قراءة في أوديسة هوميروس.
نساء الأوديسة
تلعب النساء في الأوديسة دورًا مهما لم تلعبنَه في الإلياذة، فالنساء في الأوديسة شاخصات في كل أناشيد الأوديسة تقريبًا- إلاهاتٍ وبشرًا ووحوشًا وأشباحَ نساء ميتات كـ: أثينا وسيرسي وكاليبسو، وبينيلوبي وهيلين وناوسيكا وأريتي ويوروكليا، والسيرينس والسكولا والخاروبديس، وتورو وأنتيوبي وألكميني وأخريات، إضافة إلى شخصيات نسائية عديدة من خادمات ووصيفات. ولحضورهن هذا دور في تسيير عجلة الأحداث وتعجيل رحلة العودة أو إعاقتها وعند الوصول إلى الذروة في نشيد المذبحة فإن السبب خلفه هو المرأة، وبعد أن يقتصَّ أوديسيوس منتقمًا من الخطَّاب فإنه لا يعفو عن الخادمات الخائنات والآثمات اللاتي ارتكبن الفاحشة مع الخطَّاب ودنسنَ بيتهن ليُقتلن مشنوقات كذلك.
يبدأ دور النساء في الأوديسة بدعاء الإلهة أثينا لأبيها زيوس وطلبها أن يُعفى عن أوديسيوس ويعود إلى أهله بعد قرابة عشرة سنوات من تيهانه في البحر، فيستجيب زيوس، كبير الآلهة، لدعائها ويُرسل من أجل تحريره إلى كاليبسو. تأخذ كاليبسو الدور التالي باحتجازها لأوديسيوس في جزيرتها مدة سبع سنوات كاملة وفي مطلع الثامنة يأتيها الأمر الذي لا تستطيع رفضه بالسماح لأوديسيوس بأن يرحل عن جزيرتها لتطيع الأمر بعد لأي ساخطة من أمر الآلهة الذين لا يتركونها تعيش بسعادة. وبعد أن يترك كاليبسو ويرحل على طوف في البحر يراه بوسيدون فيغضب ويسلط عليه غضب البحر والريح وبعد أن يتحطم طوف أوديسيوس ويبقى عائما في البحر تظهر له ربة البحر "ليوكوثيا" وتمنحه خمارا يبسطه تحت صدره وترشده إلى طريق النجاة، وتكمل نجاته أثينا التي أوقفت الريح، ثم يصل أوديسيوس إلى جزيرة الفياكيين ويلتقي بالأميرة ناوسيكا التي كانت تغسل الثياب مع وصيفاتها فتستجيب لمناشدته إياها وطلبه المساعدة وتطلب منه أن يغتسل ويلبس وتأخذه معها إلى والده الملك ألكينوس الذي يساعده بالعودة إلى موطنه إيثاكا.
أما فيما عاناه أوديسيوس في جزر البحر والمخاطر فيبرز دور الساحرة سيرسي وكيف أرشدته الذهاب إلى منزل الأموات "هاديس" والذهاب إلى لقاء العرَّاف تايريسياس الطيبي الذي يُنبئ أوديسيوس بالقادم من الأيام والأحداث التي سيواجهها.
تلعب أثينا دورًا مهما وبارزًا على كل النساء في الأوديسة ابتداءً من دعائها لتحرير أوديسيوس ثم ظهورها لابنه متجسِّدة بهيئة مينتور ونصحها إياه ومساعدته بالذهاب عبر سفينة إلى نسطور ومينيلاوس للتقصي عن أخبار أبيه ثم الظهور له في الحلم تحثّه على الاستعجالَ بالعودة إلى إيثاكا. وبعد أن يصل أوديسيوس إلى إيثاكا فتكون أثينا باستقباله وتحوله إلى متشرد عجوز حتى يصل إلى بيته. هناك في بيته فإنَّ أوديسيوس يواجه نساء بيته سواء من أسأن له أو أحسنَّ إليه ويكون لمربيته يوروكليا دورٌ في معرفة هُويته من خلال نَدبة ركبته. ويحظى أوديسيوس مجددًا بمساعدة أثينا في مذبحة انتقامه من الخطَّاب إذ جعلت رماحهم تطيش عنه نحو الأرض والجدران، ويكتمل دورها في نهاية الأوديسة بإيقاف المعركة التي كانت على وشك النشوب بين أوديسيوس ورفاقه وبين ذوي الخطَّاب الذين جاءوا للانتقام. وفي نهاية المطاف فإن بينيلوبي هي المرأة التي نالت قصتها أحد أجزاء مواضيع الأوديسة الثلاثة، سواء في مغازلة الخطَّاب لها، أو علاقتها مع ابنها تيليماكوس، أو في انتظارها لأوديسيوس مدة عشرين عاما، أو اختباراها أوديسيوس بعد أن عاد وانتقم من الخطَّاب. فلها دورها في الأوديسة الذي يجعل من نساء الأوديسة الكفة الأثقل والحضور الأكبر مقابلة مع رجال الأوديسة ودورهم في تسيير الأحداث وتغيير مسار عجلتها.
آلهة الأوديسة
على النقيض من الإلياذة فإن لآلهة الأوديسة حضور باهت ومقتصرٌ تقريبا على أثينا، وبوسيدون في أكثر من موضع، إلا إنَّ الدور الذي لعبته الآلهة في الإلياذة وتجسُّدها وتدخلها المباشر في سير الأحداث وإنقاذ الأبطال من مصيرهم أو تعجيله لا يتكرر في الأوديسة. ويدل هذا على التطور في تصوِّر الآلهة وعالمها في المِخيال الهوميري والإنساني في وقته ويزيد الأمر على ذلك إن آلهة الأوديسة تتعامل مع شخصيات محددة هم الجيل السابق للإلياذة، أما الأجيال اللاحقة فقد حُرمت من هذه المعاملة الخاصة التي تمحضها الآلهة للبشر سواء أفي صالحهم كانت أم في عكس ذلك. ولعل مِصداق هذا ما حدث في النشيد السادس عشر عندما التقى أوديسيوس بابنه تيليماكوس، فبعد أن يكشف أوديسيوس هويته لنفسه بمساعدة أثينا التي أعادت إليه هيئته الأصلية وتكون غير مرئية في عين تيليماكوس. يقول هوميروس (ترجمتي عن الإنجليزية):
"... مرئيةٌ لأوديسيوس
لكن تيليماكوس لم يستطع رؤيتها، أو يحس بوجودها هناك-
لا تُظهر الآلهة أنفسها لكلِّ امرئ حيّ.
رآها أوديسيوس، وكذلك الكلاب؛ ما من نباح الآن،
أنَّت الكلاب، وارتدت مبتعدة مرعوبة عبر الساحة". 16:180
يكشف هذا على كون أوديسيوس وجيله من الأبطال هم متفردون في علاقتهم مع الآلهة ومساعدتهم لهم أو غضبهم عليهم، وهم بذات الوقت يمثلون حدًا فاصلًا ما بين مرحلة كانت الآلهة في تماس مباشر تتأثر بتقصير البشر في حقوقها وأضاحيها معها فتغضب وترضى وتفرح وتحزن كما حدث مع مينيلاوس الذي أضاع طريق العودة لأنه لم يقدم القرابين قبل أن تغادر سفينته أرض مصر أو في نصيحة هيرمس لأوديسيوس بأن يأكل من العشبة التي تبطل سحر سيرسي فلا ينفع معه أو في مساعدة إله الريح أيولوس لأوديسيوس فجمع له الرياح في كيس كبير من أجل أن يعود إلى إيثاكا لكن جشع رفاقه يُفسد هذا، وبين مرحلة أخرى تتسامى فيها الآلهة عن البشر وتتجه نحو الأخذ بحالة الإلوهية بشكل تامٍ ومنفصلة عن البشر كليًا، فكثيرًا ما جدَّف تيليماكوس بحق الآلهة واتهامه إياها أنها السبب فيما يحصل في منزله مع الخطَّاب وتمرُّ هذه التجديفات دون أي اعتبار يُذكر عكس لو فعله أوديسيوس أو غيره ممن ترضى أو تغضب عليهم الآلهة بسبب أفعالهم.
ونرى أيضًا أن الآلهة في الأوديسة تخضع إلى زيوس كبيرها تمامًا فلا تُعارض أمره وتنفذ جميع ما يطلبه عكس ما كان يحدث في الإلياذة إذ قد تحدثها نفسها بمخالفته أو تتجاوز حدودها معه مثلما حدث مع هيرا، لكن في الأوديسة فتختفي جميع هذه الاستثناءات وتبقى الأمور كلها بيد زيوس صغيرها وكبيرها، كما حدث في دعاء أثينا لأبيها فهي لا تستطيع أن تفعل شيئًا دون زيوس الذي يطلب من هيرمس أن يذهب إلى كاليبسو وينقل لها قرار الآلهة بتحرير أوديسيوس. وكذلك في انتقام بوسيدون من أوديسيوس بموافقة زيوس بعد أن استجاب لدعاء ابنه بولوفيموس أو انتقامه من الفياكيين الذين ساعدوا أوديسيوس في العودة إلى إيثاكا إذ يمنحه زيوس صلاحية فعل ما يريد. وفي دعاء هيليوس، صاحب القطيع المقدَّس الذي ذبح منه رفقاء أوديسيوس، طالبًا من زيوس الانتقام له فضرب سفينة أوديسيوس بصواعقه فحطّمها وأهلكَ رفاقه. وهكذا فثمة مستوى جديد في الأوديسة في عالم الآلهة السماوي مختلف كثيرًا عن عالم الإلياذة السماوي، ويُصبح فيه زيوس أكثر تفرَّدًا في الحكم والمشيئة وتغيير الأحداث وتنفيذ الأقدر، ومستوى جديد في علاقة الآلهة المرتبطة بالبشر إذ بلغ نهاية مرحلة التواصل المباشر والتدخل الشخصي وشرع المستوى الجديد للآلهة بالانفصال التام عن عالم البشر وانتهاء حقبة كانوا فيها لا يفرقون كثيرًا عن البشر في عواطفهم وما فاقوهم إلا بالقدرات المميزة التي يتمتعون بها كونهم آلهة.
تتمة الأوديسة في الأدب العالمي*
تعد شخصية أوديسيوس الإغريقية (عوليس باللاتينية) واحدة من أهم الشخصيات الخيالية والمؤثرة في الأدب العالمي. فمغامرات بطل هوميروس صاحب أشهر رحلة عودة إلى بلاده في ملحمة الأوديسة وصاحب فكرة حصان طروادة الذي كان سببا لتدمير المدينة العصية على الغزاة كما في الإلياذة، لم تنتهِ بعودته إلى إيثاكا.
فكان الشاعر Stesichorus من أوائل من تأثروا بأوديسيوس وكتبوا مغامرات جديدة له في القرن السادس قبل الميلاد، وتأثر به الشاعر الروماني فرجيل في ملحمة الأنيادة، التي تعد أصلا للأدب الروماني كحال ملحمة الإلياذة في الأدب الأغريقي. ولم تكن الإنيادة تتمة لمغامرات لكنَّها كانت ذات سياق شبيه ومقابل للأوديسة عبر رحلة الطروادي آينياس الذي سيصبح الجد الأعلى للرومان. واستمر حضور أوديسيوس في الأدب العالمي، فيجعله دانتي (الذي اتخذ شخصية أوديسيوسية متنقلة في دوائر الجحيم شاهدة على العذابات في الجحيم ثم يصعد إلى المطهر مختتما رحلته في الفردوس) في كوميدياه الإلهية من أهل الجحيم عقابا له على حيلة طروادة. لكن دانتي يصف سعي عوليس الدؤوب للمعرفة ليبدو بصورة بطولية أكثر من كونها ملعونة. ويخبره أنَّه بعد تركه جزيرة إيا Eëa والإلهة سيرسي، تقوده رغبته لنيل الخبرات "المعرفة" إلى المجهول دون التوقف في إيثاكا، فيرى جبلا مظلما لكنَّ زوبعة ترسل إلى سفينته وتدمرها ويتبلعه البحر بعدها.
وأتمَّ نيكوس كازانتزايكس رحلات أديسوس في ملحمته الشعرية الأويسة- تتمة عصرية. وهي محلمة شعرية مكونة من 33333 بيتٍ شعري (كل بيت مكون من 17 مقطعا شعريا كما في شعر الهايكو الياباني، مقسمة على أربعة وعشرين جزءا كما في النسخة الأصلية للأوديسة) بدأ نيكوس بكتابتها بعد عودته من ألمانيا إلى كريت عام 1924 ونُشرت عام 1938 وكان قد كتب سبع مُسوَّدات مختلفة. ويعدها نيكوس أهم أعماله التي أبان فيها عم سعة إطلاع بالميثولوجيا. وفي هذه الملحمة يغادر أوديسيوس إيثاكا بعد عودته متجها نحو إسبارطة حيث التقى بالمُغُوية هيلين وأقنعها بالهرب معه. استقرت هيلين في كريت لكن أوديسيوس ذهب يستكشف مصر ووسط أفريقيا ووجد مدينة لأهلها دين جديد، وفي النهاية مات أوديسيوس في مياه قارة أنتاركتيكا بعد محاولته تدمير جبل جليدي.
لم تتوقف مغامرات أوديسيوس ولا إثمارات التأثر بشخصيته التي امتازات بالذكاء والثقة بالنفس والقدرة على التخفي والتعامل مع الأوضاع المختلفة، وانتقلت إلى القصص التراثية اليابانية، فظهرت لنا شخصية يوريواكا Yuriwaka، البطل الياباني الشجاع لقصة الانتقام الياباني، الذي اشتهر بقوسه الحديدي الهائل. وبعد انتصاره على القوات المغولية يخونه مرؤوسه بيبّو ويتركه في جزيرة، ويرحل ليغتصب مقاطعته. يرسل يوريواكا صقره (ميدوري-مارو) برسالة إلى زوجته، التي تتضرع بعدها في المعبد للتدخل العناية الإلهية ويعود يوريواكا إلى مقاطعته. ويخفي هويته الحقيقية حتى اللحظة التي يثبت فيها مقدرته على القوس الحديدي وينتقم لنفسه من الخائن. وحبكة القصة تشير بكل وضوح إلى أوديسيوس هوميروس على الرغم من أن بعض الباحثين نفى هذا، ويعود أقدم نص لحكاية يوريواكا إلى القرن السادس عشر.
واستعار الشاعر ديريك والكوت من شخصيات وأحداث ملحمتي هومر الإلياذة والأوديسة في كتابة ملحمته الشعرية قصيدة Omeros والتي يتجول فيها بطل باسم "آخيل" في المياه الكاريبية. واُختيرت هذه الملحمة الشعرية من قبل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز ضمن قائمة أفضل كتب العقد الأخير من القرن العشرين.
والعمل الأكثر شهرة الذي يعد من ثمار تأثيرات شخصية أوديسيوس هو رواية عوليس للروائي الأيرلندي جيمس جويس والتي نُشرت في عام 1922 في باريس بعد أن نشرت دوريا في مجلة Little review الأمريكية.
اُقتبِس عنوان الرواية من اسم أوديسيوس وماثلت شخصياتها أبطال الأوديسة (بينيلوبي"زوجة أوديسيوس" = موللي "زوجة بلوم"، وتيليماكوس "ابن أوديسيوس"= ستيفن "صديقه") وبالطبع (ليوبولد بلوم = أوديسيوس) الذي يقضي يومه في دبلن. تأخذ الرواية قارئها في رحلة داخل وعي أبطالها مستخدما جويس كل تقنيات تيار الوعي كالتداعي والذكريات والمونولوج الداخلي مع تدخلات سردية غير مباشرة، أضفت إلى الرواية مقاما خاصا في تاريخ تطور الرواية وأدب الحداثة.
________
-*The Fictional 100 by Lucy pollardGott
Writers their lives and works-
موجز الأوديسة
تحكي الأناشيد الأربعة الأولى التي تُعرف بـ"الأناشيد التيليماكية" عن بحث تيليماكوس ابن أوديسيوس عن أبيه وصدامه مع الخطّاب الذين يتقدمون لطلب يد أمه بينيلوبي ويقطنون في منزل أوديسيوس يستنزفون خيراته شاربين خمره وآكلين نعمه.
يذهب تيليماكوس بمشورة ومساعدة الإلهة أثينا على متن سفينة مع بحارته إلى جزيرة بولوس من أجل لقاء الملك نسطور وسؤاله عن أبيه الذي ينصحنه بعد لقائه بالذهاب إلى مينلاوس في لاكيدايمون، الذي يكرم وفادته وضيافته كحال نسطور ويقص عليه ما يعرف من خبر عودته إلى موطنه وخبر أبيه الذي حكاه له عجوز البحر -بعد أن احتجزت الآلهة مينيلاوس في جزيرة بعد أن نسي أن يقدم الأضاحي لها- بأنه حبيس في جزيرة كاليبسو رغمًا عنه ويرغب بالعودة إلى إيثاكا ويحدثه قلبه كل حين برغبة بالعودة إلى موطنه.
وبعد أن يعرف الخطّاب برحلة تيليماكوس يتآمرون على قتله وفي مقدمتهم أنتيموس ويكمنون له في وسط البحر على جزيرة أستيريس، جزيرة صغيرة ذات ميناء ترسو فيه السفن، وتقع هذه الجزيرة بين جزيرتي إيثاكا وساموس.
وتحكي الأناشيد أيضا عن مماطلة بينلوبي زوجة أوديسيوس موافقتها على طلب الخطّاب بكل الوسائل والحيل متأملةً عودة أوديسيوس منتظرة إياه عشرين عاما.
يحكي النشيد الخامس قرار الآلهة بتحرير أوديسيوس من جزيرة كاليبسو التي تهيم به حبا وتبقيه محتجزًا عندها سبع سنوات ليأتيها أمر الآلهة بإنهاء احتجازه، فتطلب منه في بداية السنة الثامنة صنع طوف ثم يُبحر بحثًا عن العودة إلى موطنه ويصل إلى جزيرة الفياكيين.
يلتقي أوديسيوس في النشيد السادس في جزيرة الفياكيين بالأميرة ناوسيكا ابنة ألكينوس فيتحدث إليها الكثير الحيل بحديث عذب حلو يستميلها إليه لتساعده فترضى وتقبل مساعدته وتطلب من أوديسيوس أن يغتسل ويلبس ثيابًا جديدة ويذهب معها ووصيفاتها إلى مدينة الفياكيين نحو قصر أبيها.
يطلب أوديسيوس في النشيد السابع بعد أن يجتمع بملك الفياكيين، ألكينوس، وزوجته أريتي، أن يساعده في العودة إلى بلده، فيكرم وفادته ويطعمه ويعده بالمساعدة بإرساله إلى موطنه رفقة رجاله الفياكيين الأقوياء، ويحكي لهم كيف احتجزته كاليبسو ثم اطلقت سراحه في بداية السنة الثامنة. وهو أول بروز لأوديسيوس القاص.
في النشيد الثامن يستمر ألكينوس في إكرام أوديسيوس ولمّا يعرف بعد حقيقته، ويقيم مباريات في رياضات مختلفة على شرف الضيف الذي كان يثقل الحزن قلبه. فيتحداه يوروالوس مستخفا به فيشترك أوديسيوس في رمي الجلة فيبهر الحضور برميته ويبزُّ الفياكيين بمهارته، ثم يكرمه ألكينوس والملوك ويطلب منه التعريف عن نفسه بعد أن طلب أوديسيوس من المنشد ديمودوكوس أن ينشد عليهم قصة الحصان الخشبي فذرف أوديسيوس الدموع السواجم مما أثار فضول الملك ألكينوس.
يقص أوديسيوس في النشيد التاسع على الملك ألكينوس وزوجته أريتي قصته بعد مغادرة مدينة إليوس (طروادة التي خرّبها الآخيون). فكانت أول جزيرة يصلها ورفاقه هي جزيرة السيكونيس حيث قاتلوا وغنموا وسلبوا وبعد هذا القتال أبحروا وبقوا في البحر تسعة أيام ثم وصلوا إلى جزيرة آكلي اللوتس، ومن يأكل هذه النبتة يفقد الرغبة بالعودة إلى بلاده، وبعد الهرب من هؤلاء يصلون إلى جزيرة السيكلوب ويدخلون إلى كهف العملاق ذي العين الواحدة، پولوفيموس، الذي يأكل بعضا أصحاب أوديسيوس فيدبّر له حيلة بعد أن يسقيه الخمر ويقول له إن اسمه "لا أحد" (Nobody) ثم يفقأ عينه بعود ضخم ثم يخرج مع رفاقه من الكهف مستترين تحت الخرفان. يعلن أوديسيوس عن اسمه بعدها پولوفيموس الذي يتضرع لأبيه بوسيدون أن ينتقم من أوديسيوس فإما ألا يجعله يعود إلى بلاده أبدا أو يعود بعد أن يشقى ويعاني المحن في موطنه.
يصل أوديسيوس ورفاقه في النشيد العاشر بعد أن هربوا من السيكلوب إلى جزيرة أيولي حيث يقيم آله الريح أيولوس، الذي يكرمهم ويمنح أوديسيوس كيسًا جمع له بداخله الرياح التي تعيق رحلته ليعودَ إلى وطنه بأمان وعلى مشارف شواطئ إيثاكا يغفو أوديسيوس ويظن رفاقه أن أيولوس منحه كنوزًا في هذا الكيس استأثر بها لنفسه، فيفتحون الكيس في غفلة النوم من أوديسيوس فتخرج الرياح من الكيس وتتيه السفينة في البحر مجددًا وبعد أن يستيقظ أوديسيوس ويرى فعلة أصحابه يحدث نفسه في حالة يأس بالانتحار بأن يرمي نفسه من أحد جانبي السفينة السوداء ويهلك في البحر. يعود بعدها أوديسيوس ورفاقه إلى جزيرة أيولي لكن إله الريح يرفض استقبالهم هذه المرة.
يصلون بعدها إلى جزيرة اللايستروجونيين الآكلين للحم البشر حيث يسكن في بيت مرتفع الملك أنتيفاتيس زوجته البدينة الذي يمسكون بأحد رجاله. يهرب أوديسيوس مجددًا ويصل إلى جزيرة الربة الساحرة سيرسي التي سحرت رفاقه وحولتهم إلى خنازير لتحتفظ بهم إلى الأبد وأثناء ذهاب أوديسيوس إلى منزلها وسط الغابة بعد أن يعرف بأمر رفاقه يأتيه هيرمس، رسول الآلهة، ويعطيه عشبة إذا أكلها تبطل سحر سيرسي وهذا ما حدث، لتكرمهم بعدها سيرسي وتعيد إلى أوديسيوس رفاقه وتضطجع معه في فراشه إذ أوصاه هيرمس بعدم رفض طلبها هذا لكي تطلق سراحهم. تنصح سيرسي بعدها أوديسيوس بالرحيل إلى منزل الأموات، حيث هاديس وزوجته بيرسيفوني، ليستشير روح العراف الضرير تايريسياس الطيبي.
يصل أوديسيوس ورفاقه في النشيد الحادي عشر إلى أوقيانوس ثم ينزل بعدها إلى عالم الأموات ويلتقي أولًا برفيقه إلپينور الذي يموت عند سيرسي بعد أن يسقط على رأسه ولم يدفنه أوديسيوس فيطلب منه إلپينور أن يدفنه ليرتاح (وهذا سبب عودة أوديسيوس إلى سيرسي). ثم يلتقي أوديسيوس بروح أمه، ثم العرَّاف تايريسياس ذو الصلوجان الذهبي الذي يرشده إلى طريق العودة ويُنبئه بمصيره كليًا وما يحدث في موطنه في طلب الخطّاب يد زوجته ثم يتنبأ له بما سيفعله أوديسيوس بعد أن يقتل الخطّاب في ساحة بيته ويرشده لطريقة فك لعنة بوسيدون عليه. ثم يلتقي بعدها بأرواح نسوة هنَّ: تورو، أنتيوبي، ألكميني، ميجارا، إيبكاستي، خلوريس، ليدي، إفيميديا، فايدرا، بروكريس، أريادني، مايرا، كلوميني، إريفولي، ثم يرى أخريات يتعذر عليه ذكرهن جميعًا. ثم يلتقي بروح أجاممنون الذي يذكر له خيانة زوجته له كليتمنسترا رفقة إيجيسثوس وقتلهم إياه. ثم يلتقي آخيل، ثم يرى آخرين ومشاهد من الجحيم، ثم يرى سيسوفوس، وهرقل، ثم يبارح أوديسيوس عالم الأموات.
يعود أوديسيوس ورفاقه في النشيد الثاني عشر إلى جزيرة سيرسي ويدفن رفيقه إلپينور. وقبل أن يغادر أوديسيوس سيرسي تكرمه وترشده كي يتجنب شرور رحلته المتمثلة أولا بـ إلهات السيرينيس ذوات الغناء العذب الساحر الجاذب للرجال ليقتلنهم إذ تطلب منه أن يضع الشمع في آذان رجاله وأذنيه أما إذا أراد الاستماع لغنائهن فليربطه رجال إلى صاري السفينة ويشدو وثاقه إذا أمرهم بفكه عند سماع أغاني السيرينيس. ثم ترشده لتجنب وحش سكولا التي تقطن في كهف فوق جزيرة في طريقه وكذلك على الجانب الآخر المقابل لسكولا تُوجد وحش خاروبديس المقدسة الغاطسة تحت ماء البحر، ثم تحذره من الأخذ من ماشية جزيرة الأغنام التي يملكها هيليوس هوبيريون.
ينجو أوديسيوس من شرور السيرينيس والسكولا والخاروبديس لكن رفاقه لا ينفذون أوامره ويذبحون من بقر هيليوس الذي يطلب من زيوس الانتقام له فيدمر سفينة أوديسيوس ويُهلك رفاقه ويعود بعدها أوديسيوس وحيدًا من طريق البحر الذي جاء منه ناجيًا من شرور سكولا وخاروبديس ويصل بعدها إلى كاليبسو.
يصل أوديسيوس في النشيد الثالث عشر إلى إيثاكا بعد أن يوصله إليها طاقم الفياكيين. يتوهم أوديسيوس في البداية بأن الفياكيين نكثوا وعدهم وتركوه في جزيرة ما لكن أثينا تظهر له وتُعلمه الحقيقة ثم تدبّر معه خطّة يعود عبرها إلى منزله وينتقم من الخطّاب الذين يستنزفون خيراته ويعرضون الزواج على زوجته ويتآمرون على قتل ابنه. وتحول أثينا أوديسيوس إلى شيخ جوّال وترسله إلى راعي خنازير أوديسيوس- يومايوس.
في النشيد الرابع عشر يكرم يومايوس، الراعي المخلص والأمين لأوديسيوس، الشيخَ الجوّال ويطعمه اللحم ويسقيه الخمر ويبثُ له لواعج قلبه وحنينه إلى سيده التائه أو الميّت أوديسيوس وما يحصل لخيراته وممتلكاته من استنزاف واستهلاك من قبل الخطّاب الوقحين، ويقص عليه أوديسيوس قصة مختلقة عما مرَّ به وينبؤه أنه سمع من ملك أكرم وفادته في مصر أنَّ أوديسيوس عائد لكن يومايوس لا يُصدق به.
ويعود تيليماكوس في النشيد الخامس عشر إلى إيثاكا بعد أن جاءته أثينا في المنام تحثه على الإسراع في العودة إلى إيثاكا تاركا مينيلاوس وزوجته بعد أن حمّلوه بالهدايا الثمينة من ذهب وأوانٍ ورداء من نسج يدي هيلين الجميلة، ويتجه بعد وصوله مباشرة إلى رعاته.
يكشف أوديسيوس نفسه في النشيد السادس عشر عن هويته لابنه تيليماكوس ويخططان معا لطريقة للانتقام من الخطّاب.
يصل أوديسيوس رفقة يومايوس في الكتاب السابع عشر إلى منزله ويلتقي بالخطّاب والشحَّاذ المشرَّد آيروس، ويكرمه تيليماكوس ويطلب منه أن يتسول من الخطّاب ليكرموه لكن آنتيموس، أسوأ الخطّاب وأكثرهم شرًا، يسيء إليه.
يتعارك في النشيد الثامن عشر أوديسيوس مع إيروس ويهزمه وينال تكريم الخطّاب وتسمع بينيلوبي به وتطلب من يومايوس أن يأتي به بعد أن سمعت أنه يعرف أخبارا عن زوجها لكن أوديسيوس، الذي ما يزال شيخا متسولا متنكرا بفضل أثينا، يطلب من يومايوس أن يخبرها أن قدومه الآن أمام أعين الخطّاب فيه ضرر وأذية وأنه سيلتقي بها بعد أن يحل الغسق وينتشر الظلام. وفي هذه النشيد تُنهي بينلوبي حالة المماطلة في موضوع الزواج وتنزل وإلى الخطّاب وتُخبرهم أن أوديسيوس طلب منها إذا تأخرت عودته ونبتت اللحية في وجه تيليماكوس ابنه فإن لها أن تتزوج من أي رجل يُعجبها.
يجتمع أوديسيوس في النشيد التاسع عشر مع بينيلوبي وتطلب منه أن يحكي لها قصته فيروي لها أكاذيب ويحكي لها عن أنباء عودة زوجته مما يثير أشجان بينيلوبي وتذرف الدمع حزنا ثم تطلب من خادمتها المسنِّة (مرضعة ومربية أوديسيوس) يوروكليا التي تكتشف عند غسلها لقدمه الندبة في ركبته التي تعرض لها من ضربة ناب خنزير عندما كان شابا، وتحاول أن تشير إلى سيدتها بينيلوبي بأن زوجها هنا لكن أوديسيوس يهددها بالقتل إذا كشفت هويته ولم تفهم بينيلوبي الإشارة كذلك وتلفتْ أثينا اهتمامها إلى شيء آخر، ثم تقول بينيلوبي لأوديسيوس بأنها ستقوم غدا بوضع مسابقة الفؤوس الاثني عشر المثبتة على الأرض ومن يدخل السهم من حلقاتها جميعا تتزوجه ويطلب منها أوديسيوس ألا تُرجئ المسابقة حتى يستطيع الخطّاب شدَّ القوس.
أما النشيد العشرون فهو يحكي عن اجتماع عدة بشائر بعودة أوديسيوس.
يجتمع الخطّاب في النشيد الحادي والعشرين في محاولة شد وتر قوس أوديسيوس وتسديد رمية عبر الفؤوس المثبتة في الأرض لكنهم يفشلون ثم يطلب أوديسيوس المتنكر المشاركة فيرفضون لكن تيليماكوس وبينيلوبي يمكنانه من هذا.
وتقع في النشيد الثاني والعشرين المذبحة داخل ساحة منزل أوديسيوس وينتقم منهم أوديسيوس مع ابنه تيليماكوس وراعي الخنازير يومايوس وراعي البقر فيلويتيوس، ولا ينجو من المذبحة سوى النذير ميدون والمُنشد فيموس بشفاعة من تيليماكوس.
أما النشيد الثالث والعشرون فهو عن لمِّ شمل أوديسيوس وزوجته بينيلوبي التي لا تصدق عودته حتى تختبره فيقص عليها كيف صنع السرير وشجرة الزيتون في غرفتهما وبعدها يذهبان إلى غرفتهما ويقص عليها أوديسيوس ما وقع له من أحداث خلال رحلة العودة ونبوءة طيف تايريسياس الضرير الطيبي في منزل الأموات بشأن رحلته إلى أراض بعيدة ولقائه بأناس لا يعرفون شيئا عن البحر ثم عودته ليموت بسلام وسط أهله ورعيته ومملكته.
يتوزع النشيد الرابع والعشرون على جزأين: الأول هو مشاهد من منزل الأموات حيث كان أجاممنون يقص على آخيلوس ما حدث بعد مقتله في طروادة ثم تصل أشباح الخطاب ولقاء أجاممنون بـ أمفيميدون. والجزء الآخر لقاء أوديسيوس بأبيه لايرتيس ثم استعداد ذوي الخطّاب للانتقام لكن أثينا تتدخل بشكل مينتور ويحل السلام.
جدول لأحداث أناشيد الأوديسة وتسلسل وقوعها الصحيح
الحدث الرئيس |
النشيد |
تسلسل الأحداث كما وقعت |
تيليماكوس والخطاب |
1 |
بعد مغادرة إليوس يصل أوديسيوس ورفاقه إلى ١- جزيرة السيكونيس ٢- آكلو اللوتس ٣- السيكلوب (النشيد التاسع) |
تيليماكوس والخطاب |
2 |
٤- جزيرة إله الريح أيولوس. ٥- أرض اللايستروجونيين. ٦- سيرسي. (النشيد العاشر) |
تيليماكوس ونسطور |
3 |
٧- هاديس (النشيد الحادي عشر) |
تيليماكوس ومينيلاوس |
4 |
٨- العودة إلى سيرسي. ٩- السيرينيس. ١٠- سكولا وخاربوديس ١١- جزيرة قطعان هيليوس. ١٢- كاليبسو (ذكر الوصول فقط) (النشيد الثاني عشر) |
تحرير أوديسيوس من جزيرة كاليبسو ثم وصوله إلى جزيرة الفياكيين |
5 |
١٢- جزيرة كاليبسو (النشيد الخامس) |
التقاء أوديسيوس بالأميرة ناوسيكا |
6 |
١٣- أوديسيوس يصل جزيرة الفياكيين ويلتقي ناوسيكا. (النشيد السادس) |
التقاء أوديسيوس بملك الفياكيين |
7 |
١٤- أوديسيوس يلتقي بالملك ألكينوس. (النشيد السابع) |
ألعاب رياضية احتفالا بالضيف (أوديسيوس) |
8 |
١٥- ألكينوس يُكرم أوديسيوس ويُجري ألعاب رياضية على شرفه. (النشيد الثامن) |
أوديسيوس يقص عليهم حوادث:
|
9 |
تيليماكوس والخطّاب ثم لقاء نستور ومينيلاوس. (الأناشيد الأربعة الأولى ووقت وقوعها قريب من وقت اتخاذ الآلهة قرار تحرير أوديسيوس من قبضة كالبسو) |
أوديسيوس يكمل قصته:
|
10 |
١٦- الوصول إلى إيثاكا بمساعدة الفياكيين. (النشيد الثالث عشر) |
عالم الأموات، هاديس. |
11 |
١٧- أوديسيوس ورواعي الخنازير يومايوس. (النشيد الرابع عشر) |
- العودة إلى سيرسي.
|
12 |
١٨- تيليماكوس يعود إلى إيثاكا (النشيد الخامس عشر) |
- أوديسيوس يصل إلى إيثاكا |
13 |
١٩- أوديسيوس وابنه (النشيد السادس عشر) |
- يومايوس يكرم وفادة أوديسيوس المتنكر. |
14 |
٢٠- أوديسيوس يصل بيته (النشيد السابع عشر) |
- تيليماكوس يعود إلى إيثاكا بعد رحلته للقاء نستور ومينيلاوس. |
15 |
٢١- أوديسيوس يتشاجر مع إيروس (النشيد الثامن عشر) |
تيليماكوس يلتقي بأوديسيوس الذي يكشف هويته لابنه ويطلب منه عدم كشفها حتى ينتقم من الخطّاب. |
16 |
٢٢- أوديسيوس المتنكر يلتقي بينيلوبي، ويوروكليا تعرف هويته من ندبة ركبته. (النشيد التاسع عشر) |
- أوديسيوس يصل إلى منزله متنكرا. |
17 |
٢٣- اجتماع البشائر بعودة أوديسيوس. (النشيد العشرون) |
|
18 |
٢٤- المسابقة وسحب أوديسيوس لوتر قوسه. (النشيد الحادي والعشرون) |
|
19 |
٢٥- أوديسيوس ينتقم من الخطاب. (النشيد الثاني والعشرون) |
اجتماع البشائر بعودة أوديسيوس. |
20 |
٢٦- أوديسيوس يجتمع بزوجته أخيرا. (النشيد الثالث والعشرون) |
المسابقة وسحب أوديسيوس لوتر قوسه. |
21 |
٢٧- أوديسيوس يلتقي أباه، والسلام يحل على إيثاكا (النشيد الرابع والعشرون) |
المذبحة تحل بالخطّاب. |
22 |
|
أوديسيوس وبينيلوبي معا أخيرا. |
23 |
|
لقاء أوديسيوس بأبيه لايرتيس ثم السلام على أرض إيثاكا. |
24 |
|