هذا الكتاب حول صنعة وفن الرواية للكاتب والروائي والفيلسوف الإنجليزي كولن هنري ولسون، وفيه يطرح الكثير من أفكاره وآرائه حول الرواية وصنعتها وفنيتها، مقدما إضافة لمن يود الإستزادة والمعرفة في آليات وفنيات الكتابة الروائية، وفصول الكتاب مزدانة بقراءات نقدية للكثير من الروايات عبر التاريخ الروائي الممتد منذ منتصف القرن السابع عشر. والآن ملخص الكتاب:
في الفصل الأول تركيز ونقاش ونقد لروايات من أجل التوصل إلى فكرة "البحث عن الذات" و "من أنا" و "ماذا أريد" و "لماذا أكتب"".
وإن الكاتب عليه أن يعرف نفسه ويكشف مكامن المعرفة في داخله، وينطلق في الكتابة راميا إلى هدف ما لكن يجب عليه الإيمان أولا بهذا الهدف. وعملية الاندماج ما بين الشخصية والكاتب هي أمر لا بد منه، فالكاتب يِِعبر عن رؤاه من خلال شخصياته، وإن لم يكن واضحا في ما يبغي إليه ويسعى، تكون شخصياته إنعكاسا لهذا التخبط الذي يعيشه، والافتقار إلى الإبداع وانحسار النهايات في الروايات إلى نهايات تفقد الطابع الإبداعي أو الفني المترتب على معطيات تم تحدديها من خلال صفات الشخصيات وإعطائها صفات معينة لا يمكن تجاوزها، لذلك يجب أن يتم التعامل مع الشخصية وتحديد قدراتها بما يتناسب مع الهدف الروائي حتى لا تكون النهايات نمطية وباردة ولا تستثير القارئ ولا تصل بالكاتب إلى ما يروم إليه، فالرواية على حد قول ولسن: أكثر تأثيرا مما قام به فرويد ودارون وماركس مجتمعين.
الروايات التي أثرت في أوروبا وكان لها الدور الريادي في نشوء الرواية وتطورها وهذا ما يبحث في هذا الفصل ابتداء من رواية باميلا لريشاردسون ورواية جولي لجان جاك روسو ورواية آلام فريتر لغوته ومسرحية اللصوص لشلر.
مواضيع الروايات الأُول التي تناولتها أقلام الأدباء في أوروبا أول الأمر، كانت منصبة على الجوانب الأجتماعية والتمسك بالأخلاقيات كما في رواية باميلا التي كانت عبارة عن رسائل تروي بها مدبرة منزل قصتها حيث تتعرض لتحرش ومحاولة اغتصاب من قبل سيدها الذي تقابله بالتمنع رغم محاولاته، الرواية التي نُشرت سنة ١٧٤٠ وأعطت لكاتبها ريشاردسون شهرة كبيرة فيما بعد في لندن وذاع صيتها وانتشرت خاصة وأنها جاءت بأسلوب جديد -رواية رسائلية- لم يكن متعارفا عليه ولحثها على الفضيلة والأخلاق. ورواية جولي لجان جاك روسو، والتي كما يقول: ولسن إن كانت رواية باميلا بركانًا فإن رواية رواية جولي زلزالا، لأنها كانت حول علاقة جسدية بين رجل وامرأة خارج إطار العلاقة الزوجية ويقول أنه لو أحب رجل امرأة فإن من حقهم أن يكملا حياتهما معا ويتحدا العادات المتعارفة. وهذا الذي كان ينافي أخلاقيات المجتمع وعاداته في القرن الثامن عشر، وهو يمثل نقلة نوعية وقفزة اجتماعية شهدتها أوربا، ولا يقل الأمر في ألمانيا وما أبدعه يوهان فان غوته وروايته آلام فريتر، والتي لامست المشاعر البشرية والجانب الإنساني التعاطفي مع فريتر الشاب الذي يقع في حب شارلوت، التي كانت مخطوبة واستمراره بحبها رغم زواجها، وهي التي كانت تبادله المشاعر وإن لم تبدها، الحب الذي قاد فريتر إلى الانتحار وانهيار شارلوت عند سماعها خبر انتحاره.
وكما يلاحظ أن المواضيع كانت مواضيع ذات علاقة بالمجتمع والحالات الإنسانية سواء على مستوى المشاعر أو التعامل مع الغير، الجانب المتعلق بذاتية الإنسان الآخر. والتبعات النفسية لهذه العلاقة على نفوس البشر.
في الفصل التالي يتحدث ولسن فيه كما يسميه الفصل "الانهيار والسقوط" للرواية الأوربية وهي المرحلة التي لحقت مرحلة البدايات التي ركزت على الأخلاقيات الاجتماعية والذاتية، والتي بدأت هذه الأخلاقيات بالتحلل والتحول للموضوعات ذات العلاقة بالجنس والغريزة وسادية الرجال ونظرتهم للمرأة وعلاقتهم بها والانحراف الأخلاقي الذي شهدته المجتمعات الأوروبية والذي كان يُمارس بنوع من التغطية أو الصمت مع علم الجميع به وغرقها في هذه المواضيع، وكان من أبرز الأعمال رواية مدام بوفاري التي روت قصة زوجة يُصيبها الملل من حياتها لتشرع بإقامة علاقات خارج نطاق الزوجية وينتهي بها الأمر في آخر المطاف منتحرة، والتي لاقت استهجان واتهام فلوبير بالخلاعة ومقاضاته لكن تم تبرأته لعدم وجود الأدلة. وهي الرواية التي نقلت القصة الحقيقية والواقعية لحياة المدام دفين بعد أن اقترح عليه صديقه الشاعر الفرنسي لوي بويه كتابة قصة هذه المرأة بعد أن سمع بها. واستمر السقوط في فخ الواقعية حتى أضحت بلا أي تأثير ملموس، بعد أن عبرت عن مشاكل الحرية تعبيرا واضحا، ومنحت الإنسانية بعدًا جديدًا كما يقول.
في الفصل الرابع ينقاش فيه ولسون، طبيعة الرواية والوعي في الرواية، حيث يعتبر الرواية تجربة حياتية ينقل من خلالها الكاتب الوعي الضيق الزاوية في الحياة اليومية إلى الوعي المتسع الزواية في الرواية، دون التقيّد بقيود الرؤية قصيرة البعد لنا في حياتنا، لذلك فإن الرواية تمثل تجربة فكرية، في حالة نجاحها فهي تنقل لنا حالة استقراء واضحة للحياة البشرية وفي حالة وقوعها في الفشل فهي كمعادلة حسابية أعطت نتيجة خاطئة، وفي كلا الحالتين فإن هذه التجارب الفكرية الروائية تعتبر استغوار للحياة البشرية.
ويتناول سلسلة من الروايات وأفكارها، من مختلف الأدبيات الأوروبية، والعلاقة التي يحاول فيها الكُتّاب استقراء الطبيعة والواقعية باعتبارها المنظور الأشمل والأكمل للوعي المتسع في إدراك الحرية البشرية والقيم الإنسانية وما يحكمها من غرائز أو شهوات والتي تعمل على تحديد اتجاهاتها المصيرية ووعيها بهذا العالم.
وصفة ولسون لنجاح الرواية هي التوتر وإطلاق التوتر مما يسبب الإحساس بالحرية. يسرد عدة أمثلة من الروايات الكلاسيكية عن هذه الحيلة التي يستخدمها الرواة في كتاباتهم والتي يقسم الروايات فيها إلى قسمين روايات تحلق عاليا وروايات تحلق منخفضا، قاصدا بها الروايات التي تتناول المواضيع المرتبطة بالذات والمجتمع ويكون الكاتب فيها يعرف المشكلة ويشخصها ويُعطي في النهاية حل لهذه المشكلة. فالمشاكل التي يطرحها الذين يحلقون عاليا كدوستويفسكي وديفد هربرت لورنس تبلغ من الضخامة ما لا يمكن حلها حلا دقيقا. ولهذا تعتبر معظم روائع القرن العشرين فشلا من هذه الناحية على حد وصفه.
في الفصول الثلاثة اللاحقة، أنواع تحقيق الرغبة، وتجارب، وأفكار، يطرح ولسون العديد من (الأفكار والتجارب) الروائية مستشهدا بأمثلة من الأدب العالمي كجيمس جويس وهمنغواي وموباسان وغيرهم، أعمالهم الأدبية ومناقشتها، وتحليلها وتسليط الضوء على أهم ما بها من أفكار أو قراءات للحياة وللذات والدور الذي أثرت فيه ذاتية كل راوي أو حياته في أعماله الأدبية. ومن الروايات التي يتحدث عنها الرواية التجريبية والتي يأخذ رواية عوليس كمثال عنها ويعرف الرواية التجريبية بأنها: هي إحدى الروايات التي يحاول الكاتب استخدام تقنيات جديدة لنقل رؤية ذاتية عن الواقع. وإن أحد أهم قوانين الإبداع هي الإجهاد بفكرة من الأفكار حتى ترى مجمل مضامينها. لذلك حين نتحدث عن الفكرة الموجودة في رواية من الروايات فإننا نقصد بذلك محاولة المؤلف في تلخيص رؤيته للوجود أو في الأقل نظرته للحياة اليومية. وتتلخص مهمة الروائي في أنها مهمة روحية وعليه أن يخلص نفسه من الرؤية الضيقة الزاوية إلى الرؤية المتسعة الزاوية ونقل هذه الرؤية إلى القارئ.
في الفصلين التاسع والعاشر، التكنيك والبناء والحدود، يستعرض ولسون عدة أعمال روائية لمناقشتها ومناقشة أفكارها ومحتواها وأساليبها والبنيوية لكل منها، ونلاحظ أن ولسون يركز بنسبة ٧٠% تقريبا على روايات أدباء المملكة المتحدة وأمريكا في اختيار العناوين التي يقوم بدراسة الرواية وتطورها على ضوئها ودرجة أقل بكثير لروايات الأدب الفرنسي والألماني بصورة خاصة والأوروبي بصورة عامة، مما يجعل هذا الكتاب غير شامل لكل الآداب إذ نرى انعدام شبه تام لأدب أمريكا اللاتينية، ويتناول الأدب الروسي بصورة مقتضبة جدا.
في فصل الفانتازيا والاتجاهات الجديدة، حيث تظهر روايات تتناول مواضيع لم يتم التطرق لها بصورة مؤثرة مسبقا، خاصة بعد أن أشيع عن موت الرواية بعد أن كتب جيمس جويس روايته، الرواية التي انطلقت سنة ١٤٩٩ برواية سيلستينا وهي عمل نثري درامي للإسباني فرناندو ديروجاس، وبعد قرن ونصف سنة ١٧٤٠ ظهرت رواية باميلا لريشاردسون التي هزت الشارع الأدبي البريطاني لكونها عمل جديد يتناول الأخلاق والفضيلة، لتستمر الرواية على يد غوته وفلوبير وموباسان وبلزاك وزولا وغيرهم، حتى ظهرت رواية جيمس جويس عوليس سنة ١٩٢٠، وهي من الروايات التجريبية التي جعلت الكثير يتنبأ ببداية موت الرواية أو موتها فعلا، ويعتبر ولسون أن رواية توكلين "سيد الخواتم" ذات الأجزاء الثلاثة، هي بداية عهد جديد في الرواية خاصة مع تطور الحياة والعلم، أضافة لرواية "رحلة إلى آركتورس" للروائي ليندساي التي يعتبرها ولسون أفضل عمل خيالي في القرن العشرين أو الأدب كله، ويتناول ولسون روايات ليندساي في هذا الفصل كمثال لروايات الفانتازيا والاتجاهات الجديدة في الرواية. وكذلك في هذا الفصل هناك تجاهل تام لرواية فرانكشتاين للروائية الإنجليزية ماري شيلي.
الفصل الأخير من الكتاب الذي هو خلاصات ولسون عن الرواية، مستعرضا فيه بعض من تجاربه الشخصية ويعرف الرواية بأنها: محاولة لإحداث مرآة من المرايا يستطيع الروائي من خلالها رؤية وجهه. وهي أساسا محاولة لإحداث الذات، وما (وصف الواقع) و(قول الحقيقة) إلا أهدافا ثانوية وأوراق اعتماد الروائي- سلطته في الطلب من القارئ أن يعيره اهتمامه. وأما هدفه الحقيقي فهو أن يفهم نفسه ويدرك غرضه.
الكتاب في المجمل تناول لسير الرواية وأهم من منعرجاتها ومواضيعها والأساليب انطلاقا من رواية باميلا حتى منتصف القرن العشرين، وهو دراسة مستفيضة لأدب أمريكا وبريطانيا بصورة كبيرة، وتناول لأهم محطات الرواية في أوروبا التي مثلت السنام للرواية العالمية وصيرورتها، قبل أن تنتقل إلى بقية دول العالم وقاراته.
*ملحق:
يُنسب أول عمل روائي لفرناندو ديروجاس بروايته الدرامية سيليستينا أو ما تعرف بصاحبة المخاور، المكتوبة سنة ١٤٩٩م، وهذا ما يذكره الكثير من الباحثين في الرواية والنقاد كـكولن ولسون، وكذلك ذكرته الأستاذة لطيفة الدليمي في مقدمة الرواية المعاصرة.
يتجاهل كولن ولسون في كتاب فن الرواية الحديث عن أسبقية رواية دون كيخوته للإسباني ثربانتيس الذي صدر الجزء الأول منها سنة ١٦٠٥م، ويتحدث عن تأثير رواية باميلا لريشاردسون وهي رواية في فن المراسلات، وصدرت الرواية هذه في بريطانيا سنة ١٧٤٠م والتي أحدثت صدمة في الشارع الأدبي لكونها مكتوب بأسلوب جديد وأعطت لكاتبها ريشاردسون شهرة واسعة، حيث يبني على هذه الرواية في كتابه انطلاقة للحديث عن الرواية وتطورها، في الوقت الذي يتجاهل رواية دون كيخوته رغم أنها أسبق من رواية باميلا، وأما رواية سيليستينا فإنه يذكرها بصورة عرضية عند الحديث عن روايات الفانتازيا والاتجاهات الجديدة في الرواية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتم تجاهل رواية الحمار الذهبي للكاتب الأمازيغي للوكيوس أبوليوس الذي عاش في فترة ما بين ال١٢٥-١٧٠ م، والرواية تُسمى أيضا بالتحولات تحكي عن قصة المغامرات التي عاشها الشاب لوكيوس بعد أن تحول لحمار، وهي رواية كاملة المتن والأسلوب وذات حبكة ومقدمة وخاتمة، وحتى على المستوى التكنيكي فهي رواية كاملة وفيها قصص داخل قصص، ومستويات سردية، وتعدد أصوات الرواة. ولا يمكن تجاهلها كأنها أول رواية في تاريخ الإنسانية.
فهل يعني أن إعطاء الأسبقية في كتابة الرواية لأوروبا له أهدافا تتعدى الناحية الأدبية إلى أسباب لها تتعلق بالفوقية الأوروبية والأفضلية التاريخية المزعومة والتي نرى أنهم حتى في داخل أوروبا كما فعل كولن ولسون بتجاهل رواية دون كيخوته وسيليستينا والتركيز على رواية باميلا لريشاردسون فقط لأنها إنجليزية وهو إنجليزي إيضا. وما هو مدى الصدق الذي يتم وضعه في منهجية فن الرواية ونحن نرى هذا التلاعب الواضح وعدم الدقة في الطرح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق