يبدأ النصف الثاني من ملحمة "أنشودة الضباب" بالفصل العشرين وينتهي بالفصل التاسع والثلاثين، وهو خاص بكريمهيلد ومسعاها في الثأر والانتقام من قتلة زوجها.
قُدمتْ في النصف الأول من الملحمة لمحاتٌ عن حياة كريمهيلد وجمالها ورفعة نسبها فهي أخت ملوك وابنة ملك، رفضت الكثير ممن تقدم لخطبتها ويعود سبب الرفض هذا إلى رؤيا رأتها في منامها في صباها عن طائر بازٍ تملكه يهجم عليه صقران جارحان في السماء ويُسقطانه إلى الأرض وتضطر رغمًا عنها رؤية هذا المشهد العصيب. تؤول لها أمها الملكة أوتي هذه الرؤيا بأنَّ هذا الباز هو زوجها الذي سيُقتل في حياتها، فتعاهد كريمهيلد نفسها بألا تتزوج أبدًا وتثنيها أمها عن ذلك قائلةً بأنَّ سعادة المرأة مع الرجل. تبقى كريمهيلد عنودًا ترفض الزواج حتى جاء سيغفريد إلى مملكتها، وبقية القصة حتى قتله مذكورة آنفا. بعد أن تفقد كريمهيلد زوجها وتُسلب ثروتها تعيش حياتها في قهرٍ وحُزنٍ على حالها ولم تنفرج الأمور معها حتى عَلِمَ بها ملك هنغاريا إتزل، ورغب بزواجها بعد وفاة زوجته الملكة هيلتشه. أرسلَ إتزل مبعوثه روديغر طالبًا زواجها من أخيها الملك غونتر، لكن لم يكن هذه المرة لغونتر من سلطان على أخته في أن يزوِّجها من يرغب به، وبعد أخذ ولأي وحوار ما بين كريمهيلد وروديغر الذي وعدها بأراضٍ كبيرة ستكون تحت سلطانها وقلاع وفرسان سيتمثلون لأمرها، ووعدها بأنه سينفِّذ ما ستطلبه منه؛ الوعد الذي سيفقد حياته عندما يبرُّ به مكرهًا ومجبرًا. لم تقبل كريمهيلد عرض الزواج هذا لأنها رأت حياتها قد انتهت بوفاة سيغفريد وما يبقيها راغبةً بالحياة هو الثأر والانتقام من قتلة زوجها، لكنها وجدت في قبولها زواج إتزل وسيلة سانحة للانتقام. يُقحم هاجِن نفسه مرة أخرى مُبديًا رجاحة رأيه ونفاذ بصيرته بشأن كريمهيلد ويعارض زواجها ويطلب من الملك غونتر ألا يسمح بمثل هذه الزيجة لأنها ستعود عليهم بالهلاك وأن نهايتهم ستكون إثر هذا الزواج. يرفض غونتر هذه المرة أن يستجيب لنصيحة تابعه الملك هاجن لأنَّهم قد ظلموا أختهم كثيرًا بقتلها زوجها ثم سلبها كنزها ورميه في الراين. وافقت كريمهيلد في آخر المطاف على عرض الزواج ورحلت مع مبعوثي إتزل إلى هنغاريا حيث استقبلها ملكها الوثني، الذي لم تشكِّل ديناته عائقًا كبيرًا لها وهي المسيحية رغم رفضها الأول لأن روديغر أشاد بإتزل وتعاليمه واحترامه للمسيحية كما أنَّ بلاط الملك هو ملتقى الوثنية والمسيحية وأن فرسان وأبطال المعتقدين سيكونون أتباعًا مخلصين لها. عاشت كريمهيلد بضع سنواتٍ مع إتزل وأنجبت له ولدًا وما انطفأت نار الثأر في صدرها وارتأت قرب ميعاد تنفيذ هذا الثأر فاحتالتْ على زوجها إتزل وطلبت منه أن يدعو إخوتها الملوك لزيارة هنغاريا ويشاركوا في احتفالية منتصف الصيف، ليرسل بعدها إتزل مبعوثيه إلى مملكة فورمز داعيين غونتر وأتباعه إلى زيارته وحضور احتفالية منتصف الصيف التي يُقيمها. كانت المسافة بين فورمز وهنغاريا كبيرة وبَعُدتْ الشُّقَّة عليهم لكنهم لم يستطيعوا أن يرفضوا دعوة واحد من أعظم الملوك في البلاد. تدخَّل هاجِن هذه المرة أيضًا وقال بأنَّ هذه الدعوة خدعة ومكيدة من كريمهيلد تخطط فيها للتآمر عليهم وقتلهم وأن سفرهم إلى هنغاريا يعني موتهم، وإن كان لا بد من تلبية الدعوة فلا بد أن يأخذوا معهم أشجع الفرسان ويتسلَّحوا بكامل شِكَّةِ الحرب لأنهم إذا دخلوا هنغاريا فلن يخرجوا منها أحياء أبدًا، وهذا ما حدث بالفعل.
يصلُ ملوك فورمز وملوكها إلى هنغاريا بعد رحلة عصيبة ويستقبلهم باحتفاء الملك إتزل وزوجه كريمهيلد التي بيَّتتْ على قتلهم جميعًا مهما كلَّف الأمر. لم يتخلَّ البروغانيديون عن أسلحتهم ودروعهم أثناء وجودهم في قاعات قصر الملك ولا مهاجعهم وبقوا ممتثلين لنصيحة هاجن ومستعدين للقتال في أي لحظة، السلوك الذي لم يُرض الملك إتزل وتقبَّله على مضض، لكنه لم يكن على علم بما خططته له زوجته وكان احتفاؤه بضيوفه صادقًا وخالصًا من كل مكيدة ودسيسة حيكت ضدهم. فشهدت هذه الأيام قتالًا شديدًا ومعاركَ ضروسًا ابتدأت من معركة المهاجع حين هاجم الهنغاريون بأمر من كريمهيلد مهاجع البروغانديين فهُزم المهاجمون الذين بقوا يترافدون فيلقًا تلو آخر قبل أن يتمكن دانكراوت من الفرار من المهاجع ويصل إلى القاعة التي اجتمع فيها غونتر وأخواه، غيرنوت وغيزلهير، وهاجِن والبقية، فنشبت في هذه القاعة أشرس المعارك في كل الملحمة وأشدَّها ضراوة. فدفعت كريمهيلد الفرسان تلو الفرسان نحو حتفهم ولقي القائد إثر الآخر مصيرهم المحتوم على سيوف البروغانديين، ولما رأت كيف أن مسعاها لم يتحقق بموت إخوتها وهاجن أمرت بإضرام النار في القاعة ومع ذلك فلم تتضعضع عزيمة البروغانديين الذين بدأوا بالتساقط واحدًا تلو الآخر، ثم بعثت روديغر رغمًا عنه للقتال في القاعة. قتل خلقٌ كثير في هذه المعارك لأجل كريمهيلد وثأرها الذي نالته في الأخير عندما أُسر آخر رجلين متبقيين وهما غونتر وهاجن على يد ديتريتش فأمرت بحبس هاجن وأمرت بقتل أخيها وقُطع رأسه فحملتها وذهبت بها إلى هاجن وطلبت منه أن يقول لها أين ذهب بكنزها لكنه رفض أن يكشف لها ذلك فضربته بسيف سيغفريد وقتلته وثأرت لنفسها وزوجها من أهلها الذين قتلوه. لكن هيلديبراند، تابع ديتريتش، عندما رآها تقتل هاجن استهجن ذلك ورفض قائلًا: "وأسفاه أن يُقتلَ أفضلُ الفرسان وأعظمُ من حملَ درعًا في معركة على يد امرأة! لقد كنتُ عدوَّه وسبَّب لي أكمدَ الأحزان، لكنِك لن تهنأي بتجرؤكِ على قتله مهما كلَّفني الأمر. ولن يردعني ما سببه لي من آلام ومخاطر عن الثأر لموت سيّد ترونيك الشجاع!" ثم ينطُّ على كريمهيلد ويقتلها لتنتهي بذلك قصة حياة كريمهيلد وملحمة أنشودة الضباب. وكما يقول شاعرها:
وانتهت احتفالية الملك السامية بالأحزان،
كأي بهجةٍ تتحولُ أبدًا في النهاية إلى أحزان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق