الجمعة، 20 أغسطس 2021

فن الهوى - أوفيد



شكَّل هذا الكتاب بعد قرابة سبع سنوات من تأليفه ونشره ذريعة لينقم الإمبراطور الروماني أغسطس على مؤلفه أوفيد فنفاه إلى مدينة توميس في عام 8م حيث عاش بقية حياته حتى وفاته. اتُّهم أوفيد بنشر الإباحية وإفساد أخلاق الرعية بكتابه هذا فأمر الإمبراطور بعد نفيه بحرق نسخ الكتاب، بيد أنَّ هذه تهمة تبدو متهاوية إذ النفي جاء بعد سبع سنوات وهي مدة غير منطقية إذا كان للكتاب هذا التأثير السيئ والمحتوى الفاضح والضرر الجم في الأخلاق. فمن الأسباب التي يُعتقد أنها كانت السبب في نفيه هو العلاقة ما بين أوفيد وجوليا، حفيدة أغسطس، التي نُفيت هي الأخرى في ذات المدة الزمنية مع النبيل أرغيبا بوستوموس الذي كان مرشحًا أن يخلف أغسطس في الحكم، كما حكم بالإعدام على زوج جوليا، لوكيوس بوليوس، بتهمة التآمر على الإمبراطور أغسطس، تآمر من المحتمل أنَّ أوفيد كان على علم به، كل هذه الأسباب تشي بأن الإمبراطور استخدم الكتاب ذريعة يبرر فيها حكمه على أوفيد في جملة من حكم عليهم بالنفي والموت. 

أما الكتاب فهو قصيدة طويلة منظومة على الوزن السداسي، الذي كتبت فيه الكثير من الملاحم والقصائد الشعرية بالإغريقية واللاتينية، مقسمة إلى ثلاثة أقسام يتحدث في القسم الأول عن الوسائل التي بإمكان الرجال أن يتبعوها من أجل التقرب إلى المرأة وإقامة علاقة معها، والقسم الثاني في كيفية إبقاء هذه العلاقة، والقسم الثالث فهو مخصص للمرأة وإرشاد لها في وسائل اصطياد الرجل والمحافظة عليه. 

فالقصيدة تعليمية إرشادية للرجال والنساء على حد سواء، مدعَّمة بالقصص من الأساطير القديمة التي ظهر الكثير منها في كتاب أوفيد الشهير التحولات، إلا إنَّ هذه القصيدة ليست عن الحب والمشاعر المتولِّدة بين الرجال والنساء بل عن العلاقة الجسدية، وتتضارب أخلاقيتها فتارة لا تلتزم بعرفٍ أو أخلاقٍ فتحضُّ على خيانة الصديق مع زوجته وتبيِّن الوسائل الممكنة لذلك وفي أخرى تحضُّ على اجتناب الحرائر والمحصنات من النساء. لذا لو حاكمنا الأبيات حكمًا أخلاقيًا فسنجد أنَّها مُفسدة وتُشيع الفاحشة والعلاقات المنفلتة في المجتمع لكنها في ذات الوقت وثيقة مهمة عن مجتمع أوفيد الذي بدا في القصيدة خبيرًا بفنون الهوى والغرام عارفًا بشوؤن النساء وكيفية الوصول إليهن والوسائل الممكنة لذلك. 

احتوت القصيدة على إرشادات في الثياب وتنسيق الألوان وأتيكيت الطعام والشراب والنظافة الشخصية كنظافة الأسنان والإبط والعطور بل حتى كيفية الضحك والمشي وصولا إلى فنون الجماع والخيانة دون أن يُكتشف الخائن فحقًا كان أوفيد، كما يصف نفسه ويطالب الرجال والنساء بوصفه، مُعلمًا وأستاذًا في هذا الشأن. إنَّ الاطلاع على هذه القصيدة وقراءتها والاستفادة من نصائح أوفيد في العلاقات عامة ومع النساء خاصة- مهم لمن أراد أن يكوِّن استراتجية في بناء شبكات التواصل مع الآخرين والتقرب إلى النساء والتعامل معهن. 

ترجم الدكتور ثروت عكاشة الكتاب وأعرض عن ترجمة أبيات في مواضع مختلفة بحجة أنها خادشة للحياء، لكن القصيدة بأجمعها لو أردنا الحكم عليها فهي خادشة للأخلاق وداعية إلى الرذيلة والفساد وما ترجمه من أبيات أفظع أخلاقيًا مما حذفه لأن ما حذفه أبياتٌ عن فنون الجماع ليست بالخادشة فعلًا فأوفيد يريد من الشريكين أن يبرزا أفضل ما عندهم عن المعاشرة وأن يصلا إلى النشوة معًا دون سابق ومسبوق، ويرى أنَّ التوافق بينهما أثناء الجماع مهم جدًا لديمومة العلاقة. 

ختامًا فإن هذا النص واحد من النصوص الأدبية المهمة لأوفيد، الشاعر الذي كان له تأثير كبير وجليّ في الآداب والفنون الأوروبية في العصور اللاحقة، والاطلاع عليه قبل كل شيء قراءةٌ لنص تاريخيّ كُتب قبل أكثر من 2000 سنة يفتح أمامنا أبوابًا واسعة للاطلاع على أقوام خلوا وما بقوا وهم اليوم منسيون لكن أوفيد يُعيدهم إلينا بشعره وإرشادته ويجعل من حياتهم الغابرة حاضرةً معنا بكل ما فيها من مساوئ ومحاسن. 

وبعد سنة من نشره كتاب فن الهوى نشر أوفيد قصيدة "سلوان الحب"مؤلفة من قرابة ألف بيت يرد فيها على فن الهوى بعد الحملة والنقد اللذين شُنّا على كتابه. ونصح في هذه القصيدة تجنب الحب والاشتغال بالزراعة والتجارة والانشغال بعيدا عنه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...