الأحد، 28 أبريل 2019

ما بين أولاد حارتنا وسابع أيام الخلق.



(ما ستقرأونه في السطور التالية هدفه البحث في التشابه الذي رأيته ما بين روايتي أولاد حارتنا لنجيب محفوظ ورواية سابع أيام الخلق لعبد الخالق الركابي، لا التقليل من أي عمل أو كاتب، لذا وجب التنبيه).



بعد إكمال قراءة العملين في الفترة الماضية، فقد ظهر لي التشابه في بنية العملين وأحداثهما  إلى حد كبير ابتداءً من الراوي داخل الرواية إلى تفاصيل صغيرة مثل عمل الشعراء في المقاهي الحارة في رواية أولاد حارتنا على قص حكاية الجد جبلاوي مع ابنيه أدهم وإدريس وحكايات أحفاده، وما كان للرواة في مدينة الأسلاف من مهمة روي سيرة مطلق وأبنائه أو محاولة الفتوات والشيوخ التأثير في عمل الشعراء والرواة وتزييف بعض الحقائق أو طمسها.



الراوي الداخلي:



- تتشابه الروايتان بأن الراوي الذي يروي هو شخصية له كيانها داخل العمل، وإن كان دور الراوي في رواية أولاد حارتنا أقل حضورا بكثير من راوي رواية سابع أيام الخلق الذي كان له دور رئيس.



يقول الراوي في رواية أولاد حارتنا في الافتتاحية: شهدت العهد الأخير من حياة حارتنا وعاصرت الأحداث التي دفع بها إلى الوجود "عرفة" ابن حارتنا البار. وإلى أحد أصحاب عرفة يرجع الفضل في تسجيل حكايات حارتنا على يدي،…



يقول الراوي في رواية سابع أيام الخلق في كتاب الكتب (سِفر الألف): لعل كلمات (شبيب طاهر الغيّاث)، سادس رواة المخطوط، هي خير مدخل لروايتي هذه؛ ففي ختام الصفحات التي كتبها إليَّ لخص جهده وجهود من سبقه من الرواة بعبارة بليغة أشبه ما تكون بحكمة…



فكما هو واضح في المثالين، وجود راوٍ داخل العمل، يتكفل بالرواية، في حين يختفي الكاتب الحقيقي (محفوظ والركابي) في منطقة الظل ولا شيء يدل على وجودهما، إذ ينوب الراوي الداخلي بالعمل التجميعي والتركيبي والسردي.



-  إن عمل الراوي الداخلي في الروايتين لم يكن نابعا بصورة خالصة من ذاتيهما بل دخل اقتراح الآخر في دعمهم وتزويدهم بالمعلومات التي يحتاجانها كما لاحظنا في الاقتباسين أعلاه، وأيضا:



يقول الراوي في رواية أولاد حارتنا في الافتتاحية: … "إنك من القلة التي تعرف الكتابة، فلماذا لا تكتب حكايات حارتنا؟ إنها تروي بغير نظام، وتخضع لأهواء الرواة وتحزّباتهم، ومن المفيد أن نسجل بأمانة وحدة متكاملة ليُحسن الانتفاع بها، وسوف أمدك بما لا تعلم من الأخبار والأسرار". ونشطت إلى تنفيذ الفكرة، اقتناعا بوجاهتها من ناحية وحبا فيمن اقترحها من ناحية أخرى.



أما الرواية في رواية سابع أيام الخلق، فالطلب من الرواي كتابة الرواية ومساعدته من قبل بدر الفرهود، مدير المتحف، وشبيب طاهر الغياث، صاحب الفضل الكبير، في تحقيق متن المخطوط (السيرة المطلقية)، كان واضحا ولا يخفى على قارئ لهذا العمل، ووصل إلى وعي الشخصيات دورها داخل العمل، بل واقتراحهم إبقاء أسمائهم مثلما كان اسم شبيب طاهر- ثبيج لازم. وكان للرواي دورا بارزا إذ كونه روائيا فهذا ما ساعده كثيرا في تحويل السيرة المطلقية إلى قصة يدونها في روايته ويتكلم فيها عن مدينته مدينة (الأسلاف) يقول الراوي في الصفحة 123:


وهكذا كان من الطبيعي أن أرمق (بدر) بنظرة استنكار يوم اقترح عليَّ تسجيل الأقسام الثلاثة لـ(السيرة)، وفي ظني أنه يمزح. لكنه ازداد إصرارا على ذلك مؤكدا وجود فروق قد لا ينتبه لها الآخرون.



- إن الراوي في العملين ينتمي لنفس المدينة التي ولد وعاش فيها بعد عقود أو قرون من وقوع أحداثها.



يقول الراوي في أولاد حارتنا: هذه حكاية حارتنا، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق. لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته…



يقول الراوي في سابع أيام الخلق وهو الذي يعيش في مدينة الأسلاف: إذ لم يجانب شبيب طاهر الغياث الصواب حين ذكر أن القلعة كانت البؤرة التي نمت عنها مدينة (الأسلاف) على مدى قرون…



- اعتماد الراوي في العملين على الرواة التي يقصون الحكايات أو السيرة المطلقية.



يقول الراوي في أولاد حارتنا: … ولكني سجلتها جميعا كما يرويها الرواة وما أكثرهم.



أما الراوي في رواية سابع أيام الخلق فاعتماده على الرواة ما لا يحتاج أن نقتبس فتعدد الرواة في العمل كان مزية لها والذي تعددوا في الروي شفويا وسردا مثل عبد الله البصير ومدلول اليتيم وعذيب العاشق والسيد نور.



تكوين ومتن الروايتين:



التكوين:




رواية أولاد حارتنا موزعة في حكايات، وكل حكاية تمثل فصلا ومرحلة من الرواية، فهي مقسمة إلى قصص: أدهم وجبل ورفاعة وقاسم وعرفة، ولكل من هؤلاء قصته التي تصب في المتن الرئيس الممتد والمنتمي لقصة الجبلاوي مع أبنائه والصراع الدائر بين أدهم وإدريس، وكل قصة هي إكمال للأخرى حتى نحصل في النهاية على حكاية حارتنا الكاملة.


هذا التوزيع والتنويع نجده أيضا في رواية سابع أيام الخلق، وإن اختلفت بعض التفاصيل إلا أن التكوين العام والإطار الضام ذاته، فالرواية مكونة من جزئين، الأول: الرواية/ سيرة رواية (سابع أيام الخلق) والآخر: مخطط الراووق. تُقسم الرواية إلى سبعة كتب يحوي كل منها على سِفر وجزء من سيرة مخطوط الراووق خلا سِفر النون، والأسفار هي: سِفر ألف واللام والراء والحاء والميم والألف المحذوفة والنون والتي تشكل لفظ الجلالة الرحمٰن، وأجزاء المخطوط هي إشراق الأسماء وكتاب الإنيّة وإشراق الصفات وكتاب الهوية وإشراق الذات كتاب الأحدية. ويروي السيرة المطلقية في المخطوط أربعة رواة: يروي الجزء الأول عبد الله البصير عن بداية بناء مطلق للقلعة والخلاف بينه وبين السيد نور وتقرب مطلق من السلطات ومن ثم تفشي الطاعون، ويروي الجزء الثاني المكمل مدلول اليتيم الذي يروي قصة حب وزواج طارش بن مطلق من فتنة بنت المعيدي ذياب، ويروي الجزء الثالث عذيب العاشق قصة أبناء مطلق وزواجهم، ويروي الجزء الرابع والأخير السيد نور، لنحصل في الختام على متن المخطوط كاملا الذي سعى الراوي وبمساعدة شبيب طاهر وبدر الفرهود على إظهاره بحلته الأخيرة.



المتن:



- هناك بعض التشابهات في أحداث الروايتين. ففي رواية أولاد حارتنا، تنتهي قصص (جبل ورفاعة وقاسم) بالمواجهة والقتال ما بين أتباعهم وفتوات الحارة ومدير الوقف، وينتهي المخطوط بمواجهة مطلق وأبنائه مع الحكومة ودركها.



- يروي الشعراء حكاية جبلاوي الجد الأول للحارة في المقاهي، وبمرور الزمن يحاول الفتوات تزييف بعض الأحداث أو إخفاء قصة المواجهة مع الفتوات التي تنتهي بهزيمة الفتوات من قبل المُجددين والداعين لتوزيع واردات الوقف بالتساوي.



فيذكر الراوي كما ذكرت في الأمثلة أعلاه عن المهمة التي أُنيط بها لتدوين الحكايات لأسباب متعلقة بالتزييف والتحزّبات، ويذكر الراوي في قصة عرفة بأن شاعر آل قاسم كان يقول بأن هدف قاسم من المواجهة كان استغلال الوقف وهذا تزييف واضح عن هدف قاسم الذي تروى حكايته:


- شاعر آل قاسم يقول إن قاسم أراد استغلال الوقف حتى يجد كل حاجته فيستغني عن العمل ويفرغ للسعادة الغناء التي حلم بها أدهم. ص. 483



وفي رواية سابع أيام الخلق، فإن موضوع التزييف وإخفاء جزء من السيرة المطلقية يعد حدثا رئيسا له مساحته في الرواية. فقد تم عن طريق الرواة الذين استخدمتهم المشيخة- التي وضعتها السلطات- تزييف الوقائع، وعدم ذكر ما كان يحدث من رد مطلق على السلطات ومواجهته إياهم، وهذا هو الجزء المفقود من المخطوط- مواجهة مطلق شيخ البواشق للسلطات وهي الحادثة المعروفة بحادثة دكة المدفع.


وقد عرف آل غياث هذه الحقيقة بعد أن ذهب حليم الغياث إلى البلدة آخذًا معه المخطوط الذي قُرئ عليه، وكشف حقيقة تزييف المشيخة للسيرة المطلقية فتعاهدوا على نقلها إلى أبنائهم وتعليمهم إياها.


ويخصص لهذا الجزء من السيرة كتاب الألف المحذوفة الذي يروي حادثة دكة المدفع. ويوضح الراوي قبلها إن سبب تدوين السيد نور للسيرة هو منع الرواة من رواية الجزء المحظور من سيرة مطلق وحادثة دكة المدفع، والمواجهة مع السلطات والتي يرويها السيد نور. وتنتهي بموت الجميع بما فيهم مطلق، وأبنائه، جناح وقاصد وربيع ونايف، وهرب طارش وخضر وحاصود.



- كما لا يخفى على القارئ قيمة الرمز في الروايتين، وتعاملهم مع المقدسات بصورة تُوضح أن العمل له أبعاده الدينية والفكرية والتراثية لكن لكل رواية أهدافها الخاصة بها، والتي تمثل فكر الرواية وغايته من العمل.


**


هل هذا التشابه الذي أراه، قد حدث بصورة مقصودة أو عفوية؟ لا أعتقد سواء أكان عفويا من قبل الركابي أم مقصودا، أنه يقلل من قيمة عمله، فإنْ كانت الفكرة السلف لرواية أولاد حارتنا فإنَّ رواية سابع أيام الخلق هي خير الخلف، ولا يمكن أن ننسى أن بُنية العمل وتعدد الرواة ومستويات السرد في رواية سابع أيام الخلق مزية وعلامة مهمة للرواية، إضافة إلى أن رواية سابع أيام الخلق قد ركزت على كيفية كتابة الرواية وتجميع المخطوط وهذا ما لا يوجد في رواية أولاد حارتنا ولو لم يكن هذا الجزء الخاص بـ(سيرة الرواية وكتابتها) موجودا فإن العمل يفقد جلَّ قيمته الأدبية، إذ سيرة الرواية وتدوين كيف كُتبت، وحياة الرواي الرئيس داخل العمل ولقاء الراوي بشخصياته ووعيهم بدورهم في الرواية يُحسب له، فهو يرفع من قيمة هذه الرواية إلى مصاف الإبداع الروائي المميز الذي قلَّ نظيره في الرواية العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...