عندما شرعتُ بالغوص في رواية البؤساء وما كان لها من أثر فيَّ حيثُ جذبتني حبكتها وتداخل أحداثها بين جان فالجفان وفالنتين وكوزيت مرورًا بماريوس وعائلة تيناردييه البؤساء الوثيقة التأريخية للبؤس الفرنسي والتي شملت وألمـّت بكل جوانب فرنسا السياسية والاقتصادية و العمرانية والدينية ولم يوجد مجال لم يتطرق له هيجو في عظيمته الروائية التي استغرق اثنتا عشرة سنة في سبكها ونسجها قبل أن ترى النور سنة اثنتان وستون بعد ثمانمئة وألف خلت لذكرى ميلاد المسيح.
لن تستطيع الكلمات إعطاء الحق لأعظم الروايات في تاريخ فرنسا الأدبي ولن يروي ظمأ المتعطش للمعرفة إلا الاغتراف من بين صفحات البؤساء التي تعدت الألفي صفحة.
قبل ثلاث سنوات لظهور البؤساء في ساحة الأدب الفرنسي والعالمي ولدت "قصة مدينتين "لأعظم روائي المملكة التي لا تغيب عنها الشمس. هذه الرواية التي تتربع عرش أكثر الروايات مبيعًا في تاريخ الرواية في العالم بعد أن تجاوزت المئتي مليون رواية والتي تدور أحداثها قريبة ومشابهة لعهد البؤساء وعصر الثورة الفرنسية التي نادت بالمساواة والإخاء والحرية أو "الموت "كما قال ديكنز حيث عانى الكسندر مانيت معاناة مشابهة لما عاناه جان فالجفان في السجن لسنوات عديدة.
إنَّ خيط البؤس الذي يربط بين البؤساء وديكنز بين فرنسا و إنكلترا وإن الصفحات التي جمعت بين الظلم الذي تعرض له جان فالجان ومانيت والذي رُسمت ظلاله فوق لوسي وكوزيت وشاركهنَّ فيه ماريوس وتشارليز دارني فتح أمامي عدة تساؤلات كان لابد من أن تخطر على بال كل قارئ لهاتين الروايتين.
فترة الكتابة و بروزهنَّ للنور:
إنَّ الفترة الزمنية التي نُشرت فيه الروايتين كانت خلال ثلاث سنوات وكانت الأسبقية لديكنز في إنهاء كتابة روايته ونشرها حيثُ نشرت روايته سنة ١٨٥٩ بينما أنهاه فيكتور روايته ونشرها سنة ١٨٦٢ فهل كان لهاتين الروايتين رغم البعد بين فرنسا و إنكلترا والبحر الفاصل بينهما تأثيرًا على بعضهما البعض وسنلاحظ هذا التأثير المُلاحظ فيما يلي.
أحداث الروايتين:
باختصار وإيجاز يعاني جان فالجفان سنين مريرة في السجن لسرقته رغيف خبز ومحاولات فرار فاشلة من السجن وبعد خروجه من السجن عانى بؤس النظرة الاجتماعية الظالمة ولحقها نورًا أضاء له طريق الحياة قبل أن يداهمه الظلام بأحداثٍ متتابعة قبل أن يتكفل بكوزيت الفتاة التي عهدت بها أمها قبل وفاتها اليه وتمر السنون حتى تقع كوزيت في حب ماريوس الذي تخلى عن ثروة وجاه جده لأمه حفظًا لاسم أبيه الذي قُتل في واترلو حفظًا لكرامة فرنسا ونابليون ومن ثم تدور الأحداث مارةً بثورة فرنسا التي دامت عشر سنوات (١٧٨٩-١٧٩٩) بشكل مراحل متسلسلة وتنتهي الرواية في جزئها الخامس بموت جان فالجان وحياة ماريوس وكوزيت سوية.
أما قصة مدينتين فهي التي تدور رحاها بادئ ذي بدء بعودة الميت الطبيب الكسندر مانيت الذي سلخ ثمان عشرة سنة ظلمًا في سجن الباستيل الذي تحطمت أبوابه بعد ثورة الشعب ضد الطبقة الارستقراطية لتتكفل لوسي ابنته احتضانه وتجهيزه لاستعادة حياته القديمة الجديدة ولتقع في حب دارني المركيز الفرنسي المتنكر لثروة ومركز عمه وابيه الذين كانوا سبب سجن الطبيب مانيت والذي كتب رسالة بعد مضي عشر سنوات في السجن رسالة تروي أحداث خلت كانت سبب في سجنه في الباستيل والتي كانت سبب لإدانة زوج ابنته دارني الماركيز الفرنسي الارستقراطي الأصل والذي هاجر إلى لندن ليعيش بعرق جبينه لا بعرق جبين البؤساء من أبناء الثورة الفرنسية اللاحقة الذين أهدوه للمقصلة بتهمة باطلة من قبل النقطة المشتركة بين الروايتين الثالثة.
بين دوفارج وتيناردييه سر الشر ودافعه هو الزوجة
فبين ما عانى منه فالجان وكوزيت من شر ومشاكل وظلم خصت به زوجة تيناردييه كوزيت في طفولتها تظهر كفزّاعة ضد العدل زوجة صاحب البار دوفارج لتكون المدبر للتهمة التي أرادت الزجَّ بها لعائلة دارني ولوسي وابنتهما هدية لمقصلة الـ" الحرية والإخاء والمساواة" التي كانت عطشى لدماء الارستقراطيين الشهية وبفضل تشارليز وفكتور كان مصير تيناردييه ودوفارج الزوجة واحد بغض النظر عن الاختلاف البسيط بين الموت والسجن.
التضحيات التي قدمها كارتون وجد ماريوس رغم اختلافها عن بعضها لكنها تبرز عن فكرة واحدة " فكرة التغيير والتكفير عن الذنوب لأجل إسعاد من نُحب" والتي كانت جلية و واضحة في تأثيرها في حياة كوزيت ولوسي.
هذه النقاط التي قد تُثير تساؤلات و شكوك القارئ عن السر في هذا التشابه بين هاتين الروايتين؟
مقارنة رائعة جدا
ردحذفشكرا على التحليل