مختارات شعرية
ترجمة: مؤمن الوزان
مبتدئون
والت ويتمان
ما أكثرَ نهضتهم بأعباء الأرض (في وضح النهار بين الفينة والأخرى)،
ما أحبَّهم وأرهبهم للأرض،
ما أمرسهم على أنفسهم كما على أي شخص- يا لها من مفارقة تُظهرها سنُّهم،
ما أشدَّ استجابة الناس لهم، دون أن يعرفوهم،
ما أقسى ما يكتنفه قدرهم في كل الأوقات،
ما أطيشَ سهاهم -كلَّ حين- في تزلُّفِهم ومكافأتِهم،
ويا لذات الثمن المحتّم الذي لا يزال يتوجبُّ دفعه لذات الصفقة الكبرى.
***
قصيدة من التراث الأيرلندي
ترجمة: مؤمن الوزان وإيمان العزوزي
البارحة، وحتى وقت متأخر تحدث الكلبُ عنكَ
والجهلول من مستنقعه العميق؛
بأنك الطائر الوحيد في الغابات
وبلا شريكة قد تبقى حتى تجدني..
وعدتني وكذبتني؛
ستكون قُبالتي حيثُ ترعى الأغنام
وحين صفَّرتُ وصرختُ ثلاثمئة مرة
ما عثرتُ على سوى حملٍ يثغو..
وعدتني شيئا يفوق مقدرتك؛
سفينة ذهبية تعلوها صاريةً فضية،
واثنتا عشرة بلدة بأسواقها؛
وقصرٌ أبيضُ بهيٌّ مطلٌ على البحر..
وعدتني بالمستحيل؛
ستُهديني قفازين من جلد السمك،
ستهديني حذائين من جلد الطيور،
وثيابًا من أفخم حرير أيرلندا..
حين أنزل بنفسي إلى بئر الوَحْدة
وأجلسُ غارقة في متاعبي،
حين أرى العالم ولا أرى فتاي،
بمسحة شعره الكهرمانية..
في ذلك الأحد منحتُكَ حبي
ذلك الأحد الأخير قبل أحد الفصح،
جاثيةٌ أقرأ فداءَ المسيح
وكلتا عينيَّ تغدقُ عليك الحبَّ إلى الأبد..
قالت أمي ألا أحدثك اليوم،
أو في الغد، أو يوم الأحد..
يا له من وقتٍ بائس اختارته لهذا الحديث
ولغلق الباب بعد أن سُرق البيت..
قلبي أسودُ بسواد ثمر خوخ شوكي
أو بسواد الفحم في فرن الحداد
أو مثل فردة حذاء متروكة في أروقة بيضاء
كنت أنت من أسدل الظلام على حياتي..
لقد سلبتَ الشرق مني، وسلبتَ الغرب مني،
سلبتَ ما أمامي وما خلفي،
سلبتَني القمر، وسلبتَني الشمس،
وأخوف خوفي أن تكون سلبتَ الله مني..
****
قصيدة من التراث الصيني
"آكل الأسود"
في عرين حجري
عاشَ شاعرٌ يُدعى شي شي
محبٌ للحم الأسود
أخذَ عهدًا على نفسه
بأكل عشرة أسود
غالبًا ما كان يذهب إلى السوق
بحثًا عن الأسود
وصلَ في يوم عند العاشرة
ورأى بالصدفة عشرة أسود
بأسهم لا تطيش
قتل شي الأسود
جمعها وعاد إلى عرينه الحجري
يحمل عشرة أسود
كان الماء يخرُّ من سقف عرينه
ومن خدمه طلب إصلاحه
ليبدأ بعدها بمحاولة أكل الأسود
ليدركَ بعدها فحسب
أنَّ من الحجر
قد قُدَّت عشرة أسود
فاكتشف أحجية الأسود
****
ضوء على حين غرة
دانتي روسيتي
لقد كنتُ من قبل هنا
لا أعلم كيف أو متى
أعرف العشب وراء الباب
والرائحة الفواحة الجميلة
والتنهدات والأضواء حول الشاطئ
كنتِ مِلكي فيما مضى
وما قِدمُ هذا الزمان فلا أدري
لكن حين حلّق السنونو
دارَ عُنقك
وسقطَ حجابٌ-
عرفتُ أنَّ كلَّ شيء ذكرى
أكانت هذه الحال من قبل؟
وهل ستعود الأوقات سريعة الهروب
إلى حيواتنا وأحبابنا
-رغمَ الموت-
واهبةً إيانا فرحًا مع إشراقة شمس وغروبها مرة أخرى؟
**
"مشاهد"*
رونالد ستيورات
عصر بدائي
وحوشٌ تقومُ من وحلٍ أخضرَ-
بلدٌ أميٌّ، غيرُ قادرٍ على قراءة اسمه.
تتحركُ صخورٌ نحو موضع في ضُهورِ التلال؛
أفاعٍ تضعُ بيوضها في ظلال الصخور الباردة.
عانت الأرضُ من شظايا السماء،
نزفتْ صفراءَ على البحر الهائج.
تدلّى القمرُ بثقلٍ ليلًا
فوق الغابات المرتفعة.
سطَّعت أسلاف النمور مخالبها.
أصواتٌ كما صدرت هناك
من تمزيقِ الأقوى القوي.
أمال الفجرُ مرآةً غيرَ مصقولة
لعقلٍ متحجّرٍ لينظرَ إلى ذاته دون إدراك.
حجري حديث
لن أكون هنا،
والسبيلُ التي تمضي فيها الأشياء الآن
لا رغبة لديها في الاستمرار.
لا تدور العجلات أسرعَ ممن يجرّها.
تلك الأرضُ مرئيةٌ
فوق البحر في طقسٍ صحو،
يقولون سنصل هناك قريبًا
ونحوزُ عليها. ثُمَّ ماذا؟
مزيدٌ من الفدانات لنزرعها
ولا أسواقَ للمحاصيل.
لم يعد الشبابُ ما كانوا،
متبسِّمون في كَنفِ الأحشاء.
ويعتقدُ بعضٌ سيكون ثمة بعثٌ.
لا أومن بذلك.
فهذه الموسيقى المقتَّطعةُ حلَّت لتبقى.
وتنفُّسُ مزامير الطبيعة
كان لإلهٍ مغاير.
تخيَّل
اعتمادٌ على مِعى ظربان
لمصاحبة عبادة امرئ!
حضرتُ قربان اللغة
ذاك الطقس الذي يُحبه القساوسة،
وشعرتُ أنَّ التيَّار كان مغادرة الإله.
أعتقد لن يتبقَّى شيء يوما ما
سوى العودة إلى المكان الذي أتيت منه
وأُدثِّر نفسي بذكرى كيف كنت شابًا فيما مضى
تحت عهد الإله الذي لم يُعطَ لأحمقَ.
مسيحي
كانوا ملتحين
مثلّ البحر الذي وصلت منه؛
رنَّتْ أجراسٌ حجريّة مناديةً
سامعيها الأحجار
تلائمهم زنازينهم مثل كفنٍ.
تتسرب منهم صلواتهم،
أزهارٌ رقيقة حيث تنمو الأعشاب.
تكسَّرَ خبزُهم الجافُ مثل عظم
خمرٌ في الكأس-
مرآةٌ ملطَّخة بالدم لينظر الخُطاة إليها
بعينٍ واحدةٍ مغلقة،
ويرون أنفسهم مغفورًا لهم.
قروسطي
كُنتُ شاعرَ مولاي
أُنشد مرارًا بعذوبة
ما ارتُكبَ بدمويّة.
سكنَّا في وادٍ؛
لم يحظَ مولاي بمولاةٍ.
وكان الجَّاهُ أُفقنا.
في ربيع العام،
حملت الرياحُ أخبارَ
جمالِ امرأةٍ.
ما زالت عيناها حَجَرين
وسطَ شعرها الناعم المتموِّج.
وكان صوتُها حَسَدَ الطُّيور.
شننا غزوة شجاعة؛
كانت الخِّطبة مهتاجة.
وعُدنا وحيدين.
أنشد لي، قال مولاي.
أشيائي قربَ منزلي:
صقوري، وخيولي.
أنشدتُ، وأنصتَ.
من نار صُنعَ قيثاري
ومثل الشرار تدفقت نغماتي
من روح سِندانه.
في الغدِ -وعدَ-
سننطلقُ مجددا.
حداثي
وحدائقُ دينورويغ** الهشّة،
عميقة في بتلات أزهار صخورها المتساقطة:
مثل خريفِ أناسٍ!
يرقدُ ربيعهم في مصباح زجاجي،
أمُستعدٌّ لُيبهرنا بإشراقه؟
أحضرْ فتيات المستقبل الراقصات،
الأبراج المتمايلة
بشعورها المعدنيَّة المندفعة باتجاه إنجلترا.
* perspectives.
** وادٍ في ويلز
____
"تمثيل"-*
كوني غيرَ حكيم كفايةً في تزوِّجِها
لم أعرف قط حينما لم تكن تُمثِّل.
’أحبُّكَ‘ ستقول؛ سمعتُ الحضور يتنهدون.
’أكرهُكَ‘ لم أكُ متأكدًا قطُ أنهم ما زالوا هناك.
كانت رائعة، محضَُ مرآة أنا تزيَّنتْ قُبالتها.
تزوَّجتُ مرجَ جسدها المتموِّجَ.
وتحدِّق أعينهم ليلًا إليه.
وحيدةٌ هي الآن فوق منصة نَفْسها الهشَّة
تُؤدي دورها الأخير.
مثاليٌ! وليس له في كل مسيرتها نظير.
متميزةٌ كانتْ، ثم أُسدلتْ الستارة.
وخرجت بهجتي من خلفها لتصفِّق
اُنظر، وأنا أيضًا أصفِّق.
* Acting.
________
"ساكنو الغابة"*
رجالٌ بالكاد اعتدلوا من وضعيتهم في الرَّحِم،
عراةٌ. رؤوسٌ محنيّةٌ ليست في صلاة،
بل في تأملِ الأرض التي أتوا منها،
أرضٌ أرضعتهم الحليبَ البنيْ
الذي العظامَ لا المخَ يبني.
من ناداهم أن يمشوا إلى الأمام في الضوء الأخضر،
وأفكارهم في الظُلمة؟
تحمل نساؤهم -مَن لسنَ مادونا- أطفالًا على الثدي بالاستقامة،
كوجوه المسيح التي مزَّقها الزمن في لوحة سيد فلورنسي.
يحضِّر المحاربون السمَّ بعنايةِ مَحَبَّةٍ
لكلَّ سبستيانيَّ- فوق سهامهم.
ما من ربِّ لهم،
يتبعون تناقضاتِ طقس ٍينصُّ
لا بد لحياة أن تفنى حتى تحيا أخرى
ويرتدون الزهور في شَعرهم.
* Forest Dwellers.
______
“السجين"*
’قصائدُ من سجنٍ! عمَّ؟‘
’الحياةُ والرَّبُّ‘ ’الرَّبُّ في سجنِ؟
إنك تعبثُ معي يا صديقي.
وجهُهُ -ربما- عند القضبان
يتلاشى مثلُ الحياة‘
’دخلَ السجنَ يسعى معه السجَّان
أيُّ مكانٍ آخرَ
نبعت منه قسوة الإنسان،
لكن أعليه قهرُ معرفة الإحسان؟‘
’وبعدها الضرباتُ،
إذ كان الربُّ مُعذِّبًا الحبيبا!
فمن الأكثرُ بينهما نعيما
أواهبُ الضرباتِ أم مَن لها مستجيبا؟‘
’في الخارج الحال نفسها
قضبان وجدران،
فأزل من بصيرتك قذاها.
ربٌّ خفي!
ننهبُ السمواتِ،
والمسافةُ بين النجوم-
آخرُ مواضعَ في السجن نراها،
مَخبأُه في لحمٍ وعظم‘
’أنت تؤمنُ، إذن؟‘
’القصائدُ شاهدهْ
إذا تقلَّصَ عالمُهْ
لانبغى ولادة رؤية أكبرَ
لا تخلو من مروجٍ
ولا عيون حيوانٍ
كالزجاجِ مجرَّدهْ
وبالربِّ تتصلُ.
على حيطان زنزانة عاريهْ
يراقبُ الظالمُ تقلص ظلِّه البشري
عند انسحابه من الضوء‘
* The Prisoner.
****
لا ترفع السَّجف المزخرف
بيرسي شيلي
لا ترفع السَّجَف المزخرف، ما يُسميه أولئك الأحياءُ حياة:
رغم أنَّ أشكال غير حقيقة تُرى هناك،
ما هي إلا محاكاة لكل ما سنؤمن أنه بألوانه بلا وجهة ينتشر-
خلفها، خوف خفي، وأمل، مصيران تؤامان،
من ينسج ظلالهما، فوق الهُوة، عمياء ومُوحشة.
عرفتُ امرءًا رفعه يوما-
أبصرَ قلبه التائه كان أهيفَ، لأشياء ليحبها،
لكنه لم يجدها، يا للأسى!
ولا العالم الذي يضمها هناك ألبتة،
العالم الذي قد يقبله.
بين الدروب الكثيرة التي مشى فيها،
أبّهة وسط الظلال، وبقعة متألقة فوق المشهد الكئيب،
روحٌ تسعى جاهدة نحو الحقيقة،
ومثل الواعظ لم يجدها.
***
التمساح الصغير
لويس كارول
ما أبهى تحريكَ التمساح الصغير
لذيله اللامع،
وصبَّ ماء النيل
على كلِّ حرشفة ذهبيّة!
بأيّ بهجة يبدو تبسُّمه،
بأيّ أناقة يُبرز مخالبه،
ويحتفي بالأسماك الداخلة
بين فكيّن باسمين بوداعة!
***
الجزيرة
أ. ميلن.
لو حزتُ سفينة يوما،
سأركبُ الماء فيها؛
شاقًا عباب البحر،
ونحو شرقه أمضي
إلى شطٍ الموجُ فيه يهدر
يتلفُ عاليه الأخضر
ويهبطُ سافله الأبيض
بُومْ بُومْ بُومْ
على رمل كخدِ الشمس
ثم أترك سفينتي وأرسو
صاعدًا كثيبًا رمله أبيض
نحو أشجار جوز الهند
ستُّ أشجارٍ بلون الليل
تاجًا لجرفها المُخضَّر
على يديَّ على رُكبي
أقصدُ الشجر الأخضر
أواجهُ الجرفَ وصخوره مطقطقةً تتدحرج
إلى الأعلى إلى الأعلى
أرتقيه بأقدامٍ تترنح، تتعثر
والصخرُ في الركن متفتتًا يتدحرج
على ضهر هذا التل
فوق جلمود مُتجذِّر
أعلى إلى القمهْ
حيث أشجار ستٌّ منتصبهْ...
هناك أقعدُ مرتاحًا وأستلقي
أحدِّق وخدي على كفي
إلى الرمل المُبهر دوني
وموجٍ مُتلفلفٍ أخضر
وغيمٍ رمادي مُزْرَق
حيث البحرُ إلى السماء يتطلَّع...
سأقول لنفسي وأنا أنظر
بكسلٍ إلى الماء في الأسفل
ما في العالم إلايَّ
ولم يخلق لسوايَ
****
روبرت فروست
طريق لم يُطرق
طريقان تفرّعا في غابة صفراء
ويا أسفي ما استطعت سفرًا فيهما معا؛
فأنا مسافرٌ واحدٌ، وقفتُ طويلا
أتشوَّفُ إلى الأول أبعدَ ما كان
حتى انثنى في الشجيرات؛
ثم تشوَّفت إلى الآخر بعدلٍ قَدْرَ الإمكان
وفيه ربما أفضلُ استحسان
معشوشبٌ وما سُلِكَ كثيرًا
مع أنَّ المُضيَّ من هنا
قد طرقهما حقًا بالتساوي
وفي ذلك الصباح معًا انبسطا
وسطَ أوراقٍ لم تُسوِّدها أيُّ خُطى
أواه، فقد أبقيتُ الأول لحين آخر
مع إدراكِ كيفَ يجرُّ دربٌ إلى دربٍ
وخامرني شكٌ إن كنت يوما سأعود
سأروي هذا بحسرهْ
ذات يومٍ والعمرُ في نهايةِ المسرى:
طريقان تفرَّعا في غابة، وأنا
سلكتُ أقلهما سلوكا أنا
وذلك الذي تأتّى عنه كل الاختلاف
**
****
وقفة عند غابة في أمسيّة ثلجيّة
مالكُ هذه الغابة أظنني أعرفُه
رغمَ أنَّ في القرية منزله
لن يراني واقفًا هنا
أراقب غابته يغمرها الثلج
لا بد أنَّ حصاني يظن من الغريب
أن أتوقف ولا بيت مزرعة قريب
بين الغابات والبحيرة المتجمِّدهْ
حلَّت أحلكُ أمسيّة في السنهْ
يهزُّ طقم أجراسه
ليسأل إنّ ثمة خَطب ما
الصوت الآخر الوحيد
صوت الكنس لريحٍ رخيّة وندف زغبيّة
الغابة محبوبة، ومظلمة، وعميقة،
لكن لي وعودٌ لا بد أن أفي بها
وأميال أقطعها قبل أن أنام
وأميال أقطعها قبل أن أنام
****
"الهبةُ صراحةً"
الأرضُ كانت لنا قبل أن نكون هنا.
هي قبل مئات السنين أرضنا
قبل أن نصبحَ شعبها. كانت لنا
في ماساتشوستس، وفيرجينيا،
لكن كنا لإنجلترا، المُستعمِرة،
مالكون لما لم نكُ نملكه،
مهووسون بما الآن لا نملكه.
حُبسنا لشيءٍ جعلنا ضعافًا
حتى اكتشفنا أنه كان نفوسنا
ممنوعون من أرض عيشنا،
وفي الاستسلام حالًا وجدنا خلاصنا.
كما كنا وَهْبنا صراحةً أنفسنا
(كانت مأثرةُ الهبة الكثيرَ من فعائل الحرب)
إلى الأرض المُدركةِ بغموض جهة الغرب،
لكن لا تزال بلا تاريخ، وغريرةً، وغيرَ مُعزَّزة،
وكما كانت، كما كانت ستعود.
*****
عزرا باوند
بحر الزجاج
تطلَّعتُ ورأيتُ بحرًا
شُيِّدَ سقفه من أقواس قزح
وفي وسط أرجائه
التقى عاشقان وغادرا
ثم امتلأت السماء بوجوه
ومن خلفها بهاء ذهبي
***
العودة
(كُتبت هذه القصيدة في عام 1913، ونشرت في عام 1917 في مختارات شعرية. تتكون القصيدة من خمس مقطوعات بواحد وعشرين سطرا شعريا (بلغتها الأصلية). تحكي القصيدة عن عودة الآلهة، لكنها عودة آلهة في خريف عمرها خائرة القوى وشاحبة الوجوه ونحيلة الأجساد ومترددة الخطوات، وترافقها كلابها الفضية. يستخدم عزرا هذه القصيدة لتعبر عن طبيعة القوى وخوارها بمرور الوقت حتى وإن كانت تبدو منيعة في مرحلة ما، وقد تكون أيضا رمزية إلى نهاية آلهة الديانتين المسيحية واليهودية اللتين كان لعزرا موقفًا مضادًا منهما. Poem Analysis).
انظر، إنهم يعودون
آه، انظر إلى الحركات المترددة،
والأقدام البطيئة،
والهُنَّة في الخبب والارتعاش القَلِق
انظر، إنهم يعودون
واحدا تلو آخر بخوفٍ
مثل نصفِ مُستيقظ؛
كالثلج لا بد أن يهطل بتذبذب
ويهفهف في الريح
بنصف دورة إلى الوراء؛
كانت هذه "المُجنَّحةُ بالرهبة" مُحرَّمةً
آلهة الأقدام المُجنَّحة
تتقفى برفقتها الكلاب الفضية
أثر الهواء!
احترزي! احترزي!
كانت هذه السرعة للانقضاض
هذه الحماسة في التشمم
كانت هذه أرواح الدم
يرخون القِيادِ لها* ببطء
رجال القِيادِ الشاحبون
________
*أي الكلاب.
****
هيلدا دوليتل
حورية الجبال
(أشهر قصائد هيلدا)
دُرْ أيها البحر
دوِّر صنوبراتك المُستدقَّة
انثر صنوبراتك الكبيرة
على صخورنا
اقذفْ خُضرتكَ علينا
وغطِنا بنباتات التنوب
**
البركة
هل أنت حيٌّ؟
ترتجف مثل سمكة بحر
أغطيك بشبكتي
ما أنت؟ سمكة مُلوَّنة
****
صور
I
مثل جندول فواكه خضراء عَبِقة
منجرفًا طوالَ قنوات البُندقية الرطبة
أنتِ أيتها البهية!
يا من دخلتِ مدينتي المعزولة
II
يثبُ الدخان الأزرق
مثل دوامات غيوم من الطيور تختفي
يثبُ حبي إلى الأمام تُجاهكِ
يختفي ويتجدد
III
قمر زهري أصفر في سماء شاحبة
حين يكون الغروبُ ذا لون قرمزي باهت
في الضباب وسط أغصان الأشجار
فأنتِ الفنُ في نظري يا محبوبتي
IV
شجرة زان فتيّة فوق حافة الغابة
تقف هادئة في المساء
رغم اهتزاز كل أوراقها بنسمة هواء
وتبدو خائفة من النجوم-
أنتِ كذلك هادئة وكلُّكِ ارتعاش
V
الأيائل الحمراء تعلو فوق الجبل
هناك خلف أشجار الصنوبر الأخيرة
وهرولتْ رغباتي معها
VI
الزهرة التي هزّتها الريح
امتلئتْ بَعدها بالمطر مجددا
هكذا يمتلئ قلبي بالدموع على مهلٍ
يعلوه الزَبَد، وريح حقول الكروم
حتى تعودي
عربة يد
كثيرةٌ هي الأشياء
التي عليها تعتمد
عربةُ يدٍ حمراء
مكسوَّةٌ بماء المطر
بجانب الدجاجات
البيضاء
*****
مرثاة أرملة في الربيع
الأسى في ساحتي
حيث العشبُ الطري
متوهجٌ كما لو أنه التهبَ
مثل السابق غالبًا بنارٍ باردة
نارٌ تقترب مني هذه السنة
خمسة وثلاثين عامًا
عشتها مع زوجي
شجرة البرقوق بيضاء اليوم
تحطيها أحراش الورود
تحمل أغصان الكرز
ثمة بعض الشجيرات الصفراء
وبعض الشجيرات الحمراء
لكن حُزن قلبي أقوى منها وألوانها
رغم أنها كانت فرحتي في الماضي
أطالعها اليوم وابتعد نحو النسيان
أخبرني ولدي وسط المروج اليوم
رؤيته لأشجار الأزهار البيضاء
عند نهاية الأيكة في الغابة
يتنابني شعور عارم بالذهاب إلى هناك
والانغمار وسط تلك الأزهار
والغرق في المستنقع قرُبها
هذا ما يُقال فحسب
أكلتُ البرقوق
الذي ضمَّه البرَّاد
البرقوق الذي
قد تكونين تحتفظين به للإفطار
اغفري لي
فقد كان شهيًا
ولذيذًا جدًا
وباردًا جدًا
قصائد لآمي لوويل
أوبال
ثلجٌ ونارٌ أنتَ،
وبلمسة منك تحرق يديَّ كالجليد
بردٌ ولهبٌ أنتَ،
يا لونَ النرجسِ القرمزيّ
يا لونَ زهرِ المغنوليّة الفضيّ
حين أكون برفقتك
يُصبح قلبي بركة متجمِّدة
تبرقُ بأضواء مُتهيِّجة
كهولة
مثلُ جليدٍ أسودَ
يمرُّ فوقه مرَّ سحابٍ بتخبُّط
متزلِّجٌ جهولٌ
هذا سطحُ قلبي البليد
***
ريحٌ وفضة
مُشرقٌ بعظمة
يطفو قمرُ الخريفِ في السماء الرقيقة
تهتز أسماك الزينة في أحواضها
وتومضُ حراشفها التنينيّة
في كل مرة مرَّ فوقها
***
زوجة الصياد
حين أكون وحيدة
الريحُ بين أشجار الصنوبر
مثل صفعِ الموجاتِ
على جوانبَ قاربٍ خشبيّة
***
عاشق
إذا تمكنت من إمساكَ خضرةِ مشكاةِ الحُباحِب
قد أنظرُ في كتابةِ رسالةٍ إليكَ
قصائد لإرنست هيوم
"غروب شمس مدينة"
فاتنٌ -إغواءُ الأرضِ- بأوهامٍ سامية
غروبُ الشمس الذي يسود في نهاية الشوارع الغربيّة
توهجُ سماءٍ مفاجئ
مربكٌ بغرابةٍ للمارِّ
برؤى سيثارا
-غريبٌ على الشوارعَ المديدة-
أو باللحم الناعم للسيدة كاسلماين...
جَذَلٌ قرمزيٌ
هو البهاءُ المنتشرُ للسماء
خادمُ العلياءِ المَرِح
تَبخترُ أذيالِ ثوبٍ أحمرَ
طوالَ أسطح المدينة الراسخة
وقت عودة الحشدِ إلى المنزل
خادمٌ مغرور، وباقٍ، يأبى الذهاب
****
"فلاح ذو وجهٍ أحمر"
لمسة برد في ليلة الخريف
مشيتُ خارجًا
ورأيت قمرًا ينحني على سياجٍ
مثل فلاحٍ ذي وجهٍ أحمرَ
لم أقفْ للحديث، أومأتُ فحسب
وحوله كانت النجوم الحزينة
بوجوهها البيضاء مثل أطفال المدينة
"فوق رصيف الميناء"
فوق رصيف ميناء هادئ في منتصف الليل
مربوطٌ بحبلٍ الصارية الطويلة-
يعلِّقُ ارتفاعه القمرَ
ما يبدو بعيدًا جدًا ليس إلا بالون طفلٍ
منسي بعد اللعب
*****
"مانا أبودا" -إلهة بولينيزية-
مانا أبودا، ذاتُ شكلٍ منحنٍ
هي السماء في دائرةٍ مُقنطرةٍ
بحزن يبدو مجهولًا ليُرثى
رغمَ سماعي لبكائها يومًا
سئِمٌ من الأزهار وغناء الشعراء
ويوسف فوق هذا ليس طويلًا ليحاول
******
"سوزان آن والخلود"
مدلًّى رأسها إلى الأسفل
محدقةٌ إلى الأرض، وثابتةُ الحماس
مثل أرنبٍ عند ابن أوى
حتى كانت الأرضُ سماء
والسماء خضراء
ومرّتْ الغيوم البنيّة
****
"الشاعر"
فوق الطاولة الكبيرة
انحنى بابتهاج في حلمٍ
تحوَّل إلى أخشاب
تحدَّثَ ومشى مع الأشجار مغادرًا العالم
وعاد إلى الأرض
مع مجوهرات ملوَّنة
حجرية، وصلبة، ومحددة
بها لعبَ في الحلم على الطاولة الملساء
****
"الغروب"
زعيمُ حزب طامعٌ بالإطراء
وممانعٌ عن مغادرة المنصّة
بسِحرها الختامي، توازنت ساميةً على إصبعها
ومظهرةً لباسها القُرمزي الغيوم الشفقيّة
وسطَ همهمات المنافسين المتذمِّرة
****
السير والتر رالي
محبوسٌ رالي في البرج المظلم
حالمٌ بالبحر الأزرق
وما وراءه في فردوسَ ذاتِ مَدارٍ لم يُدرك- نما مِسكٌ...
****
"الجسر" (قصة خيالية لانهيار رجل وقور في ليلة باردة ومُرَّة)
في غمرةِ عذوبة الكمانات
ألفيتُ نفسي ذات مرة
منتشيًا بوميض الكعوب الذهبية على الرصيف
أرى الآن دفء أشياء الشعر الدقيقة
يا إلهي..
اجعل دثار السماء القديم الآكل للنجوم صغيرًا
فقد أتلحف به وأستلقي مرتاحًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق