الرواية الأولى للكاتبة العراقية نهاد عبد والتي تدور حول قصة حب افتراضية في عالم الفيس بوك، وهنا يخالج كل منا سؤال مهم أأومن بالحب الإلكتروني أم لا؟ نتفق ونختلف في مدى جدواه والثمار التي تؤتي أُكلها خاصة في بيئات لم يكتمل مفهوم الحب لديها بالصورة الصحيحة فالحب له صور نمطية مكررة ومشوهة في كثير من الأحيان يسقط الكثير في سرابه الكاذب ومن ثم يبني قصصا وأحداثا تأخذ مسارا دراميا عاطفيا وكله فوق أسس واهية وأحيانا غبية وتافهة، أن ترتبط وتحب إنسانا لم تره، ولم تجلس معه، لم تتشارك معه الهواء، وكثير من أبجديات الحب التي يجب أن تتوفر حتى تكون صادقا ومتيقنا من مشاعرك، أما أن تخدع نفسك وتتلقي بآخر يعاني نفس أمراضك النفسية والفراغ العاطفي، فهنا تشوه الحب في مجتمعاتنا أكثر وبدا مخزيا ومقيتا، ومن زاد في تشويهه هم الحمقى ذكورا وإناثا الذين كذبوا الكذبة وعادوا لتصديقها والبكاء على أطلالها، هل ننكر كل العلاقات؟ لا شك أن هناك الصادق والمثمر، لكننا لن نسمع كثيرا عنها، فهي قصص تغرق في موج آلاف القصص الساذجة والغبية والتي تصدر من كائنات مريضة لم تستطع كبح جماح شهواتها ونزواتها العاطفية.
تأتي هذه الرواية لتسدل الستار على المسرحيات الفارغة التي لا تحمل هدفا ولا مضمونا ولا غاية ألا وهو وهم الحب الكاذب، هذه الرواية أرى أنها من الخطورة بمكان وأن لا تتكرر مرة أخرى فموضوعها من المواضيع التي إن تكرر دخل في دوامة التكرار والممل والنمطية، نظرا للموضوع الذي لا يكاد يكون أي منا إلا ولديه قصة أو اثنتين عن هذه العلاقات، ربما ليس بذات السوء الذي وصلت له قصة أبطال هذه الرواية، والتي بذات الوقت لم تعالج قضية اجتماعية بل بقيت في حالة سرد ووصف للحالة النفسية، والقارئ لن يخرج بخطوات تعالج هذا المرض الاجتماعي بل يخرج بفائدة واحدة، احفظ نفسك ومشاعرك من مستنقع العالم الافتراضي، فالمرضى في كل مكان وينتظرون أي زلة منك ليقتاتوا منها ويمارسوا ساديتهم المبتذلة.
ناي وكريم وقصة حب مفترض مريض.
ناي العشرينية أو هكذا تُعرف نفسها لكريم الإعلامي، المثقف المتزوج الذي يعشق العراق، وهي التي تخرج من العراق مهاجرة وتشد رحالها إلى أمريكا لتستقر هناك، ونظرا للظروف الصعبة التي يواجها أي مغترب في أرض جديدة، تلجئ ناي إلى العالم الافتراضي لتقتل وقتها، لتبدأ بعدها رحلة حب مع كريم، تطبق من خلالها كل أمراضها النفسية وتمارس دور المحبة أو هكذا توهم نفسها، معطية لنا الصورة النمطية التافهة للحب، أن تحب فقط من خلال الكلمات أن لا تسمع ولا ترى الآخر، أي سذاجة هذه، أيسمى حب هذا؟ التمنع والصد عن شخص تدّعي حبه، وتناقض رهيب فهي تحبه وتريده لها وبذات الوقت تمنعه حتى الاستماع لصوتها، تحبه رغم معرفته أنه متزوج وبذات الوقت تطلب منه أن يضحي وتسأل نفسها لمَ أضحي وهو لم يضحِ لأجلي، متجاهلة البعد المكاني والفرق الزمني بين العراق وأمريكا، مع رجل يعيش في أرض هربت منها؟ كل هذه التناقضات تنم عن شخصية مريضة ومخادعة، تعترف بأخطائها تارة وتكابر تارة، لا تعرف ماذا تريد، تتخيل نفسها بين أحضانه تمارس شهوتها المحمومة وتُبرد نار شبقها وتتمنى لقاءه، وحين تحين الفرصة للقائه تهرب ملقية اللوم عليه بأنه شهواني يرغب بجسدها، لا لن يراني، كاذبة، مخادعة، متقلبة تصعد بنفسها لمصاف عاهرة حقيرة ثم تعود ممارسة تقوى وتمسكا بالتقاليد والشرف، الشرف هذه الكلمة التي رغم كل نبلها أعطتها ناي معنى وضيع لن يعيد له رونقه إلا ممارسة البغاء، لتعرف أن الشرف ليس فقط مضاجعة رجل. الشرف الذي سيبقى حبيسا ولن تعرف معناه أبدا.
على الجانب الآخر نحن بحضرة شخصية شرقية تافهة، سهلة الخداع، رغم كل صفاته وثقافته ومهنته التي تمنحه السفرات لدول مختلفة، ألا إنه أحمق وغر، ينجذب لأنثى لا يعرف عنها شيئا، لم تعطه شيئا، وهو المتزوج وصاحب العائلة، لكنه يهوي في مستنقعها ظانا منه أنه الحب، لم تسعفه كل خبراته وعلاقاته من أن ينقذ نفسه من حبائل هذه المرأة التي تمارس معه ساديتها، وهذا التي تبرزه العلاقة الفارغة والممارسات التي تقوم بها ناي، فهي تقوم بحظره تارة وترفعه تارة، حتى أصبح متعودا أن يستمر الحظر أسبوعين فإن طال كان هذا دليلا كافيا على أن معشوقته قد أصابها شيء ما، فقد حان موعد رفع الحظر، أي مازوخية وحب للإهانة التي عليها كريم، ليته كان كريما وأكرم نفسه بحفظ كرامته ولا يجعل نفسه مثل كلب ينتظر من سيده فضلات الطعام ليشكره بعدها نابحا. رغم كل شيء وكل الإهانة لكنه يصر على حماقته مدعيا حبه لها وحبها له.
كريم وناي وواقع مرير.
كنت أطمح وأتمنى بعد أن أنهيت قراءة هذه الرواية أن يكون هناك معالجة وطرح بصورة أكثر دقة في التوصيف للأسباب هذه العلاقة، أمور القارئ بحاجة لها تخص السيكولوجيا والتركيب النفسي الناشئ من هذه الحالة أو الأسباب التراكمية التي أنتجت مخلوقين مشوهين مشاعرًا لا يعرفون ما هو الحب ولا كيف يكون، والموضوع الآخر الذي كان يجب أن يُكمل رسم أسباب هذه العلاقة هو الذي يخص السوسيولوجيا، وإن ذكرت الكاتبة بعض الخصائص الاجتماعية التي أثرت على تصرفات ناي، ألا إن الرواية هذا العمل الإنساني ليس مجرد قصة تُسرد والسلام، بل يجب أن تكون ذات رسالة عميقة بعمق موضوعها الاجتماعي الإنساني المهم، وما أجادت به الكاتبة هو أن تجعل القارئ وأنا منهم أن يكره ويمقت هذا الكذب الذي يسمونه حب عبر العوالم الوهمية، فالكاتبة نجحت في جعلنا نكرهه لكنها لم ترشدنا كيف نتجنبه أو تُثرنا في معرفة أسبابه التي جعلت أبطالها والكثير منهم يصلون إلى هذه المرحلة.
اللغة والسرد.
لغة الرواية امتازت بالنسق الشاعري الرومانسي السلس والمنساب بتدفق رائق، بعيدا كل البعد عن الصعوبة والتعقيد خاصة وهي تتناول موضوعا لا يتحمل لغة ذات مستوى عال، ففي الأخير كثير من الحوارات هي محادثات فيس بوك، والسرد هو الآخر كان سردا نمطيا، بلسان الشخص الأول- السرد المتجانس- تقوم الكاتبة بسرد الحوادث الماضية وربطها بالحاضر دون أي جمالية أدبية، فهو سرد يتبعه سرد، يتخلله بعض الأحيان الإسهاب الذي يُشعر القارئ بالملل.
تعمل الكاتبة الاعتماد على وصف الأماكن التي توجد فيها ناي لكنها لا تتطرق إلى وصف الأماكن التي يوجد فيها كريم كثيرا، التباين واضح بين البيئتين الرئيسيتين، نعرف البيت الذي سكنته ناي والغرف والمطبخ والجارة الأفريقية وشجرة الخوخ والباحة الخارجية بينما كريم أين يوجد، يطوف في بعد لا علامة واضحة تميزه.
كان التركيز على حالة ناي النفسية، واتسمت المحاورات بين البطلين بالتكرار والملل والمبالغة، بلغة حب مستهلكة، عبارات وتشبيهات وأوصاف وأمنيات يستخدمها الجميع، بعض الفقرات النسوية مثل أن كل الرجال خائنون، ومحاولة جعل المرأة عيش دور المظلومية التي لا تنتهي، والتي لا أعرف متى ستحرر النساءُ النساءَ من هذه القيود، فكثيرا ما تظهر المرأة أنها الكائن البريء وأن مجرد حبها للرجل هو صك الملكية والعبودية التي تمن عليه به، الحب المشوه الذي يتم حجزه في قالب المشاعر والشوق والكلمات، هيكل فارغ لجوهر لم يتم تحرير فكر الشخصيات الأنثوية فيه، وسأبقى متشوقا لقراءة عمل أدبي، لا ترى المرأة نفسها مظلومة ولا تمن على الرجل بحبها، الحب الذي ينتهي غالبا بزواجها رجل لا تحبه، وتبقى في صراع لا تسلم نفسها لحبيبها، أو تسلم نفسها لزوجها وهي تفكر في حبيبها! فإلى متى تتغير هذه الصورة لا أعلم.
والجدير بالذكر أيضا هو البيئة الإلكترونية لشخصيات الرواية كلهم يكتبون فناي تكتب وتنشر ومنى صديقتها تكتب، وكريم يكتب وزوجته تكتب، ما هذه البيئة التي تكتب كلها، بيئة الأدباء الإلكترونية التي لا تفرق عن بيئة الحب الذي ينتهي بالحظر (البلوك).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق