الجمعة، 16 فبراير 2018

الأعمال المختارة - أنطون تشيخوف.

الأعمال المختارة - أنطون تشيخوف.


الكتاب الأول - القصص القصيرة.

حين يكون الحديث عن أحد أبرز الروائيين الروس، وأحد أعلام القرن التاسع عشر، القرن الأدبي الذهبي الروسي، فلا بد أن يكون للحديث غصون تتفرع من شجرة أدب أنطون تشيخوف، على الرغم من عمره القصير -٤٤ عاما- إلّا أنه ترك لنا تركة أدبية وإرث إنساني كبير توزّع ما بين الرواية والقصة والمسرحية، والتي تجاوز عدد مؤلفاته العشرات والقصص المئات

أنطون تشيخوف، الذي يُعد من أهم كُتّاب القصة القصيرة إن لم يكن رائدهم، كتب مئات القصص والتي تنوّعت مواضيعها وشخصياتها، بأسلوب ساخر أحيانا، وتهكمي أحيانا أخرى، يكتب عن الطفل والمرأة والرجل، عن الفقير والغني، والطبقة الراقية والطبقة المسحوقة.

لا يمكن أن نحد المواضيع التي تناولها تشيخوف في قصصه لكثرتها، فهو يصف الكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية، ما بين البؤس والأمل والحياة والموت، والفرح والحزن، والضحك والبكاء، فيُضحكك كثيرا، ويُحزنك أيضا، فالإنسان لديه مرتبط بواقع مجتمعه، يتأثر بما حوله، وما يركزه عليه أكثر في رواياته هم أولئك البؤساء والمطحونين بين مطرقة الفقر وسندان المجتمع الذي يحكم على المظاهر والمستوى الاجتماعي للشخص، المجتمع الفارغ إلا من الكذب والزيف والباطل، وإنّا لنقرأ في الأدب الروسي، كثيرا ما يُركّز الرواة والأدباء على صوت أولئك الذين لا صوت لهم، الإنسان -ذكر وأنثى- الذي فقد شخصيته ودهسته أقدام السادة، ذاك الصراع الذي يندلع في الصدور للبحث عن واجهة جميلة يقفون خلفها أمام الآخر، هذا الآخر المليء بالخداع والغش، إنها أزمة الإنسان الروسي الذي عمل تشيخوف على تصويرها بأسلوبه الناقد والساخر وحتى الجارح أحيانا، كما في قصة (فرحة) حيث يحتفل الإنسان بشيوع اسمه نتيجة دعسه، فأي خزي ينقله تشيخوف حين يرضى المرء بأن يتأذى فقط لأجل أن يذكر اسمه في الصحف. في حين تنقلنا قصة (البدين والنحيف) إلى أجواء الرتب الاجتماعية وتحكمها في علاقات الناس فيما بينهم، فبعد أن يلتقي الصديقان اللذان فرّقتهم الحياة، تكون الصدمة التي ييصدم بها قرّائه، أن الصداقة ليست كافية لتجمع اثنين بعد فراقهم ما دام هناك فوارق اجتماعية، لبئس هذا الواقع الذي يعيشه الناس. ومن القصص المؤثرة (وحشة) هذه القصة ليست فقط في مجتمع ضمَّ بين جوانبه تشيخوف، بل هو المجتمع الإنساني بأكمله، فهو يصوّر حال أب يفقد ابنه، لكنه يعيش في وحشة عدم وجود من يشاركه أحزانه، وحين يُوجد هذا الشخص فهو لا يكترث بمصابه، ما الذي يفعله هذا الأب؟ يشكي لحصانه آهاتِ نفسه، هذا الانعزال الذي يمزق الإنسانية، هذا الجفاء بين الجنس البشري سيبقى خالدا، فالإنسان رغم كل شيءٍ هو مخلوق يحمل البؤس والكراهية في ضلوعه إلا من أنقذ نفسه من مرض فقدان الإنسانية. وفي قصة (دموع لا يراها العالم) فهنا العيش في صورتين صورة للغير وصورة لنا، زوجان يعيشان معا، ليأتي أصدقاء الزوج ذات ليلة في وقت متأخر، ويبدأ الزوج بالتوسل بزوجته أن تحضّر الطعام لهم، أمام عناد الزوجة وإصرار الزوج، ترضخ لمطالبه وتعد العشاء لهم، وبعد أن يعود الأصدقاء لمنازلهم، يخاطب أحدهم زوجته يا لصديقه من حياة رائعة، ويشكو حظه البائس. والكثير من القصص التي تناولت شتى المواضيع أرى الإسهاب أكثر في الحديث عنها يُفقد القارئ بعضا من جمال الصدمة التي سيواجهها حين يقرأ قصص تشيخوف











الكتاب الثاني - الروايات القصيرة.

الكتاب الثاني من المجموعة المختارة لأعمال أنطون تشيخوف، هي الروايات القصيرة، وأرى  أنه هذه المجموعة ليست روايات قصيرة بل قصص طويلة، مع ثلاث قصص قصيرة، 
فأغلب القصص تدور حول حدث رئيس واحد دون أحداث ثانوية أو أن تحتوي على بداية وعقدة وحل عقدة وخاتمة، لذلك فهي تبقى قصص طويلة أو مُطوّلة وليس روايات قصيرة ويمكن أن نستثني من هذا الكلام ونسميها رواية قصيرة هي رواية "الراهب الأسود" و"في الخور"، وكذلك تشابه القصص القصيرة الثلاثة "الحسناوات" و"قلادة آنا" و"الحبوبة"مع بعض القصص التي وردت في الكتاب الأول من حيث الحجم، بالتالي هناك عدم دقة في التجميع والتنضيد من قبل المترجم أو المسؤول عن توزيع كل عمل إلى الصنف الذي يجب أن يكون فيه.

وهذه القصص تنوّعت مواضيعها وشخصياتها وأحداثها والبيئات التي وقعت فيها، والتنوع شمل تعدد جنس الشخصيات وشمل الحيوان كذلك كما في قصة "كاتشنكا".
ومعظم المواضيع ذات طابع اجتماعي ومغزى إنساني، ما بين الخيانة والمرض والفقر وحياة الفقراء، والفكر مع بعض الفلسفة كما في "الراهب الأسود".  

ما يميز هذه المجموعة أن أغلب القصص تحتوي على أُناسٍ تدور حولهم الأحداث أو يكون جزءًا من الحدث، وهم ضعيفو الشخصية، وتصل أحيانا إلى درجة انعدام الرأي والكلمة، ويبقون عرضة إمام لتسلط الآخر كما في قصة "الراهب الأسود" أو ضحية للآخر كما في قصة "العروسو"في الخور" أو يتم استغلالهم كما في قصة "اللعوب" أو متأثر بالآخر كما في"حبوبة" وكذلك في بقية القصص هناك دائما ذاك الانهزام في الشخصية، يُقابلها شخصية ذات تأثير أو سطوة على المقابل.

إن هذه الثنائية بين الشخصيات الضعيفة والقوية والصراع النفسي كان أبرز سمة بين جميع القصص في هذه المجموعة، ولا أدري إن كان تجميعها عن طريق الصدفة أم حركة مدروسة من قبل المترجم. على أية حال فتشيخوف ركّز على بناء شخصية أبطاله وإظهار عيوبها ومميزاتها سيكولوجيًا، فتارة يكون هذا العيب صفة حسنة كما في قصة "اللعوب" و "حبوبة" و"الراهب الأسود" وتارة يكون سببًا للخسارة كما في قصة "في الخور".


والسمة الأخرى التي في هذه المجموعة "موت الشخصيات" فقد لاقت شخصيات حتفها في قصص "الراهب الأسود" و"الفلاحون" و"في الخور" و"اللعوب". ودائما ما يكون موتها هو الحدث الذي تختم به القصة.

ومن مواضيع القصص هو خيانة الزوجة كما في قصة "اللعوب" و"السيدة صاحبة الكلب" أو علاقة استغلال كما في قصة "قلادة آنا"، وعلاقة الرجل بالمرأة دائما ما كانت علاقة تراجيدية كما في قصة "العروس" وقصة "المنزل ذو العلية"، فكيمياء العلاقة كانت في حالة اضطراب دائما ولم تتوافق مع نزعات الشخصيات ورغباتهم













الكتاب الثالث - الروايات


الكتاب الثالث من المجموعة وهو عبارة عن أربع روايات:

الرواية الأولى- حكاية مملة.

وهي رواية يرويها أستاذ جامعي في كلية الطب، يكتب فيها يومياته وحياته وأفكاره وبعض من ماضيه، ما بين حياة العمل والعائلة، يتناول الراوي عدة قضايا اجتماعية وفلسفية وأدبية وفنية

يطرح أفكاره وآراءه في المسرح مشاهدا وناقدا، الذي يعد المسرح والتمثيل لن يضيفا شيئا لمسرحية ناجحة وبذات الوقت لو كانت المسرحية فاشلة لن يجعلها أفضل الممثلون والمسرح، في حين يسرد تشيخوف على لسان إحدى شخصياته رأيها في المسرح وهي الممثلة المسرحية عن أن المسرح أصبح مليئًا بالكذب والاستغلال والفاشلين وأن من يأتي للعمل فيه  لم يجد عملا في مكان آخر. ويبدو تشيخوف متحاملا كثيرا على رداءة المسرح في عصره فحاول من خلال شخصياته أن يثبت كل آراءه فيما يخص المسرح

ومن المسرح إلى الرواية، والترجمة إلى الأطباء، إلى الحال التي آل إليها ستيبانوفتش في آخر عمره بعد ثلاثة عقود من العمل، وكثير من الأفكار عن هذه الحياة التي يعيشها والمجتمع الذي يضمه، يروي ستيبانوفتش حياته حتى آخر أيامه

الرواية قصيرة، لكنها غنية بفكر ونظرة عميقة لكل ما كان أن يسمى سمات عصره، فهي ذات طابع اجتماعي وفكري نقدي، وعلى الرغم من عنوانها فهي ليست مملة



الرواية الثانية- عنبر رقم ٦.

هذه الرواية ذات الطابع التراجيدي التي تدور بصورة رئيسة حول شخصيتين الأولى إيفان الشاب الذي يعيش حياة صفتها المصائب والمأساة ويقع فريسة المخاوف النفسية من أن يكون قاتلا وينتهي به المطاف في مستشفى للأمراض العقلية، والشخصية الأخرى هي أندريه الطبيب النفسي الذي يعمل في مجال الطب لعقدين من الزمن رغم عدم حبه لهذه المهنة، فتلتقي الشخصيتان، بفكرهما وفلسفتهما اللتين يتواجهان في ساحة للنقاش يحمل بين طياته ازدراء العالم والواقع والفلسفة والحياة

وكالعادة فإن تشيخوف ينقد المجتمع والواقع ويسلط الضوء على كل المساوئ متهكما تارة وساخرا تارة أخرى، فكان الواقع الذي هزئ منه هو المستشفيات وسوءها والطريقة التي تُدار بها، ومن يعملون فيها، وكيفية معاملة المرضى، ليصل بنا لحالة نهائية تتكفل شخصياته بتبنيها ما الفائدة من المستشفيات أو الاهتمام بالمرضى إذا كان مشروع الإنسان نهايته الموت

إيفان وأندريه، مثّلا واقعين فالأول رغم وقوعه في فخ المرض النفسي فقد بقي محتفظا بفكره الذي يناقش فيه أندريه ويحاكم فيه المجتمع وفق أي أساس حُكم عليه بالجنون والمرض النفسي، وما الذي يجعل الآخرين في الخارج أصحاء وليسوا مثله، ويسخر من الرواقيين وتجردهم من ملذات الحياة، أين هي ملذات الحياة التي سيتجرد منها الفقير الذي لم يعرفها. في حين أندريه، فهو رغم عدم رضاه بالواقع الذي يعمل فيه ويعيش وسطه فإنه يبقى مستسلما له، صراعه النفسي الداخلي يركن فيه إلى عدم تغيير أي شيء لا يوافق عليه، رغم رغبته في التغيير لكنه يجد نفسه أضعف من أن يخطو نحو الإصلاح، وفي الوقت الذي يبدأ فيه بالتقارب مع إيفان ويكثر من اللقاء فيه والتأثر به، يسقط هو الآخر في فخ سؤال من المجنون الحقيقي؟ ومن السليم؟ ويُساق بعدها ليصاحب إيفان في ذات العنبر، لكنه لا يكترث هنا أو هناك سيكون مصيري واحدا وهو الموت، فلمَ الاعتراض؟  هذه السخرية التي تتدفق في الرواية، السخرية من حياة المجتمع وحكمه على الأمور الظاهرة دون فهمها أو حتى محاولة فهمها، هي ما يُحاول تشيخوف جعل الجميع يقرأه ويفكر فيه



الرواية الثالثة- رواية رجل مجهول.

الرواية الثالثة، هذه الرواية ذات حدث رئيس واحد، تترك فيها إحدى نساء المجتمع الراقي منزل زوجها وتذهب لمنزل حبيبها. ويروي أحداث هذه القصة الخادم الذي كان يرى وتقع أمامه أغلب الأحداث المهمة في حياة سيده، العلاقة بين هاتين الشخصيتين- أرلوف وزينائيدا- ليست على وفاق، فأرلوف لا يحب زينائيدا في حين هي متيمة فيه، لتبدأ حياتها بالانتكاس المستمر، الذي يصل بها إلى مرحلة اللا عودة.

يقوم الخادم وهو الراوي لهذه القصة، بمقام الحكم على هذه العلاقة وعلى حياة سيده وأفكاره ونظرته للمجتمع الراقي والمجتمع الآخر، مجتمع الفلاحين والتُجّار، وليقع بغرام زينائيدا التي لم تكن تنظر له أكثر من مجرد خادم، إنسان أدنى.

لم تكن هذه الرواية مثل الرواتين السابقتين بذات الجمال والإثارة والأحداث، فجل تركيزها على تصوير الجانب اللا أخلاقي في المجتمع الراقي الروسي، وترك النساء لبيوت أزواجهن والعيش مع عُشّاقهن

شخصية أرلوف، شخصية سطحية تهتم بملذات الحياة ولا تعير اهتماما للمشاعر والحب، وعلى الرغم من كرهه المجتمعين الراقي والمجتمع الذي يضم بقية الأطياف، فهو يُفضل العيش في المجتمع الراقي، والتمتع بكل ما يُتاح له داخل أروقته، بل هو حتى لا يهتم للآخر، بغض النظر عما يكنّه الآخر له، فيعيش حياته بأنانية ونرجسية لا يهتم فيها بغيره


الرواية الرابعة - المبارزة.

 في البداية لدي ملاحظتان، الأولى: هذه الرواية مشابهة لرواية رجل مجهول، من علاقة بين رجل وامرأة متزوجة هاربة من زوجها وملل الرجل من حبيبته ومحاولة التخلص منها بأي طريقة، والسؤال هنا لمَ وضعت روايتان ذات فكرة متشابهة بصورة كبيرة في ذات الكتاب والذي هو أعمال مختارة وكان من المفترض أن تكون الأعمال المختارة غير متشابهة! فكان من الأولى حذف رواية رجل مجهول وإبقاء هذه الرواية.

والملاحظة الأخرى: إن الفكرة مكررة مع نوع من التوسيع والأحداث الأخرى، فلا أرى أن التكرار ينفع القارئ مع تنوع الأفكار المطروحة في الروايتين، وتشابه الفكرة مع اختلاف شخصية لايفسكي عن شخصية أرلوف، وتنوع أسبابهم في التهرب من عشيقاتهم لن يغيّر الكثير من فكرة الفساد الأخلاقي لبعض أفراد المجتمع الذين ينقدهم تشيخوف، فالاضطراب النفسي والتشتت فيما يريد وما لا يريد وضياع بوصلة الرغبات وتقدير الآخر هي ذاتها في كلتا الروايتين

تدور الرواية حول شخصية لايفكسي وناديجدا، التي تهرب من منزل زوجها لتعيش مع لايفسكي، والذي بعد عامين يبدأ يضيق بها ويحاول التخلص منها والهرب منها ويفقد الصبر، فهو رغم كونه مثقفا وقارئا،  فهو ذو شخصية غير متزنة ومشاعر لا يعرف كيف يتحكم بها أو يضبط إيقاع تصرفاته، وهنا تظهر كذلك ظاهرة اختلال أخلاقيات المجتمع، وقام عالم الحيوان فون كورين بانتقادها من خلال لومه وحديثه اللاذع والصارم تجاه لايفسكي، ويؤمن بضرورة الخلاص من أمثال لايفسكي فهم كالوباء الذي يتفشى في المجتمع ويشيعون الفساد فيه، إضافة لعدم قيامهم بأي نفع للبيئة التي يعيشون فيها، فهم كما كان الجيل الذي قاسى ظروف تحت سلطة الإمبراطورية، جيل بلا هدف يتسربل بالرذائل مقارعة الخمر ومواعدة النساء المتزوجات، زائدون عن الحاجة ويجب التخلص منهم. في حين يقوم صامويلنكو الإنسان المتزن بمحاولة أن يكون حلقة وصل وتفاهم ما بين لايفسكي وما يمثله من أخلاقيات تنم عن فوضى اجتماعية ونفسية وأخلاقية، مع كورين الصوت العامل والعقلاني والأخلاقي المتزن الذي يبحث عن مجتمع رصين متزن ذي أخلاقيات تحافظ على هيكليته حتى لا تتفشى فيه الأمراض ويُصبح عرضة للانهيار في أي لحظة.

تتأزم العلاقة بين لايفسكي وكورين لتصل إلى المبارزة، وهي إحدى الرواسب التي كانت ما تزال باقية عند أفراد المجتمع الروسي، وكيفية تعامل شخصيات الرواية مع هذه الواقعة، والذين كانوا شبه متفقين على نبذ هذا التخلف والرجعية وإن الاختلاف مهما كان لا يجب أن يصل لهذه المرحلة التي تُؤكد على همجية ورجعية الإنسان، وعليه بالتالي التخلص من آفات غضبه بالطريقة السليمة والأخلاقية التي تُثبت إنسانيته.


امتازت روايات تشيخوف في هذه المجموعة بمواضيعها التي تناولت المجتمع والمجتمع فقط، بكل طبقاته، ومن خلال شخوصه وأبطاله سلّط الضوء على الأخلاقيات وعادات المجتمع والطبقية، مركزًا على الجانب السيكولوجي لأبطاله، وأبطاله دائما كانوا شبه مضطربين فهم لم يكونوا مثالا بل صورة عاكسة لمدى الاختلال النفسي، والأخلاقي، والاجتماعي. وأرى أن تشيخوف في هذه الروايات الأربع، حاول إبراز شخصياته وتكوينهم ليكونوا أمثالا تبرز تناقضات المجتمع وجيل مضطرب كما في شخصيات رودين لتورغينيف وبتشورين لـليرمنتوف، لكنه لم يُعطهم تلك الكاريزما التي كانت لدى رودين وبتشورين على سبيل المثال، فقدانهم التأثير والاستحواذ على الآخر غير موجود فتراهم تائهين تيهانًا لا يكادون يجدون سبيلا يُرشدهم، وحتى استقرارهم النفسي الذي يظهرون فيه أحيانا هو نتيجة للتعب من الواقع الذي كابدوا مرارته أكثر من إرشاد العقل والمنطق والحقيقة له.

وشخصيات تشيخوف شخصيات مثقفة، ذوو أفكارٍ فلسفية ويحبون الاطلاع فتراهم دائما يستشهدون بأبطال الروايات الروسية، وهنا تبرز قيمة الأدب الروسي في العصر الذهبي  -ولا شك إن تشيخوف أحد أعلامه- وتأثيره الكبير على الأدباء قبل القُرّاء، سواءً في موضوعاته أو شخصياته أو التأثر بالواقع ليكون منبعًا يستمدون منه أفكارهم.


الكتاب الرابع - المسرحيات.

الكتاب الرابع يضم ست مسرحيات لأنطون تشيخوف والذي يعد أحد رواد الكتابة المسرحية، 

"وأستاذًا للمسرحية التقليدية، فهو فنان الدراما الواقعية، حتى  <<... أصبح الوحيد الذي يحتل المرتبة الثانية بعد شكسبير من حيث الشهرة وتكرار عروض نصوصه>>." كتاب مسرحيات تشيخوف ذات الفصل الواحد

وأعاد تشيخوف إحياء فن الفودفيل- وهو فن مسرحي تتكون مسرحياته من فصل واحد وانتقل من فرنسا إلى روسيا، ومر بمراحل كثيرة وتنوعت مواضيعه الناقدة للمجتمع والدولة والعادات الاجتماعية، ويعتبر تشيخوف أبرز رواده في المسرح الروسي-. 

يحتوي هذا الكتاب على مسرحيتين ذات فصل واحد -الفودفيل- المسرحية الأولى بعنوان حول مضار التبغ والثانية بعنوان الدب. وهاتان المسرحيتان لهما طابع اجتماعي أُسري حول الأسرة والعلاقة الزوجية والعلاقة بين الرجل والمرأة بصورة عامة والوفاء والحب
والمسرحيات الأُخر -النورس، والخال فانيا، والشقيقات الثلاث، وبستان الكرز- تتنوع مواضيعهن الاجتماعية والواقعية، بأسلوب فلسفي ورمزي أحيانا، ومونولوجات للأبطال. لغة تشيخوف المسرحية لغة ذات طابع شعري مميز، فكلماته طيّعة وسلسلة تنساب بتدفق رائق وشائق
ومن خلال قراءاتي لهذه المجموعة المختارة أرى أن تشيخوف مميزٌ بصورة رئيسة بكتابة القصة القصيرة، ثم الكتابة المسرحية وفي الأخير الرواية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...