيشدد على قيمة رفض الإنسان لما يُسيئ له ويحط من قدره، داعيًا إياه للتنبه والدراية، فيقسمها النباهة والدراية إلى ذاتية واجتماعية، فردية وجماعية، حين يرفض الإنسان الانحطاط ويسعى لأن يكون سيد أمره لا ذليلًا خانعًا وقتها بإمكانه أن يكون مستعدًا لخوض غمار حربٍ يكون هو المستهدف فيها على مدار عقود.

.

.



حين تقول لا سواء أكنت محقًا أو على باطل، فهذا يعني أنك إنسان، وأنك تفكر، وإنك ما رفضت إلا بعد أن استشرت عقلك، فالطاعة العمياء هي أول منازل العبودية، ولا توجد أسهل من الطاعة، لكنها لا تُعطى لإي كان، وهذا ما وقع فيه الكثيرون، أنهم يطيعون دون أي يفكروا في مصالحهم، ومصالح من يُعيلوهم، كالطاعة للظالمين من الرؤساء والحكام والملوك.

.

.



وقد يخلط البعض ما بين الرفض؛ لأجل مصلحة الذات، وما بين العصيان؛ لأجل العصيان، فقد تكون دوافع الرفض كامنة في الرفض لا لأجل هدف سَامٍ أو لغاية شريفة، يريد بها مصلحته، وقد يطيع البعض الآخر بصورة عمياء كل ما يصل إليه من أمر أو موروث ديني أو اجتماعي، ويبقى خائفا من الخروج إلى نور الحرية، ظنًا منه أن الطاعة هي النعيم، دون أن يدري أن في الرفض أصل النعيم.

.

.

وقد يتكاسل البعض في الرفض، متكئين على غيرهم ليقولوا لا، وهكذا تنشأ العبودية، مُتيحة لذوي السلطان والمال والجاه، كل عوامل السيطرة على عقول تتكاسل من قول لا تارة، وتخاف قولها تارة أخرى، وتجهل كيف تقولها في كثير من الأحيان، لتبقى متخبطة في بحرٍ من لا تعرف إلى الخروج منه سبيلا.

.

.

وقد يُسيء البعض الرفض منغرًا بذاته ومكانته، فيخسر بذلك الكثير، كحال ابن نوح عليه السلام حين رفض أن يصعد في الفلك، وقال لا سآوي إلى قمة الجبل لتحميني، وكذلك رفض إبليس الخضوع لأمر الله والسجود لأدم، فقال لا لن أسجد أنا خير منه وأفضل.

.

.

فتبين طريقك في الرفض، ولتكن لا طريقًا يهديك إلى العليين، لا منحدرًا يهوي بك إلى أسفل سافلين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق