اسأل نفسك: ما أكثر اختراع، اكتشاف أو إبداع مؤثر في القرن العشرين؟ هذا سؤال صعب، لأنه من الصعب الاختيار من قائمة طويلة من الترشيحات، تتضمن اكتشافات علمية مثل المضاد الحيوي، الاختراعات التكنولوجية مثل الحاسوب، الحركات الأيديولوجية مثل النسوية. الآن اسأل نفسك: ما أكثر اختراع، اكتشاف، أو إبداع مؤثر للديانات التقليدية كالإسلام والمسيحية في القرن العشرين؟ هذا سؤال صعب جدا أيضا، لأنه لا توجد لديك كثير الخيارات. هل اكتشف الرهبان أو الأحبار أو المفتون في القرن العشرين شيئا يوازي المضاد الحيوي أو الحاسوب أو النسوية؟ تطلّع في هذين السؤالين، من أين تتوقع التغييرات الكبيرة قد برزت: من الدولة الإسلامية، أو غوغل؟ نعم، الدولة الإسلامية تعرف كيف تضع الفديوهات في يوتيوب؛ لكن غادر جانبا مصنع التعذيب قليلا، ما هي الاختراعات الجديدة التي برزت من سوريا أو العراق مؤخرا؟
مليارات الناس، بما فيهم العلماء، مستمرون باستخدام المخطوطات الدينية كمصدر للسلطة، لكن هذه النصوص لم تعد مصدرا للإبداع. فكّر، على سبيل المثال، بقبولية زواج مثلي النوع أو نساء دين في أكثر فروع المسيحية تقدما. من أين ينشأ القبول؟ ليس من قراءة الإنجيل أو القديس أُغسطين أو مارتن لوثر، بل تأتي من قراءة نصوص ميشيل فوكو "تاريخ الجنساية" أو دونا هراروي "بيان سيبورغ رسمي". ما زال المسيحيون المتدينون -بغض النظر عن تقدمهم- لا يمكنهم التسليم برسم أخلاقياتهم من فوكو أو هراروي. لذا فإنهم يرجعون إلى الإنجيل والقديس أُغسطين ومارتن لوثر، ويبحثون فيهم بإمعان. يقرأون الصفحة بعد الأخرى والقصة تلو الأخرى بتركيز شديد، حتى يكتشفوا في النهاية الذي يحتاجونه: بعض الحكمة، أو المثل، أو الحُكم، إذا فسروها بإبداع كافٍ ستعني أن الله بارك زواج المثليين والنساء بإمكانهن إدراة الرهبنة. ثم سيتظاهرون بأن الفكرة منشأها الإنجيل، في حين الحقيقة أن الفكرة منشأها كان مع فوكو. يبقى الإنجيل كمصدر للسلطة في حين لم يعد بعد مصدرا حقيقيا للإلهام. لهذا السبب فإن الأديان التقليدية لا تعرض بديلا حقيقيا للبرالية. مخطوطاتهم لا تملك الكثير لتقوله حول الهندسة الوراثية أو الذكاء الاصطناعي، وأغلب الرهبان والأحبار والمفتين لا يفهمون آخر القفزات المهمة في الأحياء وعلم الحاسوب. وإذا أردت أن تفهم هذه القفزات، فأنت لا تملك الكثير من الفرص- عليك أن تقضي وقتا طويلا بقراءة المقالات العلمية والقيام بالتجارب المختبرية بدلا من مذاكرة ونقاش النصوص القديمة.
Hoho Deus: p. 321-322.
هذا ما كتبه يوفال في نقاشه حول الدين والليبرالية في القرن الحادي والعشرين، وابتدئ من سؤاله بسؤال، كيف يُمكن أن نقارن بين وظيفة المفكرين والعلماء وبين وظيفة المتخصصين في العلوم الدينية؟ يُمكن أن نطرح هكذا سؤال حين يُنصب رجال الدين أو المشتغلون فيه أنفسهم في مجالات علمية، وحين يفعلون هذا سيقعون بخطأ فادح إذ وظيفتهم ومكانهم ليس في مجال العلوم التي تحتاج إلى تخصص ودراسة. والأهم من هذا هل عالم الدين مُطالب بالاختراع والاكتشاف؟ الجواب هنا يُعيدنا إلى خط الانطلاق ومراجعة مفهوم الدين، وسأتكلم عن الإسلام حصرا، الإسلام كدين لم ينصب نفسه، وعبر مصادره الإلهية كالقرآن والبشرية كأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) أو أقوال العلماء، كمصدر للعلوم الحياتية، كالطب والتكنولوجيا والأحياء والكيمياء والهندسة والرياضيات إلخ. بل وظيفة الدين هو تنظيم العلاقة بين العبد وخالقه، وتنظيمها بين العباد، سواء أآمنت بوجوده أم لم تؤمن، يبقى وظيفة الدين روحانية كمصدر للتشريعات الأخلاقية والحياتية، وهو بهذه الوظيفة لا يفرق عن القيم التي تنادي بها الليبرالية كحقوق الإنسان أو القوانين المدنية التي تعمل بها الدول. فهل من المنطقي أن أقول ماذا قدم المشتغلون في الأحزاب الليبرالية في مجال العلوم والتكنولوجيا وأقارنه بما قدمه العلماء المتخصصون بالعلوم والتكنولوجيا؟ هذا السؤال من أساسه واهٍ وغير قائم على فرضية صحيحة، ونابعة من عدم فهم للدين يتحملها فريقان، الأول: علماء الدين أو المشتغلون في الدين الذي يقحمون أنفسهم في مجال العلوم دون فهم أو إدراك أو دراسة والتطفل باسم الدين على العلم محاولة لإثبات صحة الدين بالاكتشافات العلمية، فهنا يُدخلون الدين في صراع مع العلم، كأن تطلب من ليونيل ميسي خوض نزال مع محمد علي كلاي. والفريق الآخر: هو الرافض للدين ككل، فهو يحاول أن يُقحم الدين في مجالات لا ينتمي إليها ويطلب منه أن يؤدي أداءً خارقا كما يفعل هراري بسؤاله ما الذي قدمه الرهبان والأحبار والمفتون من جهود في مجالات العلوم؟ والتي لا تفرق عن طلب يولسن بولت، أسرع رجل في العالم، في سباق المئة متر، لعب كرة القدم مع نادي مانشستر يونايتد.
وبالعودة إلى الدين، الدين الإسلامي، كمثال، يحث على العلم والعمل، والسعي في طلب العلم بشواهد كثيرة في القرآن والحديث النبوي، وينهى عن التكاسل والجلوس بانتظار المصير، ولا تجد أي أثر قرآني أو نبوي يأمر بالكسل أو الجهل، تجد:
"وقل اعلموا فسيرى عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة ١٠٥.
"اقرأ باسم ربك الذي خلق" العلق ١.
"هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها" الملك ١٥.
"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" العنكبوت ٤٩.
"إنما يخشى اللهَ عباده العلماءُ" فاطر ٢٨.
والآيات والشواهد في هذا المجال كثيرة، كلها تحث على العلم وطلبه والعمل فيه، دون اللجوء إلى الخمول، ولم يقل الله في كتابه أو قال بها أنبياؤه، بأنهم مصدر العلم والعلوم، أو أن القرآن هو مصدر كل علم على وجه الأرض، حتى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم". كما رواه أبو داود والإمام أحمد. وهو حديث في الحث على طلب الدواء صُنعا وتناولا. وما محاولة إقحام الدين في هذا الصراع، إلا محاولة يائسة بائسة -بغض النظر عن فاعلها- لتجريده من قيمه الحقة، بحسن نية أو سوئها، فالدين والأنبياء لم يبعثهم الله لكي يكتشفوا النظرية النسبية ولا يخترعوا الأسلحة النووية ولا ليتشغلوا في الهندسة الوراثية، ولا لكي يصنعوا لنا حاسوب أو يؤسسوا حركات تحررية، بل ليهدوا الناس من ضلالهم ومن عبادة الإنسان إلى عبادة خالق الإنسان. وهذا الإنسان عليه أن يعمل ويكتشف ويجتهد وينسب النجاح إلى جهوده وليس إلى القرآن أو الإنجيل.
مليارات الناس، بما فيهم العلماء، مستمرون باستخدام المخطوطات الدينية كمصدر للسلطة، لكن هذه النصوص لم تعد مصدرا للإبداع. فكّر، على سبيل المثال، بقبولية زواج مثلي النوع أو نساء دين في أكثر فروع المسيحية تقدما. من أين ينشأ القبول؟ ليس من قراءة الإنجيل أو القديس أُغسطين أو مارتن لوثر، بل تأتي من قراءة نصوص ميشيل فوكو "تاريخ الجنساية" أو دونا هراروي "بيان سيبورغ رسمي". ما زال المسيحيون المتدينون -بغض النظر عن تقدمهم- لا يمكنهم التسليم برسم أخلاقياتهم من فوكو أو هراروي. لذا فإنهم يرجعون إلى الإنجيل والقديس أُغسطين ومارتن لوثر، ويبحثون فيهم بإمعان. يقرأون الصفحة بعد الأخرى والقصة تلو الأخرى بتركيز شديد، حتى يكتشفوا في النهاية الذي يحتاجونه: بعض الحكمة، أو المثل، أو الحُكم، إذا فسروها بإبداع كافٍ ستعني أن الله بارك زواج المثليين والنساء بإمكانهن إدراة الرهبنة. ثم سيتظاهرون بأن الفكرة منشأها الإنجيل، في حين الحقيقة أن الفكرة منشأها كان مع فوكو. يبقى الإنجيل كمصدر للسلطة في حين لم يعد بعد مصدرا حقيقيا للإلهام. لهذا السبب فإن الأديان التقليدية لا تعرض بديلا حقيقيا للبرالية. مخطوطاتهم لا تملك الكثير لتقوله حول الهندسة الوراثية أو الذكاء الاصطناعي، وأغلب الرهبان والأحبار والمفتين لا يفهمون آخر القفزات المهمة في الأحياء وعلم الحاسوب. وإذا أردت أن تفهم هذه القفزات، فأنت لا تملك الكثير من الفرص- عليك أن تقضي وقتا طويلا بقراءة المقالات العلمية والقيام بالتجارب المختبرية بدلا من مذاكرة ونقاش النصوص القديمة.
Hoho Deus: p. 321-322.
هذا ما كتبه يوفال في نقاشه حول الدين والليبرالية في القرن الحادي والعشرين، وابتدئ من سؤاله بسؤال، كيف يُمكن أن نقارن بين وظيفة المفكرين والعلماء وبين وظيفة المتخصصين في العلوم الدينية؟ يُمكن أن نطرح هكذا سؤال حين يُنصب رجال الدين أو المشتغلون فيه أنفسهم في مجالات علمية، وحين يفعلون هذا سيقعون بخطأ فادح إذ وظيفتهم ومكانهم ليس في مجال العلوم التي تحتاج إلى تخصص ودراسة. والأهم من هذا هل عالم الدين مُطالب بالاختراع والاكتشاف؟ الجواب هنا يُعيدنا إلى خط الانطلاق ومراجعة مفهوم الدين، وسأتكلم عن الإسلام حصرا، الإسلام كدين لم ينصب نفسه، وعبر مصادره الإلهية كالقرآن والبشرية كأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) أو أقوال العلماء، كمصدر للعلوم الحياتية، كالطب والتكنولوجيا والأحياء والكيمياء والهندسة والرياضيات إلخ. بل وظيفة الدين هو تنظيم العلاقة بين العبد وخالقه، وتنظيمها بين العباد، سواء أآمنت بوجوده أم لم تؤمن، يبقى وظيفة الدين روحانية كمصدر للتشريعات الأخلاقية والحياتية، وهو بهذه الوظيفة لا يفرق عن القيم التي تنادي بها الليبرالية كحقوق الإنسان أو القوانين المدنية التي تعمل بها الدول. فهل من المنطقي أن أقول ماذا قدم المشتغلون في الأحزاب الليبرالية في مجال العلوم والتكنولوجيا وأقارنه بما قدمه العلماء المتخصصون بالعلوم والتكنولوجيا؟ هذا السؤال من أساسه واهٍ وغير قائم على فرضية صحيحة، ونابعة من عدم فهم للدين يتحملها فريقان، الأول: علماء الدين أو المشتغلون في الدين الذي يقحمون أنفسهم في مجال العلوم دون فهم أو إدراك أو دراسة والتطفل باسم الدين على العلم محاولة لإثبات صحة الدين بالاكتشافات العلمية، فهنا يُدخلون الدين في صراع مع العلم، كأن تطلب من ليونيل ميسي خوض نزال مع محمد علي كلاي. والفريق الآخر: هو الرافض للدين ككل، فهو يحاول أن يُقحم الدين في مجالات لا ينتمي إليها ويطلب منه أن يؤدي أداءً خارقا كما يفعل هراري بسؤاله ما الذي قدمه الرهبان والأحبار والمفتون من جهود في مجالات العلوم؟ والتي لا تفرق عن طلب يولسن بولت، أسرع رجل في العالم، في سباق المئة متر، لعب كرة القدم مع نادي مانشستر يونايتد.
وبالعودة إلى الدين، الدين الإسلامي، كمثال، يحث على العلم والعمل، والسعي في طلب العلم بشواهد كثيرة في القرآن والحديث النبوي، وينهى عن التكاسل والجلوس بانتظار المصير، ولا تجد أي أثر قرآني أو نبوي يأمر بالكسل أو الجهل، تجد:
"وقل اعلموا فسيرى عملكم ورسوله والمؤمنون" التوبة ١٠٥.
"اقرأ باسم ربك الذي خلق" العلق ١.
"هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها" الملك ١٥.
"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" العنكبوت ٤٩.
"إنما يخشى اللهَ عباده العلماءُ" فاطر ٢٨.
والآيات والشواهد في هذا المجال كثيرة، كلها تحث على العلم وطلبه والعمل فيه، دون اللجوء إلى الخمول، ولم يقل الله في كتابه أو قال بها أنبياؤه، بأنهم مصدر العلم والعلوم، أو أن القرآن هو مصدر كل علم على وجه الأرض، حتى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم". كما رواه أبو داود والإمام أحمد. وهو حديث في الحث على طلب الدواء صُنعا وتناولا. وما محاولة إقحام الدين في هذا الصراع، إلا محاولة يائسة بائسة -بغض النظر عن فاعلها- لتجريده من قيمه الحقة، بحسن نية أو سوئها، فالدين والأنبياء لم يبعثهم الله لكي يكتشفوا النظرية النسبية ولا يخترعوا الأسلحة النووية ولا ليتشغلوا في الهندسة الوراثية، ولا لكي يصنعوا لنا حاسوب أو يؤسسوا حركات تحررية، بل ليهدوا الناس من ضلالهم ومن عبادة الإنسان إلى عبادة خالق الإنسان. وهذا الإنسان عليه أن يعمل ويكتشف ويجتهد وينسب النجاح إلى جهوده وليس إلى القرآن أو الإنجيل.