الأحد، 14 يونيو 2020

أبو حيان التوحيدي



علي بن محمد بن العباس التوحيدي، أحد كبار الأدباء، وعَلم من أعلام في القرن الرابع الهجري، اُختُلِفَ في أصله ما بين عربي وفارسي وفي مكان ولادته إلا إن الثابت نشأته في بغداد حيث تعلَّم وتفقّه وقطف من ثمار المعرفة والفكر، واشتغل بالأدب واللغة والفلسفة والتصوف. يصفه ياقوت الحموي بأنه: فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة ومحقق المتكلمين ومتكلم المحققين وإمام البلغاء… فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاءً وفطنةً، وفصاحةً ومكانةً. 


أما الذهبي فقد كان من الذين طعنوا في عقيدته -التي هي الأخرى مختلفٌ عليها إلا أن القارئ لكتبه يعلم مدى إيمانه وحُسن عقيدته وتقواه وأن الطعن فيه لا يثبت من كتبه لا سيما تلك الخطب الاستهلالية التي يفتتح بها أجزاء البصائر والذخائر فهي زاخرة بالإيمان والتوحيد ومزادنة بحسن الظن بالله ورقي الحديث عنه تبارك وتعالى، فيها من أطايب الأوصاف ألذها ومن أجود  العبارات أنْفسَها، ومحالٌ أن تخرج مثلها ممن شابت عقيدته شوائبُ الضلال  

والفجور والانحراف عن جادة الحق والانتكاس عن فطرة الإسلام، في الأقل مما وصل إلينا من كتبه- فيقول في تقديمه في "سير أعلام النبلاء": الضال الملحد أبو حيان، علي بن محمد بن العباس، البغدادي الصوفي، صاحب التصانيف الأدبية والفلسفية، ويقال: كان من أعيان الشافعية". ويقول د. عبد الرحمن قائد في حديثه عن التوحيدي وما ذكره الذهبي: "وقد انتصر لأبي حيان التاجُ السبكي الشافعي، وأورده في طبقات الشافعية، وسبقه النووي، وإيراده في طبقات الشافعية بسبب نقله عن أبي حامد المروورذي، قال السبكي: "لم يظهر من كلامه ما يدل على الزندقة". ونقل عن والده تقي الدين السبكي قريبا من هذا، ولعل حماسة السبكي في الدفاع عن أبي حيان لكونه معدودًا في الشافعية ومذكورًا في طبقاتهم، كما أن انتسابه للصوفية سبب آخر للدفاع عنه، وزعم السبكي أن الذهبي بسبب موقفه من غلاة الصوفية طعن فيه، لكن نقول إن الذهبي عنده موقف من غلاة الصوفية لا معتدليهم كما أشار المحقق المعروف بشار عواد معروف". 


والقارئ لكتاب البصائر يجد ازدراء التوحيدي ممن يتناول غامض الكلام ومبهمه في العبادة أو يتخذ السبل الوعرة في الوصول إلى الله أو توهم الوصول إليه من خلال تعليقاته على ما يذكر من أخبار هؤلاء من غلاة المتصوفة والمتكلمين فكيف بعقيدته وإيمانه.

ويذكر إ. د. صلاح رسلان في تقديمه لكتاب "الهوامل والشوامل" عن دين أبي حيان قوله: 

لقد كان التوحيدي حنيفًا مسلمًا، صوفيًا يغار على دينه ويقر بجلال القرآن وإعجازه ويمجّد أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويدعو إلى الثقة في الله وحده، وفي ذلك يقول أبو العباس أحمد بن أبي الخير زركوب شيرازي وهو من أعلام القرن السابع الهجري: 

التوحيدي هو الإمام الموحد، والعالم المتفرِّد، الجامع للمعارف والعلوم، لا نظير له في المكاشفات الإلهية والبحث عن التوحيد. 


عاش أبو حيان التوحيدي حياة مديدة امتدت لقرابة قرن من الزمن تقريبًا (ولادته مختلف عليها ما بين 310 هـ و311 أو أكثر أو أقل ووفاته في سنة 414 هـ) وزاخرة بالشقاء وسوء الحظ حتى لقِّب بالمفلوك أي قليل الحظ، كما يذكر د. عبد الرحمن قائد، ورغم قلة ذات اليد والفاقة التي أدت إلى التناقض ما بين حياته وكتاباته فقد كان عالمًا موسوعيًا اشتغل في كثير من مجالات العلوم والمعارف في عصره من لغة وفقه وحديث وأدب وفلسفة وتصوف وكلام. 

امتاز التوحيدي بإتقان اللغة وتبحره فيها وضلوعه منها فقدَّم لأجزاء البصائر والذخائر خطبًا سامية اللفظ، بليغة المعنى، رقراقة الصياغة، متقنة السبك والتدبيج كأنها الدرُّ في القلادة، في فصلها ووصلها إراحه للنظر ومتعة للبصر ولذة المعرفة ونشوة العلم، وامتاز كذلك برجاحة العقل النقدي والذوق الأدبي الرفيع كما في يتضح في تعليقاته على ما يُورد في كتبه التي يلتمس القارئ فيها حُسن الرأي والبيان، ورقي طباعه الأدبية واللغوية سواء باختياره للأخبار وتوفيقه بينها وجمعها بما لا يثير الضجر والسأم والملل وبمعرفته لنفوس قرَّائه طاريًا صبرهم ومستجديًا فضلهم ومستصفحًا إياهم عن زلَّاته الواردة فهم أهلٌ لهذا. وقد تبرز أقبح معايب التوحيدي في إحراقه مخطوطاته قبل وفاته معللا فعلته بكون كتبها لأجل الدنيا فلم ينتفع منها.

ولا مفرَّ لكل محب للأدب العربي واللغة الراقية أن يطوف قارئًا وناهلًا من كتب التوحيدي التي نجت من محرقته فقد ألَّف عشرات الكتب من بينها: 

1- البصائر والذخائر وهي أكبر كتبه وأشهرها. 

2- مثالب الوزيرين. 

3- الإمتاع والمؤانسة. 

4- الهوامل والشوامل. 

5- الإشارات الإلهية. 

6- الصداقة والصديق. 

7- المقابسات. 

8- رسائل أبي حيان التوحيدي.

   


 




















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرات عوليس

مذكرات عوليس   ١ أكتوبر . عوليس الرواية التي فصلت تاريخ الرواية إلى جزئين ما قبل عوليس وما بعد عوليس كما يصفها م...