الجمعة، 11 ديسمبر 2020

ألف ليلة وليلة - الجزء الأول.

 ألف ليلة وليلة 


تعود أول إشارة موثقة حول كتاب ألف ليلة وليلة كما يشير الباحثون من بينهم د. عبد الله إبراهيم، صاحب موسوعة السرد العربي، في كتابه النثر العربي القديم إلى نص المسعودي في النصف الأول من القرن الرابع الهجري في حديثه عن كتاب ألف ليلة وليلة: "إنَّ هذه الأخبار موضوعة من خرافات مصنوعة، نظمها من تقرب إلى الملوك بروايتها، وصال على أهل عصره بحفظها والمذاكرة بها، وإن سبيل تأليفها مما ذكرنا مثل كتاب هزار أفسانه، وتفسير ذلك من الفارسية إلى العربية ألف خرافة، والخرافة بالفارسية يقال لها أفسانة. والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة وليلة. وهو خبر الملك والوزير وابنته وجاريتها وهما شهرزاد ودينازاد، ومثل كتاب فرزة وسيماس وما فيه من أخبار ملوك الهند والوزراء، ومثل كتاب السندباد، وغيرها من الكتب في هذا المعنى". ويذهب د. عبد الله إبراهيم في تحليله لنص المسعودي إن تأليف كتاب ألف ليلة وليلة قد تم على غرار الكتب المنقولة، وعلى نحو أدق فإن سبيل تأليفها هو سبيل تأليف كتاب هزار أفسانة وأن ما يورده المسعودي في نصه يوحي إلى وجود أكثر من كتاب أحدهما مؤلف عربيا والآخر فارسي. وينتهي الدكتور إلى "إنَّ نص المسعودي يرجح أنه كان يضاهي كتابًا في الخرافات، هادفًا إلى التعريف به بكتبٍ نقلت إلى العربية وأصبحت معروفة في القرنين الثالث والرابع". 

وثمة إشارات أخرى قديمة عن كتاب ألف ليلة وليلة كذلك لدى ابن النديم في "الفهرست"، وأبي حيان التوحيدي في "الإمتاع والمؤانسة"، والمقرِّي. 

تدل هذه الإشارات إلى قِدم كتاب ألف ليلة وليلة وأنَّ للمؤلف وإن كان عربيًا "بمحتواه القصصي" فإنَّ ثمة أصولًا له أقلها في الإطار العام "قصة شهرزاد وشهريار" وعدد الليالي أو الخرافات، وكذلك التأثيرات التي نُسجت منها القصص وهذا ما يدعمه متن بعض القصص إذ التأثر بالمبالغة الهندية في الأعداد والإغراق في الشجاعة لدى الأبطال. 

تبقى أولى نسخ ألف ليلة وليلة محط اختلاف وشك ولم يُتفق عليها بتاتًا ويذكر د. عبد الله "إنَّ الكتاب قد نجح في اجتذاب الخرافات والحكايات الشعبية المتداولة في القرون الأولى، فضلا عن كتب الأخبار العربية، وربما تقدم خرافات الحيوان التي وردت متعاقبة في الكتاب، والأخبار العربية التي وردت هي الأخرى معا في مكان آخر، وحكايات الوعظ، والخرافات ذات الجذور الإسرائيلية التي يضمها مكان آخرـ دليلًا على اندغام خرافات ذلك العصر. يضاف إلى ذلك دخول حكاية خرافية هندية معروفة هي "سندباد الحكيم" اتَّخذت عنوانا جديدا "حكاية الملك وولده والجارية والوزراء السبعة"، والحقت به سيرة شعبية من غير نوع الخرافات هي "حكاية عمر النعمان وولديه شركان وضوء المكان" وشغلت جزءا منه، وبعض قصص البحار التي لا نعرفها إلا النسخ المتأخرة من حكايات السندباد". 


ينتهي د. عبد الله بعد هذا إلى رأيه بتضخم الكتاب وهذا التضخم نتيجة لعمل الرواة والنسَّاخ. ثم تنتفح التساؤلات على مصراعيها حول أصول هذا الكتاب ومصادره ومؤلفه وتاريخي تأليفه وجمعه، وفي هذا المسرد الذي وضعه د. عبد الله إبراهيم يجمع أشهر الآراء وأصحابها. 



يكشف لنا متن قصص ألف ليلة وليلة عن هذا التضخم الذي تبدو بعض القصص فيه مُقحمة إقحامًا وأول هذه القصص كما ذكرها د. عبد الله هي قصة عمر النعمان وولداه شركان وضوء المكان. تأتي هذه القصة في التسلسل التاسع من قصص الكتاب الثماني والثمانين، وامتازت بأنها أطول قصص الكتاب وشغلت أكبر عدد من الليالي من ليلة 44 إلى ليلة 145. الجو العام للقصة هو جو الصراع بين المسلمين والنصارى الذي يستمر لأجيال ثلاثة، وتضم القصة في داخلها قصص رئيسة وثانوية تشكل متن القصة الكامل، كما طغى على لغة القصة أسلوب السجع وأنها ذات موضوع مشابه لمواضيع السير الشعبية حيث الأبطال يقاتلون لأجل إعلاء كلمة الحق والدين ويهزمون أعداءهم، ويتمتعون بالتأييد والنصر مهما اشتدَّت عليهم الظروف والصعاب. إنَّ موضوع القصة وأسلوبها اللغوي يفتح مجالًا للقول إنها تنتمي إلى عصر لاحق لا ينتمي إلى عصر النسخة الأولى من الكتاب كون مواضيع السير الشعبية متأخرة تقريبًا إلى ما بعد مرحلة الحروب الصليبية التي بدأت في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، وكذلك أنها لا تنتمي إلى النسخة الأصل التي أُخذت منها النسخة العربية لو كان هناك أصلٌ غير عربي لهذه القصص. فقصة عمر النعمان في الحالتين هي قصة عربية قد أُضيفت إلى الكتاب وضخَّمته كما يذهب د. عبد الله إبراهيم وكما يدعمه تحليل القصة نفسها كذلك. كما أنَّ ثمة نقطة مهمة في هذه القصة ورويها من قبل شهرزاد أنَّ شهرزاد كانت في معظم قصص الكتاب تتوقف عن إكمال القص عند طلوع النهار وغالبا ما كانت تتوقف قبل أن تنتهي القصة تاركةً شهريار في حالة تشوُّق وترقُّب لمعرفة تتمة القصة وبهذا يُتاح لها أن تضيف لعمرها ليلة جديدة. لكن في قصة عمر النعمان فإن القصة تنتهي بنهاية الليلة 145 وتبدأ في الليلة 146 بقصة جديدة، هذا التغيير في الأسلوب الذي اتبعته شهرزاد والذي يكسر السلسلة القصصية المتداخلة في الليالي، يُشير كذلك إلى دخول هذه القصة إلى الكتاب. 

يتكرر هذا النمط من القصص ذات السيرة الشعبية في قصة عجيب وغريب، والتي امتدت من الليلة 624 إلى الليلة 680، فهي تحكي عن قصة الأخوين عجيب وغريب، وكيف أنَّ الاخير بعد أن حاول أخوه قتله وأمه الجارية تدور به الأيام بعد نجاتهما ويصبح فارسا هماما وشجاعا مغوارا ليشرع بعدها في سلسلة من الحروب المتوالية يهزم بها كل ممالك أهل الأرض التي واجهها ويعتنقوا دين إبراهيم الخليل لتخلو الأرض والممالك من الكفر وعبَّاد الأصنام. ولا يكتفي بمغامراته في عالم الإنس بل ينتقل إلى عالم الجن ويدخل معارك يقود فيها الجن المسلمين ضد الجن الكافرين ليدخل الجن والإنسان بلا استثناء في دين الإسلام (دين إبراهيم الخليل). كما وأن السجع يعود إلى الظهور في لغة القصة وتكرار العبارات والجمل والألفاظ التي يبدو عليها أن قوالب جاهزة للاستخدام، إضافة إلى هذه القصة وقصة عمر النعمان يتميَّز فيها الأبطال بسمات خارقة في الشجاعة (ذات طابع هندي كما في المهابهارتا والرامايانا) إذ البطل يهزم العشرات والمئات فلا يهزمه أحد ولا جيش ووقتما حضر ومع أي كان فإن النصر حليفه.     

لذا فإن من الراجح أن قصة عمر النعمان وعجيب وغريب من القصص المضافة إلى الكتاب لما امتازا به من سمات موضوعية وأسلوبية ولغوية تختلف عن كثير من قصص الكتاب، وهما يشكلان النوع الأول من قصص ألف ليلة وليلة. 


أما النوع الثاني من القصص التي يبدو أنها مضافة أيضا كما أشار د. عبد الله إبراهيم، وهي القصص ذات الطابع العربي ومأخوذة من المرويات العربية والأخبار وهي بالأحرى حكايات وليس قصصا فهي:

- قصيرة وذات موضوع محدد -وعظي في الغالب-. 

- وحبكة يسيرة غير معقدة. 

- وذات غاية واضحة وهدف معيَّن.

- يطغو على نهايات بعضها صوت المؤلف لا شهرزاد كأن يترحم عليهم: فانظر مكارم أخلاق جعفر والثناء عليه حيا وميتا رحمة الله تعالى عليه. 

 وهي تظهر في ثلاث سلاسل حكايات متتابعة في ثلاثة مواضع من الكتاب: السلسلة الأولى تبدأ مع حكاية حاتم الطائم في ليلة 269 إلى ليلة 285 وحكاية الحشاش والسيدة النبيلة، ثم تأتي قصة نوعا ما طويلة تستمر تسع ليالٍ "الخليفة المزوَّر"، لتعود بعدها الحكايات العربية في ليلة 294 وتنتهي السلسلة الأولى في ليلة 308 مع حكاية المأمون والفقيه الغريب. أما السلسلة الثانية فتبدأ في الليلة 340 مع حكاية الرجل والصحن من ذهب إلى الليلة 353 وحكاية المتوكل ومحبوبة. وتبدأ سلسلة الحكايات العربية الأخيرة في الليلة 680 مع حكاية عتبة وريا وتنتهي مع حكاية الملك الناصر ووزيره في الليلة 698. 

يبلغ عدد هذه الحكايات العربية قرابة أربعين "حكاية" من مجموعة قصص الليالي الثماني والثمانين. 


أما النوع الثالث الذي أرجُّح أن يكون مضافا إلى القصص هو القصص ذات الحبكات المكررة، والتكرار إما يكون بنسخ الحبكة لقصة سابقة دون تغيير أو جزءًا منها أو تغيير طفيف مع بقاء بنية القصة ذاتها التي أُخذت عنها أو أن يكون الجو العام للقصة مكرر مع اختلاف الأحداث لكنها تنبع وتصب في مجرى مكرر سبق له الظهور. ولا أقصد بالتكرار تكرار الموضوع أو مراحل بناء القصة فإن الكثير من قصص الحب والفراق كانت ذات تشابه في أركان القصة المتتابعة: تعرُّف - إعجاب وحب - لقاء - فراق - لم شمل وحياة سعيدة. 

 

كما في قصة علي شار وزمرد، الليالي (308-327)، والحبكة مكررة لفراق بدور وقمر الزمان بعد زواجهما قصتهما (رقم 12).


 قصة أردشير وحياة النفوس:، الليالي (719-738) تكرار لقصة تاج الملوك والأميرة دنيا، التي كانت جزءا من قصة عمر النعمان. والفرق هو تمطيط القصة هنا عن سابقتها وإعادة صياغة بعض فقراتها لكنها عموما ذات القصة دون جديد يذكر حتى في أبيات الشعر.


قصة حسن الصايغ، الليالي (778-831)، تكرار لحكاية جانشاه وشمسة لكنها موسعة ومزيدة. 


علي نور الدين ومريم، الليالي (863-894)، في القصة حبكات كثيرة مكررة من القصص السابقة والفرق أنها مطولة ومزيدة، ومن الحكبات المأخوذ منها ما حدث لعلاء الدين أبو شامات وأسره من قبل النصارى.


يتكرر الجزء الأخير من قصة خليفة الصيَّاد، الليالي 831 - 845، مع حكاية العبد الثالث "بخيت" في قصة التاجر أيوب (قصة رقم 8)" مع تتمة إضافية.


قصص أخرى ذات حبكات مكررة لكن على نحو أقل مما سبق وهي "الفتى البغدادي والجارية 896-899" و"إبراهيم وجميلة 952-959" و"عبد الله بن فاضل وأخواه 978-989"، و"الإسكافي معروف 989-1001". 

قد تكون هذه القصص هي الأصل والقصص السابقة لها هي النسخ والمضافة، لكن اعتمدت الأصالة لمن سبق له الظهور في الليالي وعليه فإن إحدى النسختين "الأصل أو التكرار" هي الأصل والأخرى مضافة. لكن ما يهمنا أنَّ هذا التكرار في الحبكات والأحداث لا يمكن أن يكون من عمل المؤلف الأصلي وإنما من عمل آخرين سواء كانوا نسَّاخًا أو رواةً أو أيَّ من وصل إليهم النص وأحبَّوا أن يضيفوا له لمستهم الخاصة. 


أما النوع الرابع من القصص فهو أيضا ذو طابع شعبي فيتمثل في قصة دليلة المحتالة، الليالي (698-719). يتكون متن هذه القصة من قصتين، الأولى تخص دليلة المحتالة وابنتها زينب النصابة التي تدور أحداثها في بغداد في زمن خلافة هارون الرشيد، وتشكل قصة احتيال دليلة على عديد الشخصيات في هذه القصة انتهاءً بوصولها إلى مرداها في نهاية القصة- الحلقة الأولى من القصة. أما الحلقة الثانية من القصة فهي قصة "علي الزيبق المصري" وهي قصة منفصلة والحلقة الثانية للقصة الأولى. 

الطابع العام لأحداث وموضوعها وشخصيات القصة وحبكتها ولغتها وأماكن أحداثها وأسماء الشخصيات فهو كله شعبي ولا شيء يوحي أنَّه من القصص الأصلية التي روتها شهرزاد لشهريار بُغية النجاة من الموت. 

أما النوع الأخير من القصص الذي أرى أنه هو القصص الأصلية التي روتها شهرزاد لشهريار فله سمات مميزة شكلت منهاج شهرزاد في القصص وأسلوب قصها أناقشه في:


كيف نجت 


إنَّ نجاة شهرزاد من الموت المحتَّم الذي ذاقته جميع عذارى مملكة شهريار بعد أن يتزوجهن في صباح اليوم التالي بدا لا فرار منه بشتَّى الوسائل لكنَّ شهرزاد كان لديها رأي مختلف جعلت من القصص التي تقصها على الملك شهريار المتعطش للقتل والانتقام الذي لا يروى- يُؤجل قتلها ليلة بعد أخرى. وبغض النظر عن العدد الحقيقي للليالي التي بقيت فيها شهرزاد تقص قصصها فيها (وبغض النظر عن عدد القصص الأصلية كذلك) لكنها اتبعت منهجية خاصة في موضوع قصصها وفي أسلوب قصها أسست عبرهما طريق النجاة والخلاص وصرف شهريار عن فكرة قتلها. 

أما مواضيع القصص التي هي برأيي القصص التي روتها شهزراد فثلاثة مواضيع: 


- قصص تحكي عن نجاة الشخصيات أو تأجيل موتها عن طريق قص القصص. 


عبر هذا الموضوع القصصي تبدأ شهرزاد بنسج درع خفي لها يؤجل موتها في صباح اليوم التالي إلى يوم آخر بأسلوب غير مباشر تتولى فيه شخصياتها الدفاع فيها عن نفسها والدفاع عن شهرزاد الراوية، لذا فإن شخصيات هذه القصص لا تدافع عن نفسها بل وعن خالقتهم أيضًا. لا تريد شهرزاد أن تكون في موضع دفاعٍ عن نفسها مباشرة بل في أن تكون نجاتها في مستوى آخر يخاطب لا وعي المستمع الذي هو شهريار هنا. فشخصيات قصصها في الوقت الذي تخاطب فيه العفريت أو الأمير أو الملك أو أيَّ شخص مسؤول عن موتها فهي تخاطب أيضًا شهريار أيضًا، فتكون مهتمتها مزدوجة ونتائجها مزودجة كل هذا وشهرزاد تبدو أنها مجرد راوية لهذه القصص ليس لها علاقة بكل النتائج المترتبة عليها. وبعد أن تنهي شهرزاد المرحلة الأولى من صرف نظر شهريار عن فكرة قتلها فهي لزاما عليها أن تنتقل إلى مرحلة جديدة تؤمن فيها الشوط الأول الذي قطعته وتمثلت المرحلة الثانية في


- قصص ذات مواضيع شائقة وغرابيات وعجائب. 


إنَّ القصص ذات مواضيع لم تطرق من قبل إلى مسامع شهريار تجعله في توق دائم للاستزادة منها ومعرفة المزيد والمزيد، لقد راهنت شهرزاد على رغبة المعرفة لدى شهريار، رغبة معرفة المجهول الذي لا يمكن له أن يعرفه من سواها، لقد جعلت من الأخبار ذات الطابع الخيالي وما وراء الطبيعي وذات الجموح الفكري الطُعم الذي مدته فتناوله شهريار بكامل إرادته دون أن يشبع من قصة حتى يكون في انتظار الأخرى وهكذا أصبح الآسر أسيرًا والمأسورة آسرة عبر القصص. ونرى نتائج هذين المرحلتين في القصص في إبداء شهريار في نفسه ندمه على ما ارتكب من القتل في كما في الليلة 148، وفي طلبه مواضيع محددة في ليلتين 151 و 152. لا يمكن التأكد من أنَّ هجره لموضوع قتلها وإبداءه الندم على ما فعل، وفي طلبه منها قصصا في مواضيع محددة- أنها من أصل القصة الأصلية وليست مضافة من فعل الرواة والنسَّاخ لكنها في الحالين تكشف لنا عن تطوُّر في علاقة شهرزاد الراوية وشهريار المروي له، وكيف أنَّ لهذه القصص ومواضيعها الدور في كسر شهوة الدم لدى شهريار وميله إلى شهرزاد فقد أحبَّها قاصة وأنيسة له، وأحبَّ قصصها وانطرب لها، وأُعجب بعقلها ومقدرتها على القصِّ ليطلب مواضيع محددة عرف أنَّه لن يجدها لدى غيرها. 


إنَّ هذين الشوطين اللذين قطعتهما شهرزاد لن يأتيا ثمارهما المرجوة دون الضلع الثالث والشوط الأخير الذي لا بد أن تُعلن فيه لا نجاتها فقط من الموت ولا حتى صرف شهريار نظره عن قتلها وقتل عذارى مملكته وأنَّه أخطأ في الانتقام من أشخاصٍ لا جريرة لهم، بل وفي النقطة الأهم من كل هذا -التي من دونها لن تشعر شهرزاد بالرضا- المتمثلة في جعل شهريار يقع في غرامها ويعشقها.   


- قصص ذات مواضيع حب وغرام وأخبار العشَّاق وما أصابهم من من لوعة الحب والفراق ونشوة اللقاء.


لم تكتفِ شهرزاد بما وصلت إليه من ثمار لياليها القصصية من شهريار في النجاة وإنقاذ عذارى المملكة بل لا بد من علاج شهريار من هذه الآفة التي أصابته، وبما أنَّ شهريار جرحت كرامته بخيانة زوجته له مع عبيد وجوارٍ في حفل إباحي جماعي فإنَّ كرامته انبغى أن ترمم وتُصان عن طريق المرأة أيضًا، لكن شهرزاد أذكى من أن تعرض نفسها على الملك حتى وإن كانت زوجته لأنها تعرف أنه تزوجها ليقتلها في اليوم التالي. لذا فقد اتبعت ذات المنهاج الذي سلكته في الشوطين الأول والثاني نجاة ثم استمالة ثم إيقاعه بغرامها عن طريق قصص تناولت مواضيع العشَّاق فعملت على إيقاد روح العاشق في نفس شهريار هذا الإيقاد لا بد له من مَوقَدٍ ومُوقِدٍ، وهذا المَوقِد كان قصصَ شهرزاد والمُوقِدُ شهرزاد نفسها. اتسمت قصص العشَّاق التي قصتها شهرزاد ذات حبكات رئيسة متشابهة تقريبا تمر بمراحل التعرَّف ثم الوقوع بالحب من طرف واحد أو اثنين ثم الالتقاء -رغبة الطرفين أو رفض أحد الطرفين- ثم الاجتماع ثم الفراق لسبب ما أو مكيدة ثم لم الشمل وحياة سعيدة حتى الموت. 

ففي الوقت الذي كان ينشغل فيه شهريار بالاستماع والاستمتاع بقصص الحب كانت شهرزاد تُداعب مشاعره وعواطفه وتُشعل نار الحب في قلبه وهكذا ليلة بعد أخرى وقصة بعد أخرى تكتمل الأشواط الثلاثة بأهدافها المختلفة والخاصة بكل مرحلة لتحصد شهرزاد ثلاث نتائج هي: 

- إنقاذ نفسها وبنات مملكتها. 

- إنقاذ شهريار من نفسه ونزعة الانتقام من النساء. 

- فازت بقلب شهريار فأحبها وعاش معها بعد أن تحقق لها ما سعت إليه. 


لكن هذه الأشواط الثلاثة ذات مواضيع النجاة عبر القصص، والإثارة والتشويق، والحب والغرام، لم تكن لتكتمل لو لم تتبع شهرزاد أسلوبَ قصٍ خاصٍ يضمن لها البقاء ليلة إضافية. 


- القص في الليل فقط. 


كانت شهرزاد واعية بمشاغل الملك شهريار الصباحية وواجبات ملكه لذا فكان لزاما عليه أن يخرج للحكم فوق تخت ملكه عند طلوع الصباح، وعليها أن تستغل وقت السكينة والهدوء وانعدام المشاغل والشواغل فتبقى هي سيدة الليل التي تقص قصصها دون اعتراض أو إزعاج. لكن هل تكفي ليلة واحدة لقصة واحدة أو قصتين أو أكثر؟ ستكفي ليلة واحدة أو شطر ليلة لو كان غير شهرزاد من يتولى القص لكننا نتعامل مع امرأة ذكية حاذقة تعرف ماذا تفعل: 


- تجعل الليل يمضي والصباح يطلع قبل أن تُنهي قصتها أو تنتهي قصتها قبل طلوع الصبح وتشوُّق شهريار للقصة التالية التي يطلع الصبح ولم تبلغ نهايتها بعد وهكذا تواليا. 


يلعب عنصرا التشويق والزمن لدى شهرزاد دورًا جوهريًا في قصها فهي تراهن على إثارة شهريار وتشويقه وطلبه المزيد من القصص أو إكمال القصة التي بدأتها وتوازن ما بين التشويق والزمن المتمثل هنا بطلوع الصبح أو نهاية القصة والليل ما زال مُسدلًا ظلمته عليهم، فلا أهمية لعنصر التشويق لدى شهرزاد إن لم يكن مرتبطًا بطلوع الصبح فالقصة عندما تصل إلى نقطة معينة تحتاج إلى تكملة ويطلع الصبح فهي تتوقف وتجعل من شهريار ينتظر إلى الليلة الأخرى مانحًا إياها يومًا إضافيًا في عمرها، وهكذا تبقى تلعب على وتري التشويق والزمن حتى تصل إلى مرادها.   

  • تكرار مواضيع القصص وإطالتها. 


هل كان لشهرزاد أن تنال ما نالته وتصل إلى النتائج التي وصلت إليها لو لم تكرر مواضيعها الرئيسة الثلاثة وتُطِل حجم قصصها لتأخذ أكبر عدد ممكن من الليالي حتى تنتهي؟ لا يبدو هذا محتملًا لو اكتفت بقصة أو اثنتين من كل موضوع بل أكثرت من القصص ونوَّعت في أحداثها رغم أنها تصب باختلافها في مجرى واحد فكان لتكرار المواضيع عمل المطرقة التي تنزل فوق رأس مسمار فكل موضوع مكرر تُثبِّته في نفس شهريار وتضع فوقه خيطًا وتجرُّه ثم تطرق بقصصها فوق رأس موضوع المسمار الثاني وتُوصل الخيط إليه وتلفه وتجرُّه نحو المسمار الأخير لتطرق فوقه بتكرار قصصها وتوصل له رأس الخيط الثانية مجددًا، وهي بهذا التكرار/ الطرق تثبَّت المواضيع/ المسامير في نفس شهريار فإن لم تكتمل صورتها في نفسه بالخيط والمسامير لن يسهل على شهريار التخلص من أثر هذه القصص في نفسه. فهي تُراهن على أنَّ التكرار سيؤتي بثمار مرجوة أدناها نجاتها وأعلاها فوزها به وبحبه. 

**

لا يمكن أن نغفل في ظل هذا الصراع الثنائي ما بين شهرزاد الراوية وشهريار المتلقي المُروى له عن حضور شخصية ثالثة لعبت هي الأخرى دورًا داعمًا لكلا طرفي الصراع. لشهرزاد أخت صغرى هي دنيازاد التي حضرت الليالي وكانت منصتة إلى حكايات شهرزاد، فهي تؤدي دور المستمعة الثانوية والمروي له غير المقصود من الحكايات لكنها بوجودها الهامشي في الليالي والقصص دعمت الاثنين فهي التي كانت من طلب من شهرزاد أن تقص عليهما القصص، وأحيانا أعلى المؤلف صوتها لتمدح قصص شهرزاد أو تطلب المزيد من قصص أختها مشيدةً بعذوبة هذه القصص وجمالها وهي بهذا تدعم شهرزاد أختها في قصصها وتعزز من قيمة هذه القصص التي تقصها من جانب، ومن جانب آخر ما كان لدنيازاد أن تتكلم في حضرة الملك شهريار لو لم تلتمس من الأخير موافقة لها وإذنًا في الإفصاح عن رأيها في الثناء على هذه القصص. وفي الحقيقة إنَّ صاحب الرأي هنا ليس دنيازاد أكثر من المتحدث هنا هو شهريار الذي جعل من دنيازاد لسانًا له في الإشادة بقصص شهرزاد، وطلبه المزيد من القصص بلسانه إضافة لطلب دنيازاد أيضا مستزيدة أختها لترجع الأخيرة بطلبها إلى إذن شهريار الذي يسمح لها ويوافق أن تكمل قصصها. إن كان لشهريار رأيٌ مخالف لما سمح لدنيازاد بالحديث أو لعارضها لكن صمته هو صمت تأييد، فهي إذن من هذا الجانب تدعم شهريار في التعبير عن رأيه في قصص أختها دون أن يضطر ليفصحَ عن رأيه بالأصالة عن نفسه أو يكسر حاجز كبرياء الملك ومقامه العالي في مدح قصة أو طلب الإكثار منها. لعبت دنيازاد حلقة الوصل بين الراوية الفصيحة صاحبة القصص التي لا تنفد وبين المروي له التائق والمتشوُّق والمتعطش للمزيد من القصص. كيف سيكون حال الاثنين من دون دنيازاد؟ لا يبدو أن وضعهما سيمضي بعيدا فثمة فجوة لا تردمها سوى دنيازاد بتدخلاتها وتعليقاتها هذه التعليقات التي تُشجِّع شهرزاد على المضي في الكلام وتعزز رغبة شهريار في الاستماع. ولا أراني أجانب الصواب هنا لو قلت أن دنيازاد هي القارئ في عالم ألف ليلة وليلة، الحاضر الغائب الذي لا بد من وجوده وإن لم يكن له دور سوى الإنصات أو إبداء نُتفِ تعليقات لكن لهذه النتف دورها الواصل ما بين قطبي الليالي، شهرزاد وشهريار، وإبقائهما متصلين مع بعضهما دون أن يتواصلا مباشرة، فكل قارئ هو دنيازاد المستمعة التي لا يسمح لها إلا في مرات معدودة بالتدخل لكنه تدخل لا بد منه، تدخل من دونه ستتوقف العجلة عن الدوران بانقطاع التواصل ما بين الراوي والمروي له. 


القصص في مواجهة الموت 


بعيدًا عن قصة شهريار وشهرزاد بذاتها وقصص شخصيات شهرزاد التي تسعى خلف النجاة وتأخير الأجل إلى أبعد وقت ممكن فإننا نقف قُبالة جوهر الكتاب وكثير من قصصه المتمثل في "القصص في مواجهة الموت". ترتقي بنا هذه الفكرة إلى بُعدٍ عالٍ وتأخذنا إلى تخوم بعيدة نحلُّق مسافرين لا نرى شيئًا سوى التدافع والصراع القائم ما بين نزول الموت المحتَّم الذي لا فرار منه الملاحق للشخصيات وفي مقدمتهم شهرزاد وبين دفع هذا الموت وتأخيره أو حتى تأجيله إلى أجل غير معلوم، لتستحوذ هذه القصة على أساس هذا الكتاب، وبغض النظر عما يحتويه الكتاب من قصص وأخبار وحوادث مختلفة وأقدار عسيرة يواجهها أصحابها لكن تبقى القصة هي المنفذ التي يسعى من خلال صاحب القصة أو القاص أن ينقذ نفسه وينجو. 

إنَّ القصص هنا ليست محض منفذ وحصن أخير يلجأ إليه الإنسان بل هي كذلك إعلاء لقيمة المجهول الذي يُمكن أن يُكشف وقيمته في نفوس من يريدون معرفته أو مستعدين لمعرفته، فهي مواجهة ما بين العلم والجهل. يأخذ العلم ثوب القصة وتلبَّس الموت قبله الجهل، ولزامًا على العلم والجهل أن يتمثلا في شيء محدد فتمثل العلم بالقصة الغربية والخبر العجيب والحدث غير الطبيعي (أو فوق الطبيعي كما يسميه آخرون) وتمثَّل الجهل بشيء واحدٍ فحسب وهو الموت، أما أداتهما فهو الإنسان بما أنه المخلوق الذي كان ينتظر الموت في معظم القصص فكان الإنسان هو المحور الذي يتنازعه الموت والحياة والعلم والجهل. وحدد معيار غرابة الخبر وجودته في أحيان أخرى استحقاق صاحبه النجاة من الموت، ويبدو الموت في أحيان ثانية مجرد تهديد أو مُحفِّز للاتيان بقصص مثيرة وعجيبة لم يسمعها صاحب الموت. تتوسع المسألة إذن من دفع الموت النازل على أصحابه بالقصص وتحوله إلى أداة مُستخدمة تجبر المقضي عليه أن يأتي بجديد يُشنِّف فيه أذن المستمع أو يثير أحاسيسه بهذه العجائب وصنائع الدهر في بني الإنسان. إنَّ القصص لا تواجه الموت فقط بل تواجه رغبة إدهاش الإنسان وإمتاعه وتسليته في أوقات ملله، وهنا تتضح معالم مختلفة في قيمة القصة فهي تقف في صراع مباشر مع الموت والجهل والإدهاش والإمتاع والتسلية- تقف في مواجهة الإنسان نفسه وكل ما فيه من رغبات وتناقضات وفضائل ورذائل وحسنات وسيئات، تقف القصة وحيدة أمام كل هذا لا تملك شيئًا سوى الكلمات المنطوقة (أو المكتوبة في مكان آخر) لتؤدي غرضًا محددًا لا تعود فائدته على فرد واحد بل تعود على الجميع الرواي والمروي له. فهي تجمع في الوقت الذي يبدو أنها بفشلها ستفرِّق وتُنقذ حين يكون الهلاك في انتظار صاحبها. 

لذا فإن رغم تعدد مواضيع ألف ليلة وليلة تبقى مواجهة الموت ودفعه بالقصص هي المستند الرئيس والقاعدة الأساسية التي تنطلق منها كل الأحداث فبدونها لن يحصل أيَّ تطور وتقدُّم فإذا نجحت القصة في الإدهاش والإمتاع وإثارة النفوس فقد كُتب لصاحبها عُمر جديد وأُزيحَ عنه ظلُّ كاهل الموت الذي ينتظر أن يجثو عليه، وتبدأ بعدها مغامرة أخرى وقصة أخرى وإنسان آخر ينجو عن طريق القص والقصص من موت يلاحقه أو قدر بمصيبة يطلبه.     

في خضمِّ هذا التدافع ما بين الموت والحياة لا تغفل شهرزادعن حقيقة أنها تواجه شخصًا مريضًا فالقصة قد تُنجيها هي وحدها، لكنها لم تكُ تطمح أن تنقذ نفسها دون أن تنقذ الآخر المستمع، أن تنقذ شهريار معها، لتكتمل ثمار القصة ويجني الطرفان فائدة القصة. لذا فقد كان القص علاجًا أيضًا لدى شهرزاد.


القص علاجا


لا أعرف في تاريخ الخيال الأدبي معالجة نفسية تسبق شهرزاد. عملت شهرزاد على إنقاذ نفسها من الموت بتأخير نزوله ليلة تلو أخرى حتى استمالت قلب الملك وأحبها وأبدى أسفه عن فعله وإعجابه بها، وعملت في الآن نفسه أن تنقذ هذا الملك من انكسار الخيانة الذي عانى منه بسبب زوجته وتكسر فيه شهوة الدم النسائي الذي يسفكه كل صباح بعد أن يفضَّ بكارة عرائس مملكته اللائي يتزوجهن. تنهض شهرزاد بعبء مواجهة الظلم الذكوري للمرأة لوحدها، في مواجهة أقل ما تُوصف بالظالمة وغير المتكافئة ما بين ملك دموي طاغية وجارية -إن صحَّ وصف شهرزاد هنا بالجارية-، فهي تقف وحيدةً عزلاءَ قُبالة الموت المُسرع إليها وقُبالة ملك مريض بشهوة الدم لكن لا ينتهي عبء الصراع عند هذا الحد فثمة نساء أخريات خلف شهرزاد التي تمثل السد الأخير والمنيع أمام سيل الموت الجارف الذي إذا انهار أُبيدت نساء المملكة بنقمة الملك الدموي. تجد شهرزاد نفسها في وسط هذه المعمعة التي لا تجد مخرجًا لها ولا منفذًا إلا القصص لتنقذَ الجميع ومن بينهم الملك أو لنقل في مقدمتهم الملك فبصلاحه تصلح الرعية والمُلك. 

سعت شهرزاد خلف هدفين في آن واحد في مغامرة محسوبة المخاطر والمآل في حال فشلها ومقامرة تُراهن فيها على نفسها ومقدرتها على أن تنجو بالجميع، لكن ما يصب في صالح شهرزاد أنَّ هذين الهدفين مرتبطان مع بعضمها فتحقيق الأول يعني ضمنًا تحقيق الآخر. كان لهذه القصص دور البلسم الذي يُعالج شهريار في الوقت الذي يُدهشه ويُسليه ويُمتعه مُعالجةَ النَفْسِ والذات من الداخل، معالجة مريض لا تعرف عنه شيئًا سوى انكساره بخيانة زوجته له وشهوة الدم للانتقام من هذا الانكسار، ففي الوقت الذي تستطيع أن تنفذ إلى نفسه وكيانه ثم إلى قلبه بقصصها فسيكون بإمكانها ترميم هذا الانكسار النفسي عبر إعادة الثقة لشهريار بالنساء وتعزيز هذه الثقة مجددًا عن طريقها. لم تكن شهرزاد هنا تعبِّر عن نفسها بل كانت نموذجًا لكل النساء فنجاحها هو نجاح النساء جميعا وفشلها هو فشل النساء جميعًا، لم يغب عن ذهنها هذا ولم تتخلَ عن هذه المسؤولية، فمجرد عرضها نفسها على الملك لتتزوجه مع علمها ما يفعله الملك مع من يتزوجهن كفيل بأن يؤكد لنا معرفة شهرزاد بجسامة هذه المهمة وما تحتويه من مخاطر وواجبات تمثِّل فيها النساء جميعًا. 

لم تنقذ شهرزاد نفسها ولا حتى نساء مملكتها فقط بل انتقمت من الملك أيضًا هذا الانتقام المتمثل في كسر شهوة الدم لدى الملك فتوقفه عن تكرار الفعل يشير إما إلى خطأه في ارتكابه وإما إلى وجود عائق لتنفيذ هذا الفعل وبما أنه لا عائق أمامه فشهرزاد زوجته موجودة ليقع عليها فعل القتل لكنه لا يفعله لأنه بطريقة أو بأخرى قد اعترف بفداحة جرمه. جاء العلاج عبر القص والقصص، تحول شهريار من كائن سفَّاح إلى مخلوق كله أذنين فحسب يرى ويسمع ويفكر ويتخيل بأذنيه لا غير ومن يسيطر على الأذنين يسيطر على هذا المخلوق الجديد، استحوذت شهرزاد عليه وتمكَّنت منه ولاعبته بقصصها ومواضيعها فشكلته كما تشاء وأنقذت الجميع ابتداءً بنفسها مرورًا بشهريار وانتهاء بالنساء. هذا الانتصار الشهرزادي على شهريار هو انتصار الأنوثة على الذكورة انتصار المرأة على الرجل، فحين يكون الملك الرجل يفعل الشيء بسبب المرأة -زوجته الخائنة- ويفعل ضديد الشيء بسبب المرأة -زوجته شهرزاد- فما هو إلا كائن ردِّ الفعل ليس بكائن الفعل، في حين المرأة هي كائن الفعل المبادرة سواء بالخيانة أو المعالجة والطبابة النفسية. قد يرى القارئ في كثير من القصص في أول وهلة أنَّ القصص تصوُّر المرأة بنوع من الازدراء والاحتقار لكنه لا يجب أن يغفل عن حقيقة أن شهريار الملك هو تابع المرأة وليس سيدها، وظلها وليس مادتها، وذنبها وليس رأسها، فهي التي تُمرضه وتشفيه، وتجبره على الفعل وترده عنه. فيتحول القص من علاج إلى انتصار ففي اللحظة التي أدرك شهرزاد الصباح لأول مرة ولم تمت؛ كتبَ لها النجاة؛ كتبَ لها الفلاح؛ كتب لها الظفر والانتصار. 

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح؛ وعلمت بأن النصر على شهريار قد لاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق